بقلم ندى عثمان
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
أثر الزلزال الذي ضرب المغرب بقوة 6.8 درجة وأودى بحياة أكثر من 2500 شخص الاسبوع الماضي، بشكل خاص على المنازل الطينية واللبنية التي يسكنها السكان الأصليون من الأمازيغ في القرى الصغيرة الواقعة على جبال الأطلس الكبير، والتي تعرف بقرى الدوار.
لقد تركز الأثر الأكبر للزلزال، الذي وقع في وقت متأخر من يوم 8 أيلول/ سبتمبر، في منطقة إغيل في جبال الأطلس الكبير، على بعد حوالي 70 كيلومترا من مدينة مراكش، فضلا عن قرى صغيرة أخرى.
وقد ترك الزلزال، الذي يعد الأقوى منذ 150 عاماً، السكان المحليين في المنطقة المتضررة دون الوصول إلى الإمدادات الأساسية بما في ذلك الغذاء والماء والكهرباء، فضلا عن المأوى.
وكانت المجتمعات الريفية التي اعتادت على أنماط الحياة التقليدية والمنعزلة عن أساليب الحياة الحديثة من بين المجتمعات الأكثر تضرراً، خاصة وأن المنازل في تلك الأحياء تتسم ببساطة التصميم، ما أدى لانهيار الكثير منها بمجرد وقوع الزلزال.
وينتظر السكان في هذه المجتمعات التقليدية المساعدة من فرق البحث والإنقاذ، مطالبين بمزيد من الدعم من السلطات المغربية وسط اتهامات بالإهمال.
و بحسب منظمة الصحة العالمية، فقد تضرر أكثر من 300 ألف شخص من الزلزال.
وأثارت الأضرار الجسيمة الناجمة عن الزلزال انتقادات بشأن أنظمة وقوانين البناء في بعض المدن من قبل المجتمعات الريفية المتضررة.
وفي مقابلة مع وسائل الإعلام المحلية، أوضح بعض السكان أن السلطات منعتهم من البناء بالأسمنت كي لا يتعارض المشهد العام مع جمالية المساكن المصنوعة من الطين والتي أصبحت عامل جذب رئيسي للسياح.
وقال أحدهم لوسائل الإعلام المحلية: “لقد تعرضت المحافظة لأضرار كبيرة، خاصة المنازل القديمة فيها”.
المنازل المعرضة للخطر
ورغبة في الحفاظ على الهوية، لجأ الكثيرون من قبائل الأمازيغ، وهم مجموعة من السكان الأصليين في شمال أفريقيا إلى الجبال، خاصة في مناطق الأطلس والريف بالمغرب.
تتمتع العديد من قرى الدوار بأهمية تاريخية، حيث يقع دوار دكارة بالقرب من مدينة وليلي القديمة التي استوطنها الفينيقيون والرومان في البداية منذ أكثر من 2000 عام.
عادة ما يتم بناء المنازل في الدوارات من الطوب الطيني في انسجام مع التلال ذات اللون الرملي خلفها، كما تعتمد المجتمعات المحلية على الزراعة والسياحة، ما يجعل الوصول إلى بعض المنازل مستحيلا إلا سيرًا على الأقدام أو بواسطة ركوب البغال.
وأوضح إبراهيم الجوبلي، وهو باحث مقيم في الولايات المتحدة ومتخصص في الأدب الأمازيغي ونشأ في إحدى قرى دوار المغرب، أن المنازل معرضة بشكل خاص لأي ظروف جوية قاسية، بما في ذلك الأمطار الغزيرة، لا سيما الزلازل.
فالبيوت تُبنى من طينة شديدة الرطوبة، تُترك لتستقر لبضعة أيام قبل صبها في قوالب وضغطها لربط الطوب في وحدة واحدة، ليتم استخدامها في عملية يمكن أن تستغرق شهوراً من بناء جدران الطوب والأسقف المصنوعة من الخشب والخيزران والتربة، وهي تقنية يعود تاريخها لمئات السنين.
وفسر الجوبلي ذلك قائلاً: “نظرًا لأن هذه المنطقة بالذات في المغرب لم تشهد زلزالًا بهذه القوة من قبل، فلا يوجد في الذاكرة الحية ما يدفع الناس إلى التخلي عن أسلوب أجدادهم في البناء”.
وذكر الجوبلي أيضًا أنه في ظل غياب المساعدة من السلطات، اعتاد العديد من سكان الدوار على مساعدة بعضهم البعض تاريخيًا، وأخذوا على عاتقهم ترميم أجزاء من قريتهم.
وأضاف: “لأن الإدارة الإقليمية لمشاريع التنمية أهملت هذه المناطق لفترة طويلة جدًا، فقد أنشأ سكانها نظامًا موازيًا يعتمد على نفسه لتلبية احتياجاتهم”.
وتابع: “إنهم يبنون طرقهم بأنفسهم ويحافظون عليها، ولديهم أنظمة مياه صالحة للشرب خاصة بهم، وحتى وقت قريب، كانوا يمتلكون بشكل جماعي مولدات كهربائية لإضاءة منازلهم”.
وفي العديد من هذه الدوارات، يعتمد السكان على الممرات أو الطرق الترابية للتنقل، ما يجعل جهود الإغاثة أكثر صعوبة.
“المغاربة المنسيون”
أشار مراسل قناة 2MTV المغربية، إلى أن العديد من المنازل في الدوارات مبنية بطريقة “عشوائية”، الأمر الذي يجعلها معرضة للانهيار على الفور عند أي هزة صغيرة.
ففي بلدة أمزميز الصغيرة، انهارت المباني في أعقاب الزلزال، مع تأخر وصول الاستجابة الطارئة، فيما أفاد السكان أنه “لم يتبق شيء” في البلدة التي تقطنها بعض العائلات منذ أكثر من قرن.
وفي ظل عدم توفر مستشفى في البلدة، كان لا بد من علاج المصابين في مركز طبي محلي، كما توجب نقل أي شخص في حالة خطرة إلى مراكش، وهي رحلة تستغرق نصف ساعة أو أكثر بسبب تعطل الطرق.
يعيش سكان الدوار عادة في قرى صغيرة، و يرتبطون ببعضهم البعض من خلال العائلات أو القبائل أو الروابط الجغرافية، وتنتخب الدوارات ممثلاً لها في مجلس المجتمع المحلي، كما تقوم السلطات بتعيين أحد الأفراد للتواصل مع الشخصيات الرئيسية.
وجراء الزلزال المدمر، احتشدت المجتمعات الأمازيغية لدعم بعضها البعض لتوفير الطعام حيثما أمكن ذلك و للبحث عن الأقارب والأحباء.
وفي تافغيت، على بعد 60 كلم من مراكش، تأكد مقتل 90 من أصل 200 شخص إثر الزلزال، بالإضافة إلى فقدان العديد من الأشخاص، وتعطل الطرق الضيقة في المدينة بسبب الحطام والصخور الكبيرة.
وقال السكان لوسائل الإعلام إنه لم يتبق لديهم أي أمل في انتشال أحبائهم، في ظل عدم وصول أي آلات أو خبراء إلى مكان الحادث، فقد دمر الزلزال بعض القرى بالكامل تقريبًا، لا سيما تلك التي تضم عائلة واحدة فقط أو عدد قليل جداً من العائلات.
كما دُمرت المنازل في قرية تيخت، التي كانت تؤوي ما لا يقل عن 100 أسرة.
نشر أحد مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي على موقع X، المعروف سابقًا باسم تويتر: “أنا أدرس الهندسة المعمارية وناقشت في رسالتي موضوع القرى الأمازيغية”، “إنها تبدو بيوتاً جميلة وصديقة للبيئة ومستدامة، لكنها غير آمنة للغاية وغير متكيفة مع تغير المناخ الحالي. إنهم الأصل، لكنهم المغاربة المنسيون”.
وبينما توفر ويركان، وهي مدينة صغيرة يبلغ عدد سكانها حوالي 6000 نسمة وتقع في سفوح جبال الأطلس الكبير في المغرب، مناظر رائعة للسياح وفرصًا للتنزه سيرًا على الأقدام وتحتوي أنهارًا رائعة، فهي أيضًا موطن للمنازل الطينية التقليدية التي سويت بالأرض في الزلزال.
للإطلاع على النص الأصلي من (هنا)