بقلم أسيل موسى
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
في صباح يوم الجمعة، وجدت أسيل موسى، صحفية مستقلة وتعمل لدى موقع ميدل إيست آي، نفسها بين أكثر من مليون فلسطيني أمرتهم إسرائيل بالفرار إلى جنوب غزة إذا ما أرادوا العيش.
وهنا تروي أسيل، البالغة من العمر 25 عامًا والتي تسكن في حي تل الهوى غرب قطاع غزة، قصتها:
في صباح يوم الجمعة لم يكن لدينا أي إنترنت أو كهرباء، فقد قطعت إسرائيل المساعدات عن غزة، وكذلك الغذاء والماء، بينما تقصفنا الصواريخ الإسرائيلية بلا هوادة.
و بحدود الساعة السادسة صباحًا، تمكن ابن عمي من الاتصال بنا عبر الهاتف، وقال لي: “أسيل، لقد علمنا من الأخبار، وربما لا تتوفر لديكم خدمة الإنترنت، أن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي يهدد سكان شمال وغرب غزة بالإخلاء إلى المنطقة الجنوبية”.
كان وضعنا سيئاً بالفعل، فقد كنا نشعر بالتوتر والقلق الكبيرين، جهزت حقيبة الإخلاء التي لم تحتو إلا على جواز سفري وهويتي ومجموعة من الملابس.
لم أستطع أن أقرر ما آخذه معي، فإن حي تل الهوى هو وطني، عشت فيه لمدة 25 عاماً، فكل ما أخذته كان بعض الوثائق الرسمية.
غادرنا المنزل أنا وعائلتي ولجأنا إلى أقارب لنا في الجنوب، لنقيم في منزل عمي في المغازي وسط قطاع غزة.
لقد كانت الرحلة مرعبة، حيث الناس يفرون بأعداد كبيرة وذلك لأن سلطات الاحتلال منحتنا 24 ساعة فقط للفرار إلى الجنوب، وقد أخذ مئات الآلاف من الأشخاص كل ما يمكنهم حمله، وانطلقوا نحو الجنوب.
ذكّرني ذلك بالمسلسل التلفزيوني الفلسطيني “التغريبة الفلسطينية”، الذي يصور أحداث عام 1948، حيث كانت العائلات تُنقل في الشاحنات: الأطفال، والصغار، والكبار، جميعهم عابرون.
أما نحن فقد سافرنا في سيارة والدي، وكنا سبعة، وعند وصولنا إلى المغازي، وهو مخيم للاجئين الفلسطينيين الذين نزحوا في نكبة عام 1948، أدركنا بسرعة أن الوضع ليس آمنًا هناك أيضًا، وكما يقول المثل، هربنا من الموت إلى الموت.
لا يوجد لغاية الآن لا كهرباء ولا إنترنت ولا حتى ماء، كما أن الإمدادات الغذائية محدودة للغاية، خاصة في ظل اكتظاظ المبنى الخاص بعمّي والمكون من طابقين، حيث يقيم فيه الآن نحو 30 إلى 40 شخصًا فروا من الشمال.
لا يوجد مكان آمن في غزة، إذ لا توجد أية ملاجئ، بينما يستمر القصف الإسرائيلي بلا هوادة، وسط أصوات الصواريخ المرعبة وقتل ما يقرب من 2000 فلسطيني خلال أسبوع.
لقد فقدت الاتصال بالعديد من الأصدقاء الذين يقيمون في منطقة غرب غزة، فقد تفرقنا جميعاً في مناطق مختلفة في الجنوب.
أحد الأصدقاء كان يتواجد في رفح على الحدود المصرية، والآخر في خان يونس، وبينما كنا متفرقين وغير متأكدين مما إذا كنا سنجتمع مرة أخرى، غلبنا الشعور بالحزن العميق.
مواطنون عاديون دون أي انتماء
لقد التقيت بأشخاص كثر هنا في المخيم، وكان من بينهم امرأة شابة تدعى مريم اكتشفت أن منزلها قد دُمر من خلال شقيقها المهاجر إلى ألمانيا والذي رأى الصور على الإنترنت واتصل ليخبر عائلتها بذلك، ولكن دون الوصول إلى الإنترنت، لم تتمكن عائلة مريم حتى من رؤية الصور بنفسها.
وكانت عائلة مريم قد أعادت بناء منزلها في السابق بعد أن تم تدميره في الحرب الإسرائيلية على غزة عام 2008، ليتم هدمه الآن مرة أخرى.
كانت والدة مريم منهارة وغير قادرة على الكلام أو التواصل، أما والدها فأجهش بالبكاء، فهم أناس مدنيون عاديون، لا ينتمون إلى أي حزب سياسي، ولا يفهمون سبب استهداف حياتهم ومنازلهم.
يعمل والد مريم، حسن، في الداخل المحتل، ويحمل تصريحاً للعمل، لكن وبعد تدمير معبر بيت حانون (إيريز) الأسبوع الماضي، بات يخشى ألا يتمكن من العمل بعد الآن، وهذا من شأنه أن يقطع مصدر الدخل الأساسي للأسرة.
أما مريم، التي عقدت قرانها مؤخراً، فقد تبدد حلمها وفرحتها بالتحضير للزواج حيث تسبب تدمير منزل عائلتها بخسارتها لكل ما اشترته وجهزته من أجل منزلها الجديد.
يمكنني مشاركة قصص لا تعد ولا تحصى من الأشخاص من حولي، لكن إذا سألتني عن شعوري أنا، فربما سأنهار.
أنا أعمل كصحفية مستقلة، تواصل معي راديو بي بي سي، ومحطة تلفزيون كندية، و محطة تلفزيون أمريكية، وبذلت قصارى جهدي لتوصيل أصواتنا إلى وسائل الإعلام الغربية.
لكن مع محدودية الاتصال ونقص الكهرباء، فقد بات الاتصال تحديًا، مما اضطرني إلى اللجوء إلى تسجيل مقاطع فيديو أو ملاحظات صوتية وإرسالها إلى المنتجين وإخبارهم بأنني قد أكون مستهدفة في أي لحظة.
وهكذا في حال لم أتمكن من البث المباشر أثناء البرنامج بسبب مشكلات في الاتصال، يكون لدي نسخ احتياطية لضمان نشر وإيصال قصصنا للعالم.
للإطلاع على النص الأصلي من (هنا)