لماذا لا يجب على الولايات المتحدة إعفاء الإسرائيليين من تأشيرات الدخول؟

بقلم ريتشارد سيلفرستين

ترجمة وتحرير مريم الحمد

ظلت إسرائيل لسنوات تطمح في الانضمام إلى برنامج الإعفاء من التأشيرة الأمريكي، البرنامج الذي يوفر الدخول إلى الولايات المتحدة بدون تأشيرة وتشارك فيه 40 دولة حتى الآن.

أحد أهم شروط القبول في البرنامج هو المعاملة بالمثل، بمعنى أنه يجب على كل دولة السماح بدخول المواطنين الأمريكيين أيضاً من دون تأشيرة ومعاملتهم بنفس الطريقة التي يعامل بها مسؤولو الهجرة الأمريكيين مواطني تلك الدولة، ولكنه شرط ما زالت إسرائيل تفشل في تنفيذه!

الخلل الأكبر بالنسبة لإسرائيل يكمن بمعاملة المسافرين الأمريكيين من أصل فلسطيني، والذين يسعون لدخول إسرائيل من الولايات المتحدة والعودة بنفس الطريقة، وهو أمر ممنوع تماماً حتى الآن خاصة على الفلسطينيين الأمريكيين في الضفة وغزة.

 قد يرفض العملاء الأمنيون الإسرائيليون السماح لهؤلاء الأفراد بالصعود إلى الطائرات أو منعهم من أخذ أمتعتهم وأجهزتهم على أقل تقدير، وقد يحتجزونهم لفترة طويلة فلا يدركون رحلاتهم الجوية، ويجب على جميع شركات الطيران التي تتعامل مع إسرائيل الموافقة على تلك المعاملة!

من جهة أخرى، فإن الإعفاء من التأشيرة مفيد من الناحية السياسية خاصة لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الذي يواجه موجة احتجاج غير مسبوقة ضد تعديلاته القضائية، فإذا نجح في شروط البرنامج، فإن حوالي 450 ألف إسرائيلي ممن يسافرون إلى الولايات المتحدة سنوياً لأغراض السياحة والأعمال، سوف يسعدهم الأمر، وسوف يعتبر ذلك انتصاراً سياسياً لنتنياهو في محاولة لتعويض المشاكل التي يواجهها أصلاً.

كخطوة أولى لتلبية الشروط الأمريكية، فقد أصدر الشاباك أوامره بتخفيف إجراءات الرقابة والتفتيش في المطار، فهي وكالة المخابرات الداخلية التي تعمل على توفير الأمن في المطار بشكل عام، حتى أن مصدراً أمنياً إسرائيلياً أخبرني أن نتنياهو أبلغ رئيس الشاباك، رونين بار، بأن برنامج الإعفاء يمثل أولوية قصوى، ولذلك وعد بار بإنهاء السياسة المعروفة ولو بشكل غير رسمي وهي أن “كل عربي في المطار هو إرهابي”، لأن ذلك قد ينعكس على معاملة الأمريكيين من أصل فلسطيني.

انتهاكات صارخة

هناك قانون إسرائيلي حديث، يحظر دخول أي شخص يدعم حركة المقاطعة (BDS) إلى إسرائيل، حيث يقوم عملاء الشاباك بتفتيش وسائل التواصل الاجتماعي والانترنت بحثاً عن بيانات مؤيدة للفلسطينيين أو لمقاطعة إسرائيل، لمقارنتها بقوائم الركاب، فإذا ما ظهر أن هناك شخص، خاصة إن كان فلسطيني أو ناشط مؤيد لفلسطين قد عبر عن دعمه بأي شكل، فمن المرجح منع دخوله وترحيله.

وينطبق ذلك في الغالب على موظفي منظمات المجتمع المدني المعنية بحقوق الإنسان، حتى أنه قد تم رفض دخول سياسيين من الاتحاد الأوروبي والنائبتين في الكونغرس الأمريكي، إلهان عمر ورشيدة طليب، سابقاً بسبب دعم الحقوق الفلسطينية.

لقد أصدر رونين بار الآن تعليماته لموظفي الأمن الجوي التابعين للشيب بيت، بتغيير السياسة القديمة إلى تعريف جديد مفاده “كل عربي في المطار هو إرهابي باستثناء من هو مواطن أمريكي”!

في بعض الحالات، يواجه الأمريكيون من أصل إفريقي أيضاً معاملة مماثلة، فعندما ذهبت فرقة “ألفين إيلي” للاستعراض في إسرائيل، رفض عميل الأمن تصديق أن أحد أعضاء الفرقة وكان ذكراً هو جزء من الفرقة وجعله يرقص في المطار لإثبات ذلك، نعم لقد جعل الرجل الأسود يرقص، في صورة استحضرت معها الصورة النمطية للعنصرية!

يمكن أن تستغرق عملية التفتيش هذه عدة ساعات، ويمكن أن تتضمن نهباً للأمتعة وطلب كلمات المرور للأجهزة الالكترونية، ومراجعة واستنساخ محركات الأقراص الثابتة للكمبيوتر، وحتى تجريد المسافرين من ملابسهم بحجة التفتيش، قد يشمل ذلك تفتيش النساء مع الذكور في غرفة واحدة، بالإضافة إلى ساعات من الأسئلة المتكررة عن معلومات شخصية.

وبعد كل ذلك، قد يرفض العملاء الأمنيون الإسرائيليون السماح لهؤلاء الأفراد بالصعود إلى الطائرات أو منعهم من أخذ أمتعتهم وأجهزتهم على أقل تقدير، وقد يحتجزونهم لفترة طويلة فلا يدركون رحلاتهم الجوية، ويجب على جميع شركات الطيران التي تتعامل مع إسرائيل الموافقة على تلك المعاملة!

في يوليو 2023، وقعت إسرائيل مذكرة تفاهم أعلنت فيها أن المواطنين الأمريكيين الذين يدخلون إسرائيل لن تتم معاملتهم بتلك الطريقة بعد الآن، حتى أنها وعدت بأن من يسافر عبر إسرائيل من وإلى غزة سوف يسمح لهم بالدخول بحرية في مطار بن غوريون وعند المعابر الحدودية من غزة إلى إسرائيل.

رغم ذلك، احتجت مجموعات حقوق الإنسان الامريكية وأعضاء بالكونغرس على مشاركة إسرائيل في البرنامج، بسبب سوء معاملتها للفلسطينيين والمسلمين الأمريكيين، الأمر الذي دفع واشنطن لتحذير إسرائيل من أن العنف المتزايد بحق الفلسطينيين قد يحرمها من المشاركة في البرنامج.

تريد إسرائيل أن تبدو جذابة!

في محاولتها لتبدو بمظهر جذاب أمام المسؤولين الأمريكيين، أعلنت إسرائيل في يوليو أنها وافقت على دخول 12 ألف مواطن أمريكي في غزة إلى إسرائيل من أجل السفر للولايات المتحدة أو غيرها، أي ضعف العدد الذي سمحت به العام الماضي، حيث يدخل ألف أمريكي من أصل فلسطيني إلى الولايات المتحدة كل أسبوع تقريباً.

لقد أصدر رونين بار الآن تعليماته لموظفي الأمن الجوي التابعين للشيب بيت، بتغيير السياسة القديمة إلى تعريف جديد مفاده “كل عربي في المطار هو إرهابي باستثناء من هو مواطن أمريكي”!

في حال وافقت واشنطن على انضمام إسرائيل إلى البرنامج، فإنها لن تكسب سوى القليل، خاصة إذا ما استمر سوء معاملة الأمريكيين من أصل فلسطيني، وفي المقابل، سيكون المكسب الأكبر لنتنياهو وإسرائيل!

وتدل هذه الشعارات بوضوح على استخفاف أجهزة الأمن الإسرائيلية بالشرط الأمريكي، وهذا ينبغي أن يكون بمثابة علامة إنذار حول صدق التزامهم بالبرنامج لاحقاً، وإذا ما نظرنا إلى سجل إسرائيل المليء بالتراجع عن اتفاقياتها فيما يتعلق بالفلسطينيين، يمكن تخمين ما سوف يحصل هنا أيضاً من التساهل في البروتوكولات بمجرد الحصول على الإعفاء المنشود!

في الغالب، هذا سيكون النهج في هذه الحالة، ومن المرجح أن يكون تسهيل سفر الأمريكيين الفلسطينيين مؤقتاً وينبغي النظر إليه بعين الشك، فإذا ما تراجعت إسرائيل لاحقاً، لن يكون أمام الولايات المتحدة إلا القليل، فمن الناحية النظرية، يمكن أن يتم إخراج إسرائيل من البرنامج، لكني أشك بذلك، فإدارة بايدن لا تظهر رغبة في معاقبة إسرائيل على أي جريمة!

ومن غير المرجح إنفاق أي رأس مال سياسي على مثل هذه الخطوة، لأنها سوف تثير غضب اللوبي الإسرائيلي الأمريكي، خاصة مع اقتراب الانتخابات الأمريكية، والتي ينشد فيها الرئيس أصوات اليهود الأمريكيين والتبرعات لحملته الانتخابية.

من جانب آخر، حتى لو التزمت إسرائيل بشروط مذكرة التفاهم، فإنها تحمل “استثناء” يؤدي إلى تجريد البرنامج من جوهره، يمكن أن ” تقوم إسرائيل بالتحقيق في الخلفية الأمنية لهؤلاء الأمريكيين الأمريكيين الفلسطينيين وغيرهم من “غير المرغوب فيهم” وترفض دخول أولئك الذين شاركوا أو شاركوا في الإرهاب”.

ونظراً للتعريف الإسرائيلي الموسع لكلمة “الإرهاب”، بما يشمل حركة المقاطعة وغيرها من منظمات حقوق الإنسان، فإن هذا المقطع من الاتفاقية يوفر لإسرائيل تفويضاً مطلقاً لمنع أي شخص تقريباً من الدخول، كما يسمح لإسرائيل بالتصنيف هذا لوحدها، وهو ما لا يمكن الطعن فيه!

التفتيش العاري

قبل أيام من تطبيق بروتوكولاتها الأمني الجديد، قبل أسابيع، وصلت الصحفية الفلسطينية الأمريكية، نور وزوز، إلى مطار أمريكي على متن رحلة لشركة العال الإسرائيلية، فبعد ساعات من التحقيق والتفتيش والأسئلة الشخصية، ناهيك عن أكاذيب المحققين، تم رفض دخولها في نهاية المطاف باعتبارها “خطراً أمنياً”، كما وثقت قصتها على حسابها في تطبيق X.

رغم توقيع مذكرة التفاهم مع الجانب الأمريكي، يبدو أن البعض في الشاباك لم يحصلوا على المذكرة، ومما يثبت ذلك ما حصل مع المؤثر الأمريكي المسلم صاحب حساب @wayoflifesq على انستغرام، عند سفره إلى فلسطين لزيارة الاقصى، فقام عملاء الشاباك عند عودته بمعاملته بنفس السلوك الذي من المفترض أنه قد انتهى، فقد كشف أنه تعرض للتفتيش العاري والإجراءات الأمنية الطويلة التي أخرته عن الصعود إلى الطائرة.

وقد نقل في مقطع فيديو وثقه على حسابه على انستغرام، توبيخ أحد مضيفي الخطوط الجوية الإسرائيلية في شركة يونايتد إيرلاينز له لأنه قام بتأخير رحلة فيها 300 راكب، فيرد في الفيديو بأن السبب السلطات الأمنية في مطار بن غوريون، ويظهر بالفيديو وهو يعتذر للركاب، واصفاً الإهانة والتفتيش العاري الذي خضع له.

نظراً لهذا السلوك الإسرائيلي، يجب على إدارة بايدن رفض السماح لإسرائيل بالانضمام إلى برنامج الإعفاء من التأشيرة، فحادث كهذا يظهر أن الشاباك سوف يتجاهل الاتفاقات، فبالنسبة لمسؤولي الشاباك، الأمن فوق كل اتفاق.

في حال وافقت واشنطن على انضمام إسرائيل إلى البرنامج، فإنها لن تكسب سوى القليل، خاصة إذا ما استمر سوء معاملة الأمريكيين من أصل فلسطيني، وفي المقابل، سيكون المكسب الأكبر لنتنياهو وإسرائيل!

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة