في بيت حانون، شمال شرق غزة، استيقظ الفلسطينيون على تعليمات جيش الاحتلال الإسرائيلي يقول لهم “اتركوا منازلكم واذهبوا لوسط المدينة”، وقد كان هذا التحذير، الذي يسبق الغازات الجوية في بعض الأحيان، مفاجئاً جداً، بعده انهالت أمطار من القنابل الإسرائيلية على قطاع غزة المحاصر لليوم الثالث على التوالي!
استجاب غالبية سكان بيت حانون، المكتظة بالسكان، للنداء، فاتجهوا غرباً على مسافة 2 كم تقريباً إلى مخيم جباليا على أمل العثور على مكان آمن نسبياً، ولكن الموت كان في استقبالهم هناك، بعد قصف مبنيين رئيسيين في المخيم، مما أدى إلى مقتل 50 فلسطينياً.
كان محمد لباد، ماراً بسيارته قرب مكان القصف بلحظات، يقول “كنت على وشك الدخول إلى الشارع وإذا بالسماء ومضت بالنار، وفي لحظة، كان هناك ناس فوق سيارتي وآخرين في الهواء وجثث على أسطح المباني، جثث الأطفال كانت في الشوارع، حتى أن إحداها كانت مقطوعة الرأس”، وأضاف “قُتل العشرات من الأشخاص، بمن فيهم سائقو سيارات الأجرة والمشاة والباعة، وقُتل كل من كان داخل رابعة مول تقريبًا، ولم يبق أحد هناك على قيد الحياة، إنها مذبحة لم يتخيل أحد إمكانية حدوثها.”
وفقاً لأرقام الأونروا، فقد تسببت سنوات الحصار في اعتماد 80% من سكان القطاع على المساعدات الدولية
بدأت إسرائيل بشن غاراتها نهار السبت، بعد أن شن مقاتلون من القطاع المحاصر هجوماً غير مسبوق على الحاجز الأمني الذي يتحكم في حركة الفلسطينيين من وإلى إسرائيل، وبعد إطلاق آلاف الصواريخ وإرسال المقاتلين براً وجواً وبحراً عبر الحدود، تمكن الفلسطينيون من قتل ما لا يقل عن 800 إسرائيلي واحتجاز 100 رهينة.
وخلال 24 ساعة فقط، أسقطت القوات الجوية الإسرائيلية ما لا يقل عن 2 آلف ذخيرة وأكثر من 1000 طن من المتفجرات على القطاع، وتم استهداف المباني والشركات والمساجد والمستشفيات والبنوك، وقتل ما لا يقل عن 560 فلسطيني وأُصيب أكثر من 2900 آخرين.
“من موقع مستهدف لآخر”
عندما وقع الهجوم، كان محمد عبد الله، من سكان جباليا، في منزله، يقول “هزت الغارات الجوية المنزل، وأحفادي أصابتهم النوافذ الزجاجية المهشمة، حملناهم ونزلنا إلى الشوارع بحثاً عن سيارة إسعاف أو أي مساعدة، لنجد أن المنطقة بأكملها قد دمرت”، وأضاف: “كانت الجثث أكواماً، واشتعلت النيران في مراكز التسوق، وتهدمت المنازل، ودُمرت السيارات، بعضنا حمل من تمكن من الضحايا وفر به”.
وقد أكد عبد الله أن غالبية الضحايا كانوا ممن تلقوا التحذير ونزحوا من المناطق المجاورة،
مضيفاً “استقلنا سيارات الأجرة إلى المستشفى لعلاج أطفالنا ونقلنا الباقي إلى حي الرمال، والآن وصلتنا للتو رسائل تحثنا على إخلاء منطقة الرمال، فعلياً نحن ننتقل من مكان مستهدف إلى مكان آخر سيكون مستهدفًا أيضاً، لا نعرف إلى أين نذهب”.
كثافة سكانية كبيرة
كانت المناطق المستهدفة قريبة من مدرسة تديرها وكالة الأمم المتحدة الأونروا، فقد لجأ أكثر من 20 ألف فلسطيني إلى 44 مدرسة تديرها الأونروا في القطاع، فأثر من 60% من سكان غزة هم من اللاجئين الفلسطينيين الذين تهجرت عائلاتهم عام 1948.
ويعد قطاع غزة أحد أكثر المناطق كثافة سكانية في العالم، و 97% من مياه الشرب فيه ملوثة، ويضطر السكان إلى العيش في ظل انقطاع مستمر للتيار الكهربائي بسبب تضرر شبكة الكهرباء جراء الهجمات الإسرائيلية المتكررة، فيما يعاني 60% من سكان القطاع من الفقر و 63% من الشباب من البطالة، ووفقاً لأرقام الأونروا، فقد تسببت سنوات الحصار في اعتماد 80% من سكان القطاع على المساعدات الدولية.