أكد عدد من الخبراء أن هناك إرهاصات تطبيع محتمل بين السعودية وإسرائيل، الأمر الذي سوف يؤدي إلى تزايد الاستبداد والقمع في الشرق الأوسط.
خلال المؤتمر السنوي الثامن لمركز أبحاث المركز العربي في واشنطن، اجتمع خبراء في سياسة الشرق الأوسط لمناقشة ما يمكن أن تكون عليه طبيعة اتفاق التطبيع المحتمل بين السعودية وإسرائيل، بوصفه الهدف الرئيسي ضمن السياسة الخارجية لإدارة بايدن، التي وصفته بأنه إن حصل فسيكون “لحظة تحول” سوف تنقل المنطقة من الاضطراب نحو الاستقرار.
من جانبه، أشار مدير مركز الوليد للتفاهم الإسلامي المسيحي في جامعة جورج تاون، نادر هاشمي، إلى أن وصف إدارة بايدن يعد “تشويهاً هائلاً للواقع بالنسبة لأي شخص عاش في المنطقة لفترة من الزمن”، معتبراً خطة التطبيع المحتملة بأنها “أمنية في أحسن أحوالها، بل هي كارثة سياسية سوف تزيد من زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط”.
قبل أشهر، أعلنت إدارة بايدن عن نيتها التوسط في صفقة التطبيع بين السعودية وإسرائيل، وذلك في محاولة للبناء على وساطة إدارة ترامب التي نجحت سابقاً في توقيع اتفاقيات أبراهام التطبيعية مع الإمارات والمغرب والبحرين.
ويرى هاشمي أن “هذه الصفقات التي تدعمها السياسة الخارجية الأمريكية تعتمد في الواقع على استمرار الأنظمة القمعية الاستبدادية في الشرق الأوسط، وتتجاهل التطلعات الأساسية لشعوب المنطقة إلى الحرية السياسية، والحكومة المسؤولة، وتقرير المصير”.
خلال مقابلته الأخيرة مع فوكس نيوز، صرح ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، بأن المملكة تقترب من الاتفاق “كل يوم” على حد وصفه، في الوقت الذي أكد فيه الخبراء أن تطبيعاً مع إسرائيل قد يؤدي إلى تنازلات سعودية عديدة، بما في ذلك مساعدة واشنطن لها في تطوير برنامج نووي مدني، الأمر الذي يتعارض مع هدف بايدن في “تعزيز الديمقراطية في جميع أنحاء العالم”.
تعقيباً على ذلك، أشار هاشمي إلى أن “الأنظمة الاستبدادية تتصاعد اليوم في كل مكان، في حين تزداد وتيرة القمع ضد المعارضة الديمقراطية والمجتمعات المدنية وحركات الاحتجاج الاجتماعية خاصة في العالم العربي”.
هناك مخاوف من أن يؤدي التطبيع بين السعودية وإسرائيل إلى تورط حكومات عربية بقمع متزايد عابر للحدود!
أما الأستاذة المساعدة في جامعة ريتشموند، دانا الكرد، فقد أوضحت أنه “خلال السنوات التي أعقبت اتفاقيات أبراهام التطبيعية، تم قمع أي جهد للديمقراطية في العالم العربي وبشكل أكبر من السابق”، مشيرة إلى أن الاتفاقيات ” ضارة للغاية بالظروف المحلية، سواء بالنسبة للحركات والجماعات المؤيدة للديمقراطية الموجودة، ولكن أيضًا للمشاعر المؤيدة للديمقراطية لأنها لا تعالج الأسباب الهيكلية للعنف، وتعتمد على إكراه الدولة لتنفيذها”.
والملفت أنه في الوقت الذي تزايد فيه التعاطف والتأييد للفلسطينيين في المنطقة، تزايد سحق الحركات المؤيدة للديمقراطية و الأصوات المؤيدة لفلسطين، وهو ما أشارت إليه الكرد في كلامها قائلة “الرأي العام العربي مؤيد للفلسطينيين، عندما تقدم الأنظمة العربية على التطبيع مع إسرائيل، فإنها تعلم أنها تفعل شيئًا لا يحظى بشعبية، وأنه حتماً سيكون هناك مستوى من المعارضة، وهو ما يستوجب القمع من وجهة نظرهم”!
قمع عابر للحدود!
أعربت الكرد، خلال الندوة، أيضاً عن مخاوفها من أن يؤدي التطبيع بين السعودية وإسرائيل إلى تورط حكومات عربية بقمع متزايد عابر للحدود!
كانت “مبادرة الحرية”، التي تتخذ من الولايات المتحدة مقراً لها، قد أصدرت في وقت سابق من العام 2023، تقريراً تحدثت فيه عن زيادة جرأة مصر والسعودية في استهداف المعارضين لها المقيمين في الولايات المتحدة، وفقاً للتقرير، فثلثي من تمت مقابلتهم أكدوا تعرضهم لأعمال قمع داخل الولايات المتحدة.
اعتبرت الإمارات اتفاقيات التطبيع “خطوة من شأنها تجميد بناء المستوطنات في الضفة الغربية”، لكن ما إن مضت أسابيع على الصفقة حتى صادقت إسرائيل على وحدات استيطانية جديدة
علقت الكرد على التقرير بقولها “لقد أصبح لدى الأنظمة العربية اليوم شريك جديد وطريقة أكثر انفتاحاً وأوسع في القمع العابر للحدود”، حيث تسمح العلاقة الرسمية المنفتحة بين إسرائيل والحكومات العربية بشراكة أكثر صراحة في مجال التكنولوجيا والتجسس والمجالات العسكرية.
يذكر أن تقريراً سابقاً لصحيفة نيويورك تايمز عام 2022، كشف عن أن برنامج بيغاسوس كان أداة أساسية للدبلوماسية الإسرائيلية في منطقة الخليج، حيث استرته الإمارات عام 2013، والسعودية عام 2017، وذلك حتى قبل سنوات من الحديث عن تطبيع أصلاً!
قالت كرد “ما يحدث هو تكثيف لهذه الجهود، فقد شهدنا انتشاراً للتكنولوجيات العدوانية، ليس فقط فيما يتعلق بأنظمة الدفاع والمساعدات العسكرية ، ولكن أيضا فيما يتعلق بالمراقبة”.
من جانب آخر، يعد تطبيع إسرائيل مع الدول العربية بمثابة تشجيع لما تقوم به إسرائيل في الأراضي الفلسطينية، في السابق، اعتبرت الإمارات اتفاقيات التطبيع “خطوة من شأنها تجميد بناء المستوطنات في الضفة الغربية”، لكن ما إن مضت أسابيع على الصفقة حتى صادقت إسرائيل على وحدات استيطانية جديدة.
أما السعودية فقد صرحت بأنها “تعمل على إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية”، رغم ذلك، استخدم رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، خريطة للترويج لإسرائيل ظهرت فيها الضفة وقطاع غزة كجزء من إسرائيل!
خلال المؤتمر، أكدت العضو السابق في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، أن “كل هذه الأمور أدت إلى وضع لايشجع فيه إسرائيل فحسب، بل ويكافئها والعالم العربي في حالة من الفوضى”، وأضافت “إسرائيل في قبضة ثيوقراطية عرقية فاشية ومتعطشة للدماء وتتحدى العالم أجمع، ومع ذلك هناك اندفاع مجنون ونهج مهووس للتطبيع مع إسرائيل”.