بقلم كريس دويل
ترجمة وتحرير مريم الحمد
بعد الزيارة الأولى لوزير إسرائيلي إلى السعودية مؤخراً، زادت التكهنات حول اقتراب اتفاق التطبيع بالفعل، فالحقيقة تقول بأن اتفاق التطبيع هذا قادم لا محالة، وأن المسألة لا تعدو كونها مسألة وقت ليس إلا.
السؤال الحقيقي هو من سوف يكون مهندس ذلك التطبيع؟ فالأطراف الثلاثة المحتملة ليسوا أصدقاء مقربين، أو تهمهم مصلحة السعودية أو إسرائيل، لديهم اهتمامات محددة للغاية!
ترى إحدى الاحتمالات أن الرئيس الأمريكي جو بايدن يريد أن يكون عراب الاتفاق، ليستخدمه كنجاح له في السياسة الخارجية قبل انتخابات 2024، خاصة وأنه لا يملك الكثير ليقدمه للناخبين، كما أنه لا يريد للسعودية أن تقترب من الصين.
لو عدنا لاتفاقيات أبراهام، يمكن تذكر أنها خلت تماماً من أي وجود للفلسطينيين، فقد كانت الصفقة بمثابة صدمة للقيادة الفلسطينية
من جهة أخرى، يعتقد آخرون أنه ليس يائساً إلى تلك الدرجة، فهم يشككون في مدى أهمية الاتفاق لدى الناخب الأمريكي أصلاً، علاوة على ذلك، فالكثيرون يشعرون بالقلق بسبب احتمالية تخصيب اليورانيوم على الأراضي السعودية بما فيهم بايدن نفسه.
أما رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، فهو يريد الصفقة ليضيفها إلى إنجازاتها التاريخية، ويكون الزعيم الإسرائيلي الذي استطاع إبرام صفقة مع واحدة من أغنى القوى في العالم العربي، كما أنه يحاول من خلال ذلك إعادة تجديد العلاقات المتوترة منذ 9 أشهر تقريباً مع الولايات المتحدة، فلعل اتفاق التطبيع يصرف نظر إدارة بايدن عن مشاحنات نتنياهو القانونية.
وإذا ما توقفنا عند ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، فإن لديه قائمة تسوق مفصلة، تشمل الأسلحة الأمريكية المتطورة واتفاقية دفاع وبرنامجاً نووياً مدنياً، وهو على عكس نتنياهو وبايدن، قادر على التحلي بالصبر للوصول إلى مبتغاه، فهو لا يواجه انتخابات ولا مشاكل داخلية ولا احتمال الذهاب إلى السجن، لا شيء يدفعه للعجلة أو التسرع!
مطالب جوهرية
يكفي أن يلقي بن سلمان نظرة على استطلاعات الرأي الأخيرة في الولايات المتحدة، ليرى أن الخليفة المحتمل لبايدن هو دونالد ترامب، وهو أمر سيكون مريحاً له بالتأكيد، فهو لا تكاد تربطه ببايدن أي علاقة، بل يمكن وصفها بالفاترة بسبب الوضع الاقتصادي واسعار النفط والعلاقة مع الصين.
تعتبر القضية الفلسطينية خطراً على القيادة السعودية، فمستقبل القدس والمسجد الأقصى قضية حساسة للغاية بالنسبة لبلد يحتضن مكة والمدينة
رغم ذلك، كان على بايدن مواجهة الجناح الذي يمتد داخل حزبه، والذي لا يحب السعودية ولا إسرائيل، وهنا ربما يسأل بن سلمان نفسه، لماذا يمنح أي جوائز لبايدن؟ ومن هنا كان بن سلمان مصراً على رفع سقف المطالبه واختبار مدى استعداد بايدن للموافقة على شروطه، خاصة البرنامج النووي المدني، وهو جوهر ما شجع بن سلمان على المضي قدماً في المفاوضات، فإذا ما رفض بايدن، يمكن للسعودية التكيف مع الأمر، وإبقاء خياراتها الأمنية طويلة المدى مفترحة.
ولكن السؤال، أين الفلسطينيون من كل هذا؟ فلو عدنا لاتفاقيات أبراهام، يمكن تذكر أنها خلت تماماً من أي وجود للفلسطينيين، فقد كانت الصفقة بمثابة صدمة للقيادة الفلسطينية، فهي لم تكن تعلم عن المحادثات ولم تكن لها أي علاقة بإدارة ترامب وقتها.
وفي المقابل، لم تظهر الإمارات والبحرين أي ميل لجعل الفلسطينيين جزءاً من الاتفاق، وتقدمت الدولتان بخطوات متسارعة جداً نحو تطوير علاقتهما بإسرائيل بعد التطبيع، فقد كان الشرط الوحيد النظري هو تخلي إسرائيل عن الضم الرسمي، وقد كان نتنياهو مستعداً للقيام بذلك، فالضم الفعلي في متناول اليد أصلاً والضم الرسمي سيكون مجرد مسألة وقت.
تحول ذو معنى
من الواضح أن القيادة الفلسطينية متوترة بسبب ما يدور من مفاوضات بين السعودية وإسرائيل، فالرياض أعلنت أنها تتوقع تحركاً كبيراً بالملف الفلسطيني بالمفاوضات، لكن الحقيقة لا يبدو أي شيء واضحاً حتى الآن، فالقيادة الفلسطينية منخرطة في الكواليس رغم غموض ماهية ذلك الانخراط.
لقد زار الرئيس الفلسطيني محمود عباس السعودية في إبريل الماضي، وأجرى محادثات مع بن سلمان، كما فعلت حماس نفس الشيء، لتنهي بذلك فترة جمود مع الرياض منذ عام 2015، ومن جانبها، عينت السعودية أول سفير غير مقيم لها إلى فلسطين.
تعتبر القضية الفلسطينية خطراً على القيادة السعودية، فمستقبل القدس والمسجد الأقصى قضية حساسة للغاية بالنسبة لبلد يحتضن مكة والمدينة، ولذلك فإن التزام إسرائيل الكامل بشأن مستقبل القدس هو حجر أساس في أي اتفاق مستقبلي، حيث يأمل العديد من الفلسطينيين التزام السعودية بالخطوط العامة لمبادرة السلام العربية، التي تنص على الانسحاب الكامل من الأراضي المحتلة مقابل السلام.
الواقع أن الائتلاف الإسرائيلي الحالي هو الأكثر تطرفاً في تاريخ إسرائيل، فوجود وزراء مثل بتسلئيل سموتريتش وزير المالية وإيتمار بن غفير وزير الأمن القومي، يهدد أي اتفاق أو تحالف لتقديم أي شيء للفلسطينيين، فهم يريدون تفكيك السلطة الفلسطينية، في حين يريد نتنياهو بقاءها لتكون ذراعاً أمنياً لإسرائيل في الضفة المحتلة.
إذا انهار الائتلاف الإسرائيلي الحالي، فهل يتشكل ائتلاف جديد يحكمه اليمين الوسط يمكنه المضي قدماً باتفاق مع السعودية؟ أم أن انعدام الثقة الداخلية بنتنياهو سيظل عقبة رئيسية؟
ما يجب على جميع الأطراف تذكره هو أن القضية الفلسطينية هي جوهر الصراع، فإسرائيل والسعودية ليسا في حالة حرب، بل بالعكس لديهم مصالح مشتركة، لكن السلام الحقيقي الذي يمكنه الإتيان بتحول حقيقي وهادف في المنطقة يتطلب وضع حد للقمع الممنهج ضد الفلسطينيين، وإزالة نظام الفصل العنصري الذي تمارسه إسرائيل.
على القيادة الأمريكية فهم ذلك أيضاً، فإذا ما أرادت مكافأة حليفيها في المنطقة، السعودية وإسرائيل، لابد أن يكون ذلك بالتوصل إلى حل طويل الأمد وليس سلاماً على المسرح الدبلوماسي خاوياً من أي معنى!
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)