بقلم مها الحسيني
ترجمة وتحرير مريم الحمد
في مخيم دير البلح للاجئين وسط قطاع غزة، يقف حشد من الرجال بصبر منتظرين دورهم لشراء الخبز بعد أن تعطلت آلاته، فقد مر أكثر من أسبوعين منذ أن قطعت إسرائيل الكهرباء والوقود عن غزة، فأغلقت معظم المخابز أبوابها، الأمر الذي بات يهدد نحو مليوني شخص بالمجاعة وسوء التغذية.
ومع مرور ساعات الحرب، باتت المخابز التي ما زالت تعمل معروفة بين سكان المنطقة المحاصرة، حيث يقول أحد سكان دير البلح، أبو بكر زيناتي، “لدي عائلة مكونة من 9 أفراد ويقيم معنا حوالي 15 من أقاربي الآخرين، هذا يعني عادة أننا نحتاج على الأقل إلى كيس يحتوي على خمسين رغيفاً كل يوم، لكن منذ بداية الهجوم، لم نتمكن من الحصول إلا على 20 رغيفاً من الخبز يومياً، لأن أصحاب المخابز يريدون تغطية احتياجات أكبر عدد ممكن من الأسر”.
بات العديد من سكان القطاع يلجأون إلى ترددات إذاعات FM للاستماع للأخبار، ولكن بين الحين والآخر تقوم القوات الإسرائيلية باختراق المحطات المحلية لبث رسائل مسجلة تحث السكان على عدم دعم حماس، وتهدد بالانتقام من أي شخص يفعل ذلك
أصبح البقاء على قيد الحياة في غزة لا يقتصر على تجنب القصف فحسب، بل يعني أيضاً محاولة الحصول على المواد الأساسية مثل الخبز، فقد بات الناس يكافحون من أجل الوصول إلى المخابز التي ما زالت تعمل، ولكن بعد أن يصل إلى أحدها، قد يفاجئه الخباز بأن وقوده قد نفد وسيغلقون قريباً!
كارثة من بين كوارث عدة
لا يؤثر نقص الوقود على المخابز فحسب، بل تمتد المشكلة إلى محلات السوبرماركت التي لم يعد لديها وسيلة لتبريد المنتجات، بالإضافة إلى توقف محطات تحلية المياه عن العمل، حتى وصلت مستويات الغذاء والماء والكهرباء التي تنتجها المولدات في غزة الآن إلى أدنى درجاتها!
القطاع محاصر ومغلق بالكامل، ومن الناحية العملية، فإن ذلك يعني عدم إمكانية دخول الغذاء أو الماء أو الكهرباء أو الدواء إلى غزة، كما قصفت إسرائيل وما زالت تهدد بقصف معبر رفح، مما يعني أن المساعدات الدولية لا يمكن أن تدخل المنطقة دون مفاوضات شاقة، إلا من 20 شاحنة محملة بالإمدادات الطبية والمساعدات الغذائية قبل أيام.
يقول الزيناتي: “كنا نحصل على ما يقرب من ساعة إلى 4 ساعات من الكهرباء يوميًا خلال الأسبوع الأول من الهجوم، والآن لا نحصل على أي إمدادات الكهرباء، لا يمكننا إعادة شحن هواتفنا للاتصال ببعضنا البعض ولا يمكننا مشاهدة التلفزيون لنرى ما يجري حولنا، صرنا نسمع القصف من حولنا طوال اليوم ولكننا لا نعرف من أين يأتي”.
تبعاً لذلك، فقد بات العديد من سكان القطاع يلجأون إلى ترددات إذاعات FM للاستماع للأخبار، يقول الزيناتي “نحتفظ بالراديو طوال اليوم تقريبًا لأنه مصدرنا الوحيد للمعلومات”، ولكن بين الحين والآخر تقوم القوات الإسرائيلية باختراق المحطات المحلية لبث رسائل مسجلة تحث السكان على عدم دعم حماس، وتهدد بالانتقام من أي شخص يفعل ذلك.
“العصر الحجري”
أصبحت المعلومات أمراً ثانوياً بالنسبة للحاجة إلى أساسيات الحياة، فالوصول إلى الأساسيات هو شغل الناس الشاغل اليوم، حيث يواجه أكثر من 1.5 مليون فلسطيني في المنطقة نقصاً في المياه، ولذلك لجأ العديد إلى الآبار، الأمر الذي قد يأتي مع مخاطر بتلوث الإمدادات بمياه البحر ومياه الصرف الصحي.
تقول الأم النازحة من منطقة الزوايدة في غزة، رابحة صقر، “نملأ صهريجين للمياه كل يومين عندما يأتي الرجل الذي يوزع مياه الشرب إلى حينا، وندفع 3 شيكل (0.76 دولار) لكل صهريج”، ولكن ومع العدد الكبير من الوافدين الجدد، فإن الإمدادات لا تدوم طويلاً.
تقول رابحة “المياه تنفد بعد بضع ساعات لأننا عائلة ممتدة مكونة من حوالي 30 فردًا يقيمون في منزل أهل زوجي، وعندما لا يكون هناك ماء، لا يمكننا حتى طهي الطعام، ونعتمد على الأطعمة المعلبة التي تنفد تدريجياً في محلات السوبر ماركت، وعندما يطلب أطفالي طعامًا منزليًا، قلبي يتألم من أجلهم، خاصة بالنسبة للصغار الذين يحتاجون إلى تناول طعام صحي في هذا العمر”.
لم يعد أصحاب المتاجر أيضًا قادرين على ملء الرفوف الفارغة بالمياه المعبأة، بسبب تزايد الطلب واستمرار الإغلاق، تقول رابحة “نحن قادرون على شراء كميات صغيرة من الماء والغذاء يوماً بعد يوم، لكننا لا نستطيع تخزين الطعام أو الماء لأنه حتى الأسواق لا تستطيع توفير الكثير، فإذا كان هناك 5 صناديق من المياه المعبأة في السوبر ماركت، نأخذ واحدًا ونترك الباقي لعائلات أخرى”، وتضيف بحرقة “الإسرائيليون يريدون إعادة غزة إلى العصر الحجري”.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)