بقلم بتول دوغان آكاش
ترجمة وتحرير مريم الحمد
في الفترة الأخيرة، تصدر الهجوم الذي قام به مواطن تركي على سائح كويتي في مدينة طرابزون، المشهورة بأنها سياحية بامتياز، عناوين الأخبار والمواقع، فقد لفتت الحادثة إلى المشاعر المعادية التي تتزايد تجاه العرب واللاجئين في البلاد.
السؤال هنا، ما الذي أدى إلى تزايد تلك المشاعر السلبية؟ خاصة وأن كراهية الأجانب سوف تؤثر على حياة تلك الفئة من السكان بسبب خوفها من التعرض لأي خطر، فالإحصاءات الرسمية لإدارة الهجرة التركية لعام 2022، أشارت إلى وجود ما يقرب من 5.2 مليون أجنبي مقيم في تركيا، منهم 3.5 لاجئ سوري يتمتعون بحماية مؤقتة، إضافة إلى ما يقرب من مليوني عربي يقيمون بشكل قانوني.
الانتخابات الأخيرة خلقت جواً من الخوف والقلق مع نشوء احتمالية أن تؤدي نتائجها إلى تداعيات وجودية على العرب، اللاجئين والمقيمين منهم
رغم سعي هؤلاء المقيمين إلى الاندماج في المجتمع المحلي التركي، إلا أن عامة الناس في تركيا لا يرغبون بذلك الاندماج، وفي كثير من الأحيان لا يفرقون بين العرب سواء كانوا من الخليج أو سوريا أو شمال إفريقيا.
علاوة على ذلك، فقد أدار سياسيون أتراك حملاتهم الانتخابية خلال السنوات الماضية على شيطنة العرب واعتبارهم كبش فداء من خلال التحريض على العداء تجاههم سواء اللاجئين أو السياح، فكلا الجانبين كانوا مستهدفين بالخطاب العنصري.
لقد أدى ارتفاع عدد الحوادث العنصرية ضد العرب إلى تعبير العديد عن قلقهم إزاء ما أصبح تحولاً ملحوظاً في المواقف التركية تجاههم بشكل عام!
من “وطن ثانٍ” إلى بيئة عنصرية!
لاشك أن التأثر العاطفي جراء حالة العنصرية واضح على وجوه الأجانب في تركيا، فالعديد منهم بات يشعر بالذعر بمجرد الحديث بالموضوع واستشعار مخاطر محتملة، من بينهم المغربية فردوس العامري، التي تقيم في اسطنبول منذ 10 سنوات، وكانت تعتبر تركيا موطنها الثاني، حيث تقول “في السابق، لم أواجه أي مشكلة في التحدث باللغة العربية في الشارع أو أثناء استخدام وسائل النقل العام، لكن ردة فعل الناس اليوم لكوني عربية مختلفة تمامًا عما كانت عليه عندما انتقلت إلى هنا لأول مرة”.
بعض العرب يقيمون في تركيا لأجل الدراسة، والبعض الآخر من أجل الوظيفة أو الزواج من مواطن تركي، ومع ذلك، تقول العامري أن أحلام الكثير من العرب تحطمت نتيجة العنصرية.
من جانبها، تعتقد ابنة الصحفي المصري المعتقل في مصر توفيق غانم، خديجة غانم، أن الفكرة السائدة بأن الأتراك متفوقون على العرب قد تحولت إلى خطاب للكراهية، وتوضح خديجة بقولها “الشعب التركي ليس أكثر عنصرية من غيره، فالعنصرية موجودة في كل مكان، فمنذ يوم انتقالي إلى تركيا، تعرضت للعديد من التعليقات العنصرية حول هويتي المصرية والعربية، لكن القضية الأساسية اليوم هي انتشار خطاب الكراهية وانعدام الحماية القانونية ضده”.
أشار عربي، لم يرغب بالإفصاح عن اسمه، أن عائلته كلفت أحد أقاربها بالتحدث علناً نيابة عن العائلة لأنه يتقن اللغة التركية، مضيفاً أنه يتردد في التورط بأي مواجهات أو حتى خلافات مرورية، ويوصي أطفاله بإخفاء هويتهم العربية خارج المنزل!
وأضافت غانم، التي تقيم في تركيا منذ أكثر من 10 سنوات، أن التحول المجتمعي في الموقف تجاه العرب بدأ مع استهداف السوريين الذين لم يكونوا يملكون خياراً آخر سوى البقاء، تقول “في البداية، تم تمييز السوريين عن غيرهم من العرب بناءً على وضعهم كلاجئين، على الرغم من أن كونك عربياً يكفي لمواجهة العنصرية، إلا أن السوريين ليس لديهم أي مكان آخر يذهبون إليه، فكيف يمكن إلقاء اللوم عليهم؟”.
وفقاً لعضو البرلمان السابق عن حزب العدالة والتنمية، محمد ألغان، فإن السوريين يعلمون أن هناك عبئاً على القدرة والاقتصادية والاجتماعية للدولة، لكن ليس لديهم مكان يذهبون إليه، مشيراً إلى القيم الدينية والثقافية المشتركة بوصفها من أهم أسباب قدوم العرب إلى تركيا، فهي مكان آمن للمسلمين، يقول: “إنهم ينظرون إلى تركيا كبلد يمكنهم الاستقرار فيه وإقامة حياة جديدة بطريقة مناسبة لعائلة مسلمة”، وأضاف أن “معظم مخاوفهم تدور حول العواقب المحتملة لزيادة الاستقطاب، خاصة ما ستصبح عليه تركيا إذا سادت العنصرية”.
ويرى مدير معهد أبحاث الشرق أكاديميا، محمد عفان، أن دور تركيا الفريد في السياسة الإقليمية قد يتأثر بسبب الاستقطاب السياسي، محذراً من أنه “سيكون للمشاكل السياسية التي تواجهها تركيا تأثير على منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وإذا أرادت تركيا أن تلعب دورًا بارزًا في المنطقة، فإن كراهية الأجانب تجاه العرب لن تؤدي إلا إلى تقييد قدرتها على تحقيق أهدافها السياسية”.
نقطة تحول
لقد أثارت الحملات الانتخابية الأخيرة إلى حالة من انعدام الأمان بين العرب في تركيا، ففي مقارنتها للانتخابات الأخيرة مع انتخابات 2018، تقول العامري “لم تكن الانتخابات تتعلق بتركيا، بل كانت تتعلق بمستقبلنا كعرب، هل سنغادر أم سنبقى كأجانب يقيمون بشكل قانوني؟”، أما عن أجواء الانتخابات الاخيرة فتقول “أستطيع أن أرى أن الناس يلومون الأجانب على الصعوبات الاقتصادية، وهذا أكثر من مجرد معارضة سياسية”.
من جهته، يرى عفان أن الانتخابات الأخيرة خلقت جواً من الخوف والقلق مع نشوء احتمالية أن تؤدي نتائجها إلى تداعيات وجودية على العرب، اللاجئين والمقيمين منهم، كما أن أجواء الانتخابات المشحونة بالتوتر حالت دون فتح نقاشات عقلانية حول تحسين أوضاع اللاجئين وإقامتهم.
مع تزايد انعدام الأمن هذا، يبقى السؤال، ما الذي سيفعله المجتمع التركي لمعالجة تطبيع خطاب الكراهية الذي يهدد جوهر السلام المجتمعي؟!
تقول غانم “كانت وسائل الإعلام تستهدف العرب باستمرار، على الرغم من أنهم أكثر فئة تدعم تركيا سياسياً واقتصادياً في أوقاتها الصعبة، هذه حقيقة وخطاب الكراهية يتجاهلها”، فبالإضافة إلى خطاب الكراهية، فإن الناخبين الأتراك بدأوا يفقدون الإيمان بسياسة الباب المفتوح في شؤون الهجرة.
من جانبه، أشار النائب السابق، ألغان، إلى أن السوريين يواجهون قدراً كبيراً من انعدام الأمن فيما يتعلق بإقامتهم، ويجب اتخاذ احتياطات أكبر لإدارة ذلك، مؤكداً أنه “مع تعرض اللاجئين لضغوط نفسية شديدة، يجب أن تكون هناك سياسة تهدف إلى تهدئة الاستقطاب ومنع نمو أي كراهية اجتماعية أخرى”.
تطبيع خطاب الكراهية!
عبر عدد من العرب، في الآونة الأخيرة، عن قلقهم المتزايد من أن يتحول مجرد استخدامهم للغة العربية سبباً في التعرض لهجوم عنصري، فقد أشارت العامري إلى أنها تتجنب الرد على الهاتف خارج المنزل، تقول “أستطيع بسهولة التنبؤ بكيفية رد فعل المصلين عندما يسمعون اللغة العربية، لم يكن هكذا من قبل”.
أشار عربي آخر، لم يرغب بالإفصاح عن اسمه، أن عائلته كلفت أحد أقاربها بالتحدث علناً نيابة عن العائلة لأنه يتقن اللغة التركية، مضيفاً أنه يتردد في التورط بأي مواجهات أو حتى خلافات مرورية، ويوصي أطفاله بإخفاء هويتهم العربية خارج المنزل!
أعرب آباء آخرون أيضاً عن قلقهم من التأثير النفسي الذي يمكن أن يتسبب به خطاب الكراهية في المدارس، حيث يقول عفان “على الرغم من أنني لست قلقًا شخصيًا من التعرض لاعتداء جسدي أو لفظي، إلا أنني أشعر بالقلق على أطفالي لأنهم لا يعرفون كيفية التعامل مع خطاب الكراهية أو كراهية الأجانب”.
ولا يؤثر العنف والكراهية على الأجانب فحسب، وإنما يضر بالأتراك أيضاً، فتطبيع خطاب الكراهية والعنصرية في المدارس لن يؤدي إلا إلى زيادة التوترات الاجتماعية خلال السنوات القادمة.
ويكمن الحل الأهم في العمل على تغييرات نظامية وهيكلية في قوانين الهجرة، ففي ظل الوضع الحالي، حتى العرب الذي يقيمون بشكل قانوني يشعرون بالقلق، خاصة مع الاستقطاب السياسي للأمر.
رغم تعلم الكثير منهم للغة والثقافة التركية، فإنهم لا يشعرون بالأمان، الأمر الذي ينذر بصعوبات محتملة في تحويل هؤلاء الناس مورد يمكنه إثراء الرأسمال الاجتماعي والبشري في البلاد، حيث تقول العامري “نريد أن نخطط لحياتنا هنا، لكننا لا نعرف كيف ستكون الأمور في العام المقبل، علينا أن نكون مستعدين للمغادرة في أي لحظة”.
مع تزايد انعدام الأمن هذا، يبقى السؤال، ما الذي سيفعله المجتمع التركي لمعالجة تطبيع خطاب الكراهية الذي يهدد جوهر السلام المجتمعي؟!
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)