كشفت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية، نقلاً عن مسؤولين سعوديين، عن عرض قدمته المملكة باستئناف المساعدات المالية للسلطة الفلسطينية، في خطوة تهدف إلى حشد دعم القيادة الفلسطينية للرياض في إقامة علاقات دبلوماسية رسمية مع إسرائيل.
بحسب الصحيفة، تأمل السعودية بأن يساعدها الدعم المالي الجديد، والذي توقف نهائياً عام 2021، في الحصول على دعم الرئيس الفلسطيني محمود عباس بشأن التطبيع مع إسرائيل، وبالتالي إسكات الأصوات التي تنتقد الرياض وترى أنها تخلت عن القضية الفلسطينية.
أما السلطة، فهي الآن في خضم بحث قبول العرض السعودي أو رفضه، حتى أنها سترسل وفداً للسعودية بعد أيام لإجراء محادثات حول المضي قدماً في إنشاء دولة فلسطينية مستقلة!
أحد العروض المقبولة لدى بن سلمان تتمثل في نقل الوصاية على المسجد الأقصى إلى العائلة الحاكمة السعودية
وتذكر الصحيفة أن فكرة استئناف المساعدات كان قد طرحها ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، لأول مرة في اجتماع جمعه بعباس في إبريل الماضي، وعند طرحه لم يكن الدعم المالي مرتبطاً بشكل مباشر بدعم السلطة للتطبيع السعودي الإسرائيلي، ولكن بقدرتها على إعادة سيطرتها على مناطق الضفة التي يسيطر عليها المقاومون الفلسطينيون على أرض الواقع.
تعتقد المملكة أن سيطرة السلطة سوف تساهم في تهدئة التوترات في الضفة الغربية المحتلة وإعادة شرعية السلطة، في وقت تتصاعد فيه أعمال العنف في الضفة نتيجة الهجمات التي يشنها المستوطنون والغارات العسكرية على الفلسطينيين.
وفقاً لإحصائيات موقع ميدل إيست آي، فقد قتل ما لا يقل عن 216 فلسطينياً بنيران إسرائيلية منذ بداية 2023 ، بينهم 37 طفلاً و180 فلسطينياً في الضفة والقدس الشرقية و36 آخرون في غزة، مما جعل من العام 2023 أحد أكثر الأعوام دموية في الأراضي المحتلة.
كبح جماح المقاتلين الفلسطينيين
منذ تأسيسها بعد اتفاقيات أوسلو عام 1994، تتولى السلطة الفلسطينية السيطرة على أجزاء من الضفة الغربية المحتلة، كخطوة كان من المفترض أن تكون الأولى نحو مفاوضات إنشاء الدولة المستقلة، إلا أن شعبيتها تدهورت جراء الفساد والاستبداد والتعاون الأمني مع الاحتلال الإسرائيلي، بالإضافة إلى مسؤوليتها عن التدهور الاقتصادي للمواطنين الفلسطينيين.
من ناحية أخرى، هناك جيل جديد متصاعد من المقاتلين الفلسطينيين الذين خرجوا عن سيطرة السلطة في مدن مثل جنين ونابلس والخليل، ويتلقون دعماً من فصائل كالجبهة الشعبية وحماس والجهاد الإسلامي.
“السعوديون أخبروا إدارة بايدن بأنهم يتوقعون أن تدعم السلطة تطبيع العلاقات مع إسرائيل حتى لو لم يتم إنشاء دولة فلسطينية مستقلة”- وول ستريت جورنال
نقلاً عن وول ستريت جورنال، فإن الرياض ترى إنه إذا تمكنت السلطة الفلسطينية من كبح جماح مقاتلي المقاومة، فإن السعودية سوف تتعهد بعدم قبول أي اتفاق مع إسرائيل دون المضي في جهود إنشاء دولة فلسطينية مستقلة.
يذكر أن وزير الخارجية الفلسطيني، رياض المالكي، صرح قبل شهر بأن السلطة “تأمل ألا تستسلم السعودية للضغوط الأمريكية وتتخلى عن شرطها” بربط التطبيع مع إسرائيل بإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.
ترفض السعودية تطبيع العلاقات مع إسرائيل منذ عام 2002، وذلك بموجب خطة السلام العربية التي تدعو إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة في الضفة وغزة وعاصمتها القدس الشرقية، وهو موقف ما زالت تتبناه السعودية في العلن، إلا أن محللين يرون أن السعودية سوف تقبل بأقل من ذلك بكثير.
أحد تلك العروض المقبولة لدى بن سلمان تتمثل في نقل الوصاية على المسجد الأقصى إلى العائلة الحاكمة السعودية، أي سحبها من الأردن الوصي اليوم، من الناحية الفنية، على الأماكن المقدسة في القدس منذ اتفاقيات ما بعد الحرب العالمية الأولى.
قام عباس بإلغاء انتخابات كانت مقررة في 2022، متعللاً برفض إسرائيل السماح بتصويت الفلسطينيين في القدس الشرقية، فيما يرى محللون أن السبب الحقيقي وراء ذلك كان خوفه من فوز حماس في الانتخابات
تريد الرياض أيضاً ضمانات أمنية مقابل التطبيع، ومساعدتها في تطوير برنامج نووي مدني، بالإضافة إلى قيود أقل على مبيعات الأسلحة الأمريكية، وكلها أمور يصعب إقناع الكونغرس بها، فالعديد من النواب الأمريكيين ينظر إلى بن سلمان باعتباره منبوذاً بسبب سجل المملكة السيء في مجال حقوق الإنسان.
وقد كتبت وول ستريت جورنال أن السعوديون أخبروا إدارة بايدن بأنهم يتوقعون أن تدعم السلطة تطبيع العلاقات مع إسرائيل حتى لو لم يتم إنشاء دولة فلسطينية مستقلة، وفي كلتا الحالتين، فالسلطة “ليس لديها أي سلطة في الاعتراض على أي تطبيع سعودي إسرائيلي”.
من جانب آخر، تلقي المنافسة الإقليمية داخل الخليج بظلالها على الصفقة المحتملة، فالإمارات والبحرين والمغرب قامت بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل في اتفاقيات أبراهام المدعومة من الولايات المتحدة عام 2020، ولم يكن للفلسطينيين دور وقتها، بل إن الإمارات بررت موقفها آنذاك بأنها ساهمت في وقف الاستيطان في الضفة، وهو ما لم يحصل بالطبع!
يقول الباحث في مركز مالكوم كارنيجي لدراسات الشرق الأوسط، عبد الله باعبود، أنه “سيكون من الخطير جداً على السعودية التطبيع الآن، خاصة مع الحكومة الحالية المتطرفة”، موضحاً أن ذلك “سوف يقوض سمعة السعوديين في الوقت الذي يحاولون فيه تقديم أنفسهم كدولة زعيمة في العالم العربي”.
من المبكر توقع حجم الفرق الذي سوف يحدثه دعم السلطة للصفقة في الرأي العام العربي وبين المقاتلين المسلحين في الضفة، خاصة وأن السلطة عملياً فاقدة للشرعية، فقد كانت آخر مرة أجرت فيها انتخابات رئاسية وبرلمانية في عامي 2005 و2006.
قام عباس أيضاً بإلغاء انتخابات كانت مقررة في 2022، متعللاً برفض إسرائيل السماح بتصويت الفلسطينيين في القدس الشرقية، فيما يرى محللون أن السبب الحقيقي وراء ذلك كان خوفه من فوز حماس في الانتخابات، وفي أحدث علامة على تحول المزاج السياسي في الضفة، فقد فازت كتلة الوفاء الإسلامية التابعة لحماس بانتخابات اتحاد طلاب جامعة بيرزيت في رام الله في مايو 2023.
من جانب آخر، فإن اللاعبين السياسيين داخل السلطة يتطلعون إلى ما هو أبعد من فترة ولاية عباس، من بينهم مروان البرغوثي، الذي خاض انتخابات 2021 الملغاة، وهو من أكثر الشخصيات الفلسطينية شعبية، إلا أنه يقضي حكماً بالسجن مدى الحياة منذ عام 2002، بسبب مشاركته في المقاومة المسلحة خلال الانتفاضة الثانية.