بقلم ريحان عُدين
ترجمة وتحرير مريم الحمد
لا زال حجم الدمار الذي سببته فيضانات ليبيا يتكشف بعد أيام على الكارثة التي ضربت شرق البلاد، حيث لقي ما لا يقل عن 5200 شخص مصرعهم في مدينة درنة، بعد انهيار سدين نتيجة لعاصفة استوائية، أسفرت عن فيضانات أسفل وادي درنة، وفيه نهر يمتد من الجبال الخضراء شرق ليبيا عبر المدينة إلى البحر، جارفاً معه أحياء كاملة، كما لا يزال 10 آلاف شخص تقريباً في عداد المفقودين.
اندلعت العاصفة المسماة “دانيال” لأول مرة في 4 من سبتمبر في أجزاء من جنوب أوروبا وساحل البحر الأبيض المتوسط، وتسببت في قتل ما لا يقل عن 15 شخصاً في اليونان و7 في تركيا و4 في بلغاريا، وتحركت لاحقاُ نحو ليبيا حيث بلغت ذروة سرعتها 70-80 كيلومتراً في الساعة، بحسب المركز الوطني للأرصاد الجوية الليبية.
تقرير صادر عن جامعة عمر المختار الليبية، نُشر قبل نحو عام، أشار إلى أن منطقة درنة معرضة لمخاطر الفيضانات بشكل كبير وأن سدودها تتطلب صيانة متكررة!
في مدينة البيضاء شرق ليبيا، تم تسجيل رقم قياسي جديد لهطول الأمطار بلغ 414.1 ملم، أما في درنة، ومع انهيار السدين، فقد اختفى ما يقارب ربع المدينة، وفي غضون أيام، أصبحت العاصفة من أكثر العواصف المسجلة دموية على الإطلاق في منطقة شمال إفريقيا.
وفي حالة ليبيا، فقد ساهم ضعف البنية التحتية ونقص التخطيط في ارتفاع عدد الضحايا، كما يرى خبراء أن تغير المناخ في المنطقة هو السبب الرئيسي في كثافة العاصفة، وحذروا من أحوال طقس أكثر صعوبة في المستقبل.
بنية تحتية متدهورة!
سميت عاصفة دانيال “الطب”، وهو مصطلح غير رسمي ويميل للعامية لوصف عاصفة شبيهة بالإعصار الذي تشكل فوق البحر الأبيض المتوسط.
“السدود في ليبيا في حالة ضعيفة والصيانة ليست أولوية، لو تمت صيانة السدود بشكل أفضل، لكان من الممكن تقليل الدمار بشكل فعال”- ملاك الطيب- باحثة بيئية
تشير البروفيسورة في جامعة ريدينغ، ليز ستيفنز، إلى أن ظاهرة “الطب” تميل إلى الحدوث بشكل متكرر في الأجزاء الغربية من البحر الأبيض المتوسط، بدلاً من المناطق القاحلة مثل الساحل الليبي، ولذلك تنخفض مستويات الاستعداد والقدرة على الصمود لمواجهة العاصفة في المناخات القاحلة.
في حديثها لموقع ميدل إيست آي، أوضحت ستيفنز أنه “بينما عانت اليونان من فيضانات واسعة النطاق نتيجة للعاصفة، إلا أن الخسائر المأساوية في الأرواح في ليبيا ترجع إلى الانهيار المفاجئ للسدود، لم يكن هناك وقت لتدارك الأمر، فقد كان يتوجب منع السدود من الانهيار ابتداء، كما أن الحطام العالق بمياه الفيضانات زاد من القوة التدميرية”.
يذكر أن تقريراً صادراً عن جامعة عمر المختار الليبية، نُشر قبل نحو عام، كان قد أشار إلى أن منطقة درنة معرضة لمخاطر الفيضانات بشكل كبير وأن سدودها تتطلب صيانة متكررة!
يذكر أن مسؤولاً محلياً ليبياً كان قد كشف لوسائل الإعلام عن أن سداً آخر في المنطقة الشرقية بين درنة وبنغازي قد امتلأ بالمياه وهو على وشك الانهيار كذلك!
في مقابلتها مع موقع ميدل إيست آي، أشارت الباحثة في السياسة البيئية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ملاك الطيب، إلى أن “السدود في ليبيا في حالة ضعيفة والصيانة ليست أولوية، لو تمت صيانة السدود بشكل أفضل، لكان من الممكن تقليل الدمار بشكل فعال”، لكن ليبيا “تفتقر إلى الاستعداد للكوارث وأنظمة الإنذار المبكر وخطط الإخلاء والبنية التحتية الجيدة اللازمة للتخفيف من تأثير العواصف وحماية الأرواح”.
تشهد ليبيا حالة من الاضطرابات منذ عام 2011، بعدما أطاحت الثورة التي دعمها حلف شمال الأطلسي بالحاكم السابق معمر القذافي، وهي تعاني من الانقسام الشديد وغياب وجود حكومة مركزية قوية منذ ذلك الحين، حيث تنقسم البلد، البالغ عدد سكانها 7 مليون نسمة، بين حكومة معترف بها دولياً ومقرها طرابلس وإدارة أخرى منفصلة تحكم المنطقة الشرقية المنكوبة اليوم.
وفي ظل هذا، تلقي الباحثة في شؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لبنى يوسف، باللوم على الحكومتين فيما يتعلق بالدمار الذي حصل نتيجة الفيضانات، تقول ” الحكومتان تفتقران بشدة إلى خطط الإخلاء، والملاجئ، ولم تتمكن من تقدير الحجم المحتمل للأضرار التي لحقت بالبنية التحتية، أو تخصيص ميزانية للتعافي، صحيح أن العاصفة هي السبب المباشر لما حصل، لكنها كشفت عن سنوات من فشل الدولة وسوء الإدارة والفساد”.
وجدت دراسة أن مثل هذا الاحترار سيؤدي إلى موجات حارة وعواصف ترابية وأمطار غزيرة مع “تأثيرات مجتمعية مدمرة” في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا!
وأوضحت يوسف أن “الفشل ليس جديداً، فإدارة شرق ليبيا لم تخصص ميزانيات كافية لتطوير البنية التحتية وصيانتها منذ عهد القذافي”، مشيرة إلى أن “العاصفة وقعت في ساعات ليلية متأخرة، فتفاجأ الناس ولم يتوقعوا انهيار السد، فالليبيون لم يعتادوا على الكوارث الطبيعية بهذه الشدة والحجم، ولم يكن هناك مورد يلجأ إليه المدنيون للحصول على التوجيه”.
تأثير التغير المناخي
وفقاً للخبراء، فمن المرجح أن يؤدي ارتفاع درجات الحرارة العالمية إلى مزيد من العواصف التي تشبه “دانيال”، حيث أوضحت ستيفنز أن “في الوقت الذي من المرجح أن يؤدي فيه تغير المناخ إلى انخفاض عام في عدد الأعاصير في البحر الأبيض المتوسط، لكن فمن المرجح أيضاً أن تكون العواصف التي تتشكل أقوى، مع هطول أمطار أكثر كثافة”!
وأضافت “سيكون من المثير للاهتمام تقييم ما إذا كان إجمالي هطول الأمطار في شرق ليبيا، مثل درجات الحرارة التي تصل إلى 40 درجة في المملكة المتحدة، هذا أمر لا يمكن تصديقه منطقياً دون حصول تغير في المناخ”، مؤكدة على أنه من الصعب الإجابة على هذا السؤال، فالأمر يحتاج وقتاً للتقييم والأخذ بعين الاعتبار التغيرات في مسار العواصف ومستويات هطول الأمطار، على حد قول ستيفنز.
قام تقرير، نشره مجموعة من العلماء الدوليين في سبتمبر عام 2022، بتحديد منطقة البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط كنقطة ساخنة لتغير المناخ، حيث يبلغ معدل الاحتباس الحراري فيها ضعفي المتوسط العالمي تقريباً، كما وجدت دراسة أن مثل هذا الاحترار سيؤدي إلى موجات حارة وعواصف ترابية وأمطار غزيرة مع “تأثيرات مجتمعية مدمرة”!
وترى الخبيرة البيئية، لبنى يوسف، أن “منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هي بالفعل واحدة من أكثر المناطق عرضة لتغير المناخ ونحن نشهد تأثيرها بالفعل، حيث تعتبر أماكن مثل البحرين واحدة من أكثر الدول التي تعاني من ضغوط مائية في الخليج، في حين أن بلداناً أخرى، مثل إيران، تتجه نحو كارثة إنسانية بسبب سوء إدارة المياه لديها”، مؤكدة على أن تلك التحديات المتعلقة بالمناخ تتجاوز الحدود ولذلك فهي تتطلب “تعاوناً منهجياً”.
أما الباحثة ملاك الطيب، فقد أكدت على أنه “يجب على السلطات الليبية والدولية تنفيذ استراتيجيات فعالة للتخفيف والتكيف لتكون مستعدة بشكل أفضل للأحداث المستقبلية، فالتنسيق الإقليمي مهم لمعالجة التأثيرات المناخية العابرة للحدود وتبادل المعرفة والموارد”.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)