أثارت سلسلة من مقاطع الفيديو المسربة من داخل أحد السجون التي تم تشييدها مؤخراً في مصر، مخاوف شديدة في أوساط المنظمات الحقوقية والنشطاء بشأن أوضاع المعتقلين السياسيين، بما في ذلك نقص الرعاية الطبية، والحبس الانفرادي، وحظر الزيارات العائلية.
وكان علي مهدي، أحد المؤثرين المصريين على وسائل التواصل الاجتماعي، والمقيم في الولايات المتحدة، قد نشر يوم الاثنين، مقطع فيديو يُظهر زنازين الاعتقال الخاصة بكبار قادة جماعة الإخوان المسلمين في سجن بدر.
ويُزعم أن أحد مقاطع الفيديو يُظهر صلاح سلطان، الحاصل على الإقامة الدائمة في الولايات المتحدة ووالد الناشط البارز محمد سلطان، الأمر الذي نفاه سلطان الأصغر على موقع X، المعروف سابقًا باسم تويتر.
كما أكدت مبادرة الحرية، وهي مجموعة تركز على المعتقلين السعوديين والمصريين أن صلاح سلطان لم يكن الشخص الذي ظهر في الفيديو.
وعلقت أليسون مكمانوس، مديرة الأمن القومي في مركز التقدم الأمريكي، على اللقطات المسربة بالقول إن أهالي المعتقلين لم يمنحوا الإذن بنشر التسريبات وأن بعضهم مثل محمد سلطان ينفون أن تكون المشاهد التي ظهرت لأحبائهم.
وقالت ماكمانوس عبر منصة X: “إن من شأن الطريقة التي نشرت بها هذه التسريبات أن تضر بالجهود التي يبذلونها لإطلاق سراحهم”.
لكن مقاطع الفيديو المسربة تؤكد ما حذرت منه الجماعات الحقوقية والناشطون المصريون منذ أشهر حول الأوضاع المزرية للغاية داخل سجن بدر، وأن المعتقلين يعانون من المعاملة القاسية، بما في ذلك الإهمال الطبي.
وتظهر جميع اللقطات المسربة أن كل سجين يعزل بمفرده، كما يظهر مقطعا فيديو أيضًا أن فراش المعتقلين يتكون فقط من حصيرة رقيقة ممدودة على الأرض.
وقال عمرو العفيفي، مدير الأبحاث في مبادرة الحرية:” تؤكد مقاطع الفيديو ما سمعناه من الأهالي بشأن ظروف الاحتجاز المزرية، فالانتهاكات في بدر جزء لا يتجزأ من نظام عدالة يفتقر إلى الشفافية والإجراءات القانونية والمساءلة”.
كما دعت مبادرة الحرية الحكومة المصرية إلى السماح للهيئات الدولية بالتدخل والتحقيق في الظروف داخل نظام السجون في البلاد.
وسلطت رسالة مسربة من المعتقلين، في شباط/ فبراير، الضوء على الواقع المرير داخل السجن، بما في ذلك حظر الزيارات العائلية وعدم كفاية الرعاية الصحية.
وجاء في الرسالة أن أحد السجناء انتحر في زنزانته بينما حاول آخر الانتحار بعد أن رفض مسؤولو السجن السماح له بالاتصال بأسرته المقيمة في تركيا.
كما تظهر زنازين السجن في مقاطع الفيديو المسربة يومي الاثنين والثلاثاء أكبر من تلك التي تم توثيقها سابقًا، حيث توفر مساحة واسعة للأفراد للصلاة والحصول على قوارير المياه، ومع ذلك، فمن غير الواضح ما إذا كانت السلطات قد نشرت اللقطات لأهداف دعائية.
بدورها، نفت وزارة الداخلية المصرية الاثنين تصوير مقاطع الفيديو لأي من قيادات جماعة الإخوان المسلمين، أكبر جماعة سياسية معارضة في البلاد.
فمنذ إطاحة عبد الفتاح السيسي بالرئيس السابق المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين محمد مرسي، تعرض الآلاف من أعضاء الجماعة للاعتقال أو القتل أو النفي خوفاً من الاضطهاد في الداخل عقب حظر جماعة الإخوان وإعلانها منظمة إرهابية.
وفي يونيو/حزيران 2019، فارق مرسي الحياة في قاعة المحكمة بعد احتجازه في الحبس الانفرادي لمدة ست سنوات، فيما وصفه خبراء الأمم المتحدة بأنه “قتل تعسفي بموافقة الدولة”.
“أسوأ من سجن العقرب ألف مرة”
ومنذ أن أصبح رئيسا في عام 2014، قام السيسي ببناء ما لا يقل عن 28 سجنا جديداً، أي أكثر من ثلث إجمالي عدد السجون في مصر، والذي يقدر الآن بـ 81 سجنا.
وأقيم مجمع سجن بدر، الواقع شمال شرق القاهرة، في إطار سياسة جديدة تبناها السيسي في أيلول/ سبتمبر 2021، وتضمنت الخطة التي تحمل عنوان الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، تحديث مرافق الاحتجاز في البلاد.
وبعد ذلك بوقت قصير، فتحت القاهرة مجمعين كبيرين يعرفان بسجن بدر وسجن وادي النطرون، وبدأت في نقل السجناء السياسيين إلى هناك.
ويضم مجمع بدر ثلاثة سجون مختلفة، بما في ذلك بدر 3، حيث يتم احتجاز العديد من السجناء السياسيين البارزين بعد نقلهم من مجمع سجن طرة سيء السمعة، والذي يضم سجن العقرب شديد الحراسة عام 2022.
وروج السيسي لمنشآت السجون الجديدة كنموذج في الالتزام بحقوق الإنسان، لكن الجماعات الحقوقية انتقدت عدم استيفاء هذه المنشآت للمعايير الدولية ولكونها أسوأ من السجون السابقة التي كان يُحتجز فيها المعتقلون السياسيون.
“نفس الضباط الذين أشرفوا على التعذيب في سجن العقرب انتقلوا إلى بدر”- عمرو العفيفي، مبادرة الحرية
وقال عفيفي: “تشير وثائقنا إلى أن سجن بدر أكثر شهرة من سجن العقرب سيئ السمعة”.
وأصدرت حملة “حتى آخر سجين”، التي يقودها مدافعون عن حقوق الإنسان وأسر المعتقلين للمطالبة بالإفراج عن المعتقلين السياسيين في مصر، بياناً عقب اللقطات المسربة، ذكرت فيه أنها كانت تراقب “الحظر المتعمد والمستمر الذي تفرضه إدارة السجون على وصول المعتقلين إلى الضروريات الأساسية” داخل السجن.
كما أشارت الحملة إلى أن أضواء وكاميرات المراقبة تعمل على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، وأن العديد من المعتقلين يعانون من نقص الرعاية الطبية.
وذكرت الحملة في بيان لها أنه تم تسجيل ثماني حالات وفاة في السجن بسبب “الإهمال الطبي المتعمد”، مضيفة أن “المعتقلين في بدر ما زالوا محتجزين في ظروف قاسية وغير إنسانية وعقابية”.
وذكر البيان أنه “منذ لحظة نقل السجناء إلى سجن بدر، و الرسائل والمناشدات تتوالى لتسليط الضوء على ظروف الاحتجاز المزرية، بما في ذلك التعذيب الجماعي الممنهج، حيث وصف البعض الوضع بأنه “أسوأ من سجن العقرب بألف مرة”.
كما أشارت الحملة إلى أن المعتقلين محرومون من التواصل مع أهاليهم ومحاميهم، حيث أفاد العديد من الأهالي أن مدة زياراتهم “لا تتجاوز 20 دقيقة وتتم بحضور الحراس وموظفي السجن”.
في غضون ذلك، وثّقت منظمة العفو الدولية احتجاز المعتقلين في سجن بدر 3 في “ظروف قاسية وغير إنسانية”.
وقالت المنظمة في تقرير صدر في تشرين الأول/ أكتوبر: “إن المعتقلين يرتجفون في زنازين باردة تضاء فيها أضواء الفلورسنت على مدار الساعة، وتسلط كاميرات المراقبة عليها في جميع الأوقات، ويُحظر الوصول إلى الضروريات الأساسية مثل الطعام الكافي والملابس والكتب”.
وأضاف التقرير: “ويُمنع المعتقلون من الاتصال بعائلاتهم أو محاميهم، كما وتُعقد جلسات تجديد الاعتقال عبر الإنترنت”.
ونددت منظمة العفو الدولية بالجهود المصرية لتحسين صورة السجن وتقديمه لطي صفحة السجون السيئة في البلاد.
وبينما فُتح السجن وسط “ضجة كبيرة من قبل السلطات”، أعلنت منظمة العفو الدولية، أن “المعتقلين يواجهون في الواقع نفس الانتهاكات الحقوقية التي كانت تمارس في المؤسسات القديمة بشكل متكرر، مما يكشف غياب إرادة سياسية لدى السلطات المصرية لتحقيق التغيير وإنهاء أزمة حقوق الإنسان في البلاد”.
ويحتجز ما يقدر بنحو 65 ألف معتقل سياسي في السجون المصرية على خلفية معارضتهم لحكومة السيسي، وفقًا لدراسة نشرتها الشبكة العربية لحقوق الإنسان في آذار/ مارس 2021.
ومنذ انقلاب السيسي، ارتقى مئات الأشخاص داخل السجون، جراء الإهمال الطبي وعدم وجود نظام رعاية عاجلة لمعالجة الحالات الطبية الطارئة للمعتقلين كما استدعت حالة الرئيس محمد مرسي والنائب عصام العريان.