بقلم جيمس براونسيل
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
مع اقتراب الانتخابات في المملكة المتحدة، وبالرغم من استطلاعات الرأي المريبة لحزب المحافظين الحاكم، فلا يزال هناك الكثير أمام حزب العمال المعارض كي يتمكن من التغلب على الأغلبية البرلمانية الكبيرة.
وبينما يُعرف لدى الجميع أن التخلي عن طبقة الكادحين من أجل انتزاع بضعة أصوات من اليمين هو أمر مشين للغاية، فإن تراجع حزب العمال عن استعادة وزارة التنمية الدولية يعني استمرار حزب المحافظين بالتوجه إلى التضحية بالعدالة الاقتصادية من أجل الكفاءة السياسية أو كفاءة السوق، وهو ما سيؤول إلى عدم تحقيق أي منهما.
كما أن إبقاء توزيع أموال المساعدات البريطانية تحت إشراف وزارة الخارجية والكومنولث والتنمية، حيث يمكن استخدامها لتعزيز الأجندات السياسية الخارجية، على حساب الاحتياجات التنموية للدول البائسة، يقوض مصداقية بريطانيا العالمية كدولة مستقلة وكممول موثوق وموضوعي للتنمية، ناهيك عن تقويضه لدورها الريادي في المجال الأخلاقي.
فعلى مدار السنوات الثلاث الأخيرة، ظلت سياسة التنمية الدولية البريطانية وكذلك الوكالات الحكومية المكلفة بإنفاذ هذه السياسة في حالة اضطراب جراء الفوضى السياسية في وستمنستر.
وقبل ذلك، كانت وزارة التنمية الدولية تحتل موقعاً ريادياً عالمياً بالفعل لمدة تقارب العشرين عاماً بعد تأسيسها من قبل حزب العمال بقيادة توني بلير في أعقاب فوزه الساحق في انتخابات العام 1997.
وكان صندوق Girls Education Challenge يعد أكبر صندوق في العالم مخصص لتعليم الفتيات في البلدان الأكثر فقراً، وكانت وزارة التنمية الدولية أيضًا ممولًا رئيسيًا لكل من منظمة Global Partnership للتعليم وصندوق Education Cannot Wait .
كما تمكن ملايين الأطفال من الالتحاق بالمدارس بفضل التمويل الذي تقدمه وزارة التنمية الدولية، وفي الوقت نفسه، تم دعم أكثر من 20 مليون امرأة وفتاة سنويًا بالطرق الحديثة لتنظيم الأسرة بفضل البرامج التي تدعمها وزارة التنمية الدولية.
الاستقرار العالمي
وكانت وزارة التنمية الدولية من الموردين الذين يمكن الاعتماد عليهم في مجال المساعدات الإنسانية خلال الأزمات الدولية، ففي اليمن، وصلت البرامج الإنسانية التي تدعمها الوزارة إلى 7.6 مليون شخص بين عامي 2015 و2019، كما قامت بتطعيم 400 مليون طفل سنويا ضد شلل الأطفال وساهمت بشكل كبير في القضاء على مرض شلل الأطفال في إفريقيا.
وحتى في ظل حكم المحافظين، ظلت الوزارة تحظى باحترام واسع النطاق، حيث اتسمت الإحاطات الخاصة التي قدمها وزير التنمية الدولية أليستر بيرت لكبار الصحفيين بالصراحة الثاقبة وكانت إحاطات غير سياسية وهو أمر أصبح نادراً للغاية في سنوات الحروب الثقافية التي تلت ذلك.
لكن وفي كثير من الأحيان، ظل يُنظر إلى المساعدات الخارجية باعتبارها صدقة لا كاستثمارٍ طويل الأمد في الاستقرار العالمي والأمن القومي، فقد ألغى بوريس جونسون الوزارة حين كان رئيساً للحكومة.
جرى نقل اختصاصات الوزارة إلى مكتب الخارجية والكومنولث والتنمية الذي أعيدت تسميته لاحقاً، وتم تخفيض ميزانيتها من 0.7% من الدخل القومي الإجمالي المتفق عليه دوليًا إلى 0.5%.
يعني هذا التخفيض تقليل الإنفاق على المساعدات بنحو 30% وبقيمة قدرها 4 مليارات جنيه استرليني لن تستخدم بعد الآن في بناء المستشفيات أو مكافحة التطرف من خلال التعليم.
ويبدو أن حزب العمال، الذي سيتولى السلطة في المملكة المتحدة بعد الانتخابات المقبلة، لم يتخل فقط عن تعهده الذي أطلقه قبل عام بإعادة الوزارة إلى سابق عهدها حيث يقود وزير خارجية الظل ديفيد لامي الدعوات إلى إنشاء وزارة جديدة، بل إن وكالة التنمية الخارجية التابعة لوزارة التنمية الخارجية قد فشلت، كما كان الحال قبل عام 1997، في الالتزام بإعادة مستوى الإنفاق البالغ 0.7%.
الفوضى الكاملة
كما أن الكفاءات الإدارية التي تم الترويج لها كجزء من عملية الدمج بين وزارة التنمية الدولية ووزارة التنمية والتعاون الدولي لم تتحقق أيضًا، وتسببت عملية إعادة الهيكلة في خلق مشكلات بالنسبة للجنة المستقلة لتأثير المعونة، وهي هيئة مراقبة المساعدات، والتي قالت إن المراجعة حاولت المساس باستقلالها.
وقدم التقرير السنوي الأخير للجنة لمحة عن إدارة تعاني من حالة من الفوضى التامة، حيث جاء فيه: “لقد واجهنا تحديات أكبر في الوصول إلى المعلومات، والقيام بزياراتنا القطرية، والتعامل مع مجموعة متغيرة باستمرار من المحاورين، والاضطرار إلى استخدام تكنولوجيا المعلومات والتمويل في وزارة الخارجية”، بالإضافة إلى “أنظمة الموارد البشرية التي كانت مختلة وظيفياً في معظم الأوقات”، كما كتب رئيس الوكالة تامسين بارتون.
وأضاف: “في الحالات التي نجحنا فيها أخيرًا في تعيين الموظفين، يئس البعض من انتظار إصدار العقود، أما بالنسبة للتمويل، فقد اضطررنا إلى الانتظار حتى حزيران/ يونيو لتوضيح ميزانيتنا في نفس السنة المالية، ولم نتمكن من دفع رواتب الموظفين المؤقتين أو المقاولين لدينا لعدة أسابيع.”
وتبين الشهر الماضي أن حكومة المملكة المتحدة تصنف الإنفاق على الفنادق التي تستوعب طالبي اللجوء في هذا البلد على أنه إنفاق تنموي في الخارج، بما يحقق هدفها البالغ 0.5%. هذه هي الفواتير التي تديرها وزارة الداخلية وأيديولوجيتها الشريرة حول الهجرة، ويتم تحميلها على بطاقة الائتمان الخاصة بميزانية المساعدات على أمل ألا يلاحظها أحد.
ويوجد حوالي 37 ألف طالب لجوء في الفنادق في المملكة المتحدة، بتكلفة على حساب ميزانية المساعدات التي تبلغ 2 مليار جنيه إسترليني سنويًا – ما يقرب من خُمس إجمالي ميزانية المساعدات الخارجية.
وبطبيعة الحال، تتضمن فواتير الفنادق أيضًا ضريبة القيمة المضافة، وهي مدفوعات من ميزانية المساعدات تذهب إلى الفنادق، والتي يتم بعد ذلك إرجاعها كضريبة إلى الخزانة.
وعلى ذات المنوال، حذرت منظمة إنقاذ الطفولة من أن مشاريع المساعدات الخارجية سيتم تقليصها لأن وزارة الخزانة قررت أيضاً إدراج الإنفاق على اللاجئين الأوكرانيين في المملكة المتحدة البالغ عددهم 100 ألف ضمن ميزانية المساعدات المخفضة، ومن المعتقد أن الإنفاق – رغم أنه موضع ترحيب وضروري وجدير بالثناء، سيصل إلى 3 مليارات جنيه إسترليني إضافية.
وعليه، فقد صرفت نصف الميزانية على مصاريف تناسب السياق السياسي المحلي دون المشاريع الخارجية.
خطط قاسية وغير قانونية
لقد تعثرت مساعي تحقيق الشفافية التي اتخذتها وزارة التنمية الدولية بسبب اندماجها مع وزارة الخارجية والكومنولث والتنمية، فلم يتبق الآن سوى القليل من الإجراءات لضمان عدم استخدام المساعدات لرشوة أو مكافأة الحكومات التي تتحالف مع السياسة الخارجية للمملكة المتحدة والهمسات الهادئة للدبلوماسيين البريطانيين.
إن تسييس الإنفاق على المساعدات من شأنه أن يقوض مكانة بريطانيا على المسرح العالمي ويتلاعب بحياة البؤساء، قد تتوقع ذلك الآن من المحافظين، لكن حزب العمال يدعي أنه صوت الفقراء والضعفاء والمستغلين.
إنها ليست سياسة حزب المحافظين الوحيدة التي يتم دمجها بهدوء في برنامج حزب العمال، ففيما يتعلق بالهجرة، فإن حزب العمال لا يهاجم المحافظين ولا ينتقدهم بسبب خططهم القاسية (وغير القانونية)، بل بسبب فشلهم في تنفيذها.
وسيتمسك حزب العمال أيضًا بحد حزب المحافظين لإعانات الأطفال التي تدفعها الخزانة العامة، وهي سياسة وصفها زعيم الحزب الوطني الاسكتلندي ستيفن جلين بالقول أنها “صنع في الصين” لأنها تقصر حد المعونات على طفلين فقط.
تسعى المملكة المتحدة كي ترى نفسها قائدة للعمل الإنساني، وهي لا تزال ثالث أكبر جهة مانحة للمساعدات الإنسانية في العالم، ما زلنا ننفق 10 مليارات جنيه إسترليني سنويًا، موزعة بين مجالات تحسين الصحة العالمية ومكافحة الفقر ومعالجة تغير المناخ، الأمر الذي يثير استياء البعض الذين ينشرون صورًا كوميدية على فيس بوك تدين إنفاق المال في الخارج بينما يتزايد فقر الأطفال في المملكة المتحدة.
ففي حين ننفق 10 مليارات جنيه استرليني سنويا على مساعدات التنمية الخارجية، فإننا ننفق 32 مليار جنيه استرليني على جيشنا و81 مليار جنيه استرليني على التعليم، إن مجرد دفع الفائدة على الدين الوطني سيكلفنا 94 مليار جنيه إسترليني هذا العام.
يعي حزب العمال أنه لا يستطيع تفعيل أجندته دون أن يكون في السلطة، ولكن تجريد الحزب من الكثير من أجندته التقدمية من أجل تحقيق الفوز، جعل الفوارق بين حكومته وحكومة المحافظين الكارثية غير واضحة.
للإطلاع على النص الأصلي من (هنا)