بعد أكثر من 20 يوماً على الحرب على غزة…هل بدأ يفقد بايدن السيطرة على نتنياهو؟!

بقلم ديفيد هيرست

ترجمة وتحرير مريم الحمد

قبل عام، كان هناك 3 سياسيين عراقيين يقيمون في أحد الفنادق الفاخرة في البحر الميت في الأردن، يتردد عليهم مسؤولون إسرائيليون يخطبون ودهم، وبالطبع لم يكن الموضوع فلسطين، بل محافظة الأنبار، أكبر محافظات العراق وأكثرها كثافة سكانية.

في الأنبار احتياطيات مياه غير مستغلة كانت عين الإسرائيليين والأمريكيين عليها، فقد كانوا يرون أنها من الممكن أن تتحول إلى سلة غذاء الشرق الأوسط، وكان لديها احتياطيات من البنزين والغاز، بالإضافة إلى عرض خدماتهما في استخراج المياه المعدنية في المدينة العراقية، وكان الشيء الوحيد المفقود في كل تلك المقترحات، هو العدد الكافي من الناس لتشغيل كل تلك المشاريع.

ترى إسرائيل أن لديها فرصة الآن لإفراغ غزة من سكانها وهي فرصة لا تتكرر كثيراً

هنا طرح الإسرائيليون عرضاً بالقول “ماذا لو عرضنا عليكم 2.3 مليون فلسطيني؟ الفلسطينيون يعملون بجد وليهم نفس ثقافتكم، وبمجيئهم يزيد عدد السنة في الأنبار مما يرجح كفة الميزان السني الشيعي لصالحكم”، فرد المسؤولون العراقيون بحمل الاقتراح إلى رئيس وزرائهم!

ربما بالغ الإسرائيليون في محاولة إقناع السياسيين العراقيين وقتها، واليوم، من المؤكد أنهم يتمنون لو أن حقيقة قيامهم بذلك يتم دفنها للأبد، فالعراق، مثل بقية الدول العربية، انتفض شعبه بعد أحداث 7 أكتوبر، فقد تجاوز العراقيون الانقسام الطائفي وخرجوا إلى الشوارع بمئات الآلاف، ومنعوا ناقلات النفط من الدخول إلى الأردن، حتى لا يذهب النفط العراقي للدول التي تعترف بإسرائيل على حد وصف المتظاهرين.

من الجانب الرسمي، وصف رئيس الوزراء العراقي، محمد السوداني، الهجوم الإسرائيلي على غزة بأنه “عدوان صهيوني وحشي”، كما أصدر السياسيون المنقسمون مثل مصطفى الكاظمي وحيدر العبادي وعادل عبد المهدي ونوري المالكي، بياناً مشتركاً وصفوا فيه هجوم المقاتلين الفلسطينيين بأنه “رد طبيعي” على الاستفزازات والانتهاكات الإسرائيلية.

وعلى الرغم من أن البيانات والتصريحات تبدو عديمة الجدوى، إلا أنها أظهرت شيئًا واحدًا، وهو أنه، قبل هجوم 7 أكتوبر، كان المسؤولون الإسرائيليون يفكرون جديًا في إفراغ الضفة الغربية وقطاع غزة من الفلسطينيين والقيام بما فعلوه عام 1948 ولكن بأضعاف العدد هذه المرة!

ساحة المعركة الحقيقية

بعد تخلي إسرائيل عن الأرض مقابل السلام وفشل محاولة عزل الفلسطينيين بين الجدار ونقاط التفتيش، لم يعد لديها مشروع اليوم إلا بناء دولة فصل عنصري يكون فيها المواطنون اليهود وحدهم أصحاب السيادة، لكن الديموغرافيا لا تخدمهم، خاصة فيما يتعلق بحل الدولة الواحدة.

وإذا ما توقفت إسرائيل عند الإحصائيات فهي تعلم أنها ليست في صالحها، حيث تعيش أعداد مماثلة تقريباً من اليهود والفلسطينيين بين البحر المتوسط ونهر الأردن، وهناك أيضاً معدلات الولادة المختلفة، بالإضافة إلى هجرة يهود الأشكناز، الذين يحملون جنسيات مزدوجة، وفي ظل الوضع الحالي باتوا يستخدمون جوازاتهم الأجنبية للسفر، ومع مرور الوقت، سوف يتفوق عدد الفلسطينيين على عدد اليهود.

حتى لو انتهت الحرب قريباً، فإن الدمار الذي خلفته من شأنه ترك مئات الآلاف من الفلسطينيين في غزة في الخيام، حتى أن نزوحاً جماعياً قد يتم ترتيبه تحت ستار الإغاثة الإنسانية، خاصة بعدما عبرت كل من مصر والأردن عن معارضتهما لنكبة ثانية بشكل واضح.

[‘

الطريقة الوحيدة لتجنب تحول اليهود إلى أقلية هي طرد أكثر من مليون فلسطيني، ولذلك فإن الديموغرافيا هي ساحة المعركة الحقيقية، فحرص إسرائيل على تحقيق أي ملمح للانتصار لا يتعلق لا بحل الصراع بالعدل ولا التفاوض، ولا حتى بتقاسم الأرض، ولذلك فالإصرار الغربي على حل الدولتين بلا جدوى ولا يمكن أن يرى النور، بل هو مجرد تمويه للهدف الحقيقي، وهو التطهير العرقي.

ترى إسرائيل أن لديها فرصة الآن لإفراغ غزة من سكانها وهي فرصة لا تتكرر كثيراً، وهنا تجدر الإشارة إلى ورقتين سياسيتين إسرائيليتين تم الكشف عنهما في أسابيع الحرب الأخيرة.

أولهما ورقة بعنوان “تقدير موقف: خطة لإعادة التوطين في مصر لجميع سكان غزة- الجوانب الاقتصادية”، تم نشرها على الموقع الالكتروني لمركز أبحاث يديره مستشار الأمن القومي السابق، مئير بن شبات، الذي لعب دوراً رئيسياً في اتفاقيات أبراهام.

يقول مؤلف الدراسة، أمير ويتمان، “توجد حالياً فرصة فريدة ونادرة لإخلاء قطاع غزة بأكمله بالتنسيق مع الحكومة المصرية، ضمن خطة فورية وواقعية ومستدامة لإعادة التوطين والتأهيل الإنساني للوطن العربي بأكمله، فالعدد المطلوب من سكان غزة يتماشى مع المصالح الاقتصادية والجيوسياسية لإسرائيل ومصر والولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية”.

سيناريوهات ما بعد الحرب

أما الورقة الأخرى، فقد كانت مخصصة للاستخدام الداخلي فقط، لكنها انتهى بها الأمر في أيدي حركة تطالب بإعادة التوطين في غزة، وتم تسريبها إلى موقع “كالكاليست” الاسرائيلي، استخدمت فيها كاتبتها  وزيرة الاستخبارات، جيلا غمالائيل، الشعار الرسمي لوزراتها، وقدمت فيها 3 سيناريوهات لما بعد الحرب.

تعتقد غمالائيل أن النتائج الاستراتيجية المنشودة يجب أن تتم على 3 مراحل، إنشاء مدن الخيام في سيناء جنوب غرب غزة، وإنشاء ممر إنساني، وإنشاء مدن في شمال سيناء، بالتزامن مع منطقة “آمنة” بعمق عدة كيلومترات على الجانب المصري من الحدود لمنع من يتم إجلاؤه من العودة، بعد ذلك “يمكن لكندا واليونان وإسبانيا ودول شمال إفريقيا استيعاب الفلسطينيين الذين تم إجلاؤهم”.

السؤال هنا، هل سيسمح الرئيس الأمريكي جو بايدن لنتنياهو بفعل ذلك؟ الحقيقة أن هذا سؤال ساذج، فقد فقد بايدن بالفعل السيطرة على نتنياهو، لكن حفرة الأرانب التي قامت إسرائيل بجر واشنطن إليها مراراً وتكراراً، أصبحت أعمق هذه المرة تماماً مثل أنفاق حماس!

أما في الضفة الغربية، فلدى المستوطنين طرق أكثر وضوحاً لإيصال آرائهم إلى القرويين الفلسطينيين الذين يتواجدون بينهم عنوة، فقد وضعوا منشورات على السيارات وتركوا دمى ملطخة بالدماء في المدارس، حتى جاء في منشور تم توزيعه في مدينة سلفيت، “والله لنسقطن فوق رؤوسكم كارثة كبرى قريباً، هذه فرصتكم الأخيرة للهروب إلى الأردن، بعد ذلك سندمر كل عدو و نطردكم بالقوة من أرضنا المقدسة، احملوا حقائبكم على الفور واخرجوا من حيث أتيتم، نحن قادمون”.

وبذلك تكون النية واضحة، حتى وإن لم تكن تفاصيل خطة تغيير وجه الشرق الأوسط، كما تعهد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الأيام الأولى بعد هجوم 7 أكتوبر واضحة!.

نكبة ثانية

حتى لو انتهت الحرب قريباً، فإن الدمار الذي خلفته من شأنه ترك مئات الآلاف من الفلسطينيين في غزة في الخيام، حتى أن نزوحاً جماعياً قد يتم ترتيبه تحت ستار الإغاثة الإنسانية، خاصة بعدما عبرت كل من مصر والأردن عن معارضتهما لنكبة ثانية بشكل واضح، لأنه ذلك يشكل قضية وجودية بالنسبة لهما.

من جانبه، اعتبر وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، خطة نكبة ثانية بمثابة “إعلان حرب”، مضيفاً أن عمان لن تسمح بحدوث “كارثة جديدة”، ولن تسمح لإسرائيل “بنقل الأزمة إلى دول الجوار”، ولكن السؤال حول إمكانية تنفيذ الأردن لموقفها ذاك، فتلك مسألة أخرى.

أما الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وبعد محادثاته مع المستشار الألماني أولاف شولتس، فقد صرح بأن أي نقل للفلسطينيين إلى شمال سيناء يمكن أن يكون بداية لتكراره في الضفة الغربية نحو الأردن، وأن إسرائيل إذا أرادت نقل الفلسطينيين بشكل مؤقت، يمكنها ترحيلهم إلى النقب!

منذ بدء الأزمة، كان السيسي، يحاول لعب دور عبد الناصر، لكن المشكلة التي واجهها سلفه حسني مبارك، خلال الغزو البري الإسرائيلي لغزة عام 2008، تثقل كاهله أيضاً خاصة في سنة إعادة الانتخاب.

إسرائيل، حليفة الولايات المتحدة المقربة، خرجت عن نطاق السيطرة، فهي لا تميز بين مقاتلي حماس والمدنيين، أو بين الفلسطينيين في غزة أو إسرائيل أو الضفة الغربية، ربما اعتقدت أن العقل سيتدخل في مرحلة ما من طرف واشنطن، ولكن على ما يبدو سأضطر للانتظار كثيراً لحصول ذلك، هذا إن حصل أصلاً

الحقيقة أن كلاً من مصر والأردن ضعيفان للغاية، ولا يمكنهما سوى تهديد إسرائيل والولايات المتحدة، على الرغم من أن احتمال تشكل جماعات مسلحة تعمل من سيناء والأردن على الحدود الجنوبية والشرقية لإسرائيل ممكن، بل لابد وأن يحصل، الأمر الذي يستدعي من مخططي النكبة إعادة النظر، ولكن المهم حقاً في إصرار إسرائيل على تهجير سكان القطاع هو رد فعل الولايات المتحدة.

تدخل الولايات المتحدة

السؤال هنا، هل سيسمح الرئيس الأمريكي جو بايدن لنتنياهو بفعل ذلك؟ الحقيقة أن هذا سؤال ساذج، فقد فقد بايدن بالفعل السيطرة على نتنياهو، لكن حفرة الأرانب التي قامت إسرائيل بجر واشنطن إليها مراراً وتكراراً، أصبحت أعمق هذه المرة تماماً مثل أنفاق حماس!

في غضون ثلاثة أسابيع فقط، قام بايدن بتبديل معظم خطط الولايات المتحدة الموضوعة بعناية في المنطقة، فمن أجل فض الاشتباك العسكري، على الولايات المتحدة إعادة أنظمة الدفاع الصاروخي وأنظمة الارتفاعات ومجموعات حاملات الطائرات، كما أنها الآن في وضع يسمح لها بتهديد إيران، بعد فترة من المحادثات حول اتفاق نووي كان مرحباً من الطرفين.

من جانب آخر، فإن حليفي الولايات المتحدة الرئيسيين على الحدود مع إسرائيل، الأردن ومصر، يرفضون إقحامهما بشدة، كما أن هناك حربان تجريان في آن واحد، في أوكرانيا وغزة، وكلاهما لا يوجد فيهما استراتيجيات خروج واضحة، كما أن كليهما يستنزفان القدرة الإنتاجية المحدودة للصواريخ الأمريكية والقنابل الذكية وقذائف المدفعية، التي تم استنزافها في إسرائيل.

وتطول قائمة سلبيات بايدن مع مرور كل أسبوع، كما أن المجال المتاح أمامه للمناورة بشأن إسرائيل يضيق كل لحظة، فإذا ما فكر في الانفصال عن نتنياهو، فهو يعلم أن ذلك سيكون في صالح الجمهوريين، كما أن إسرائيل تنتظر الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، لذلك، ربما يعطي بايدن أيضًا جزءاً من تفكيره للشكل الذي قد تبدو عليه المنطقة إذا ما نجحت إسرائيل  في تفريغ غزة جزئيًا.

مؤشرات لما هو قادم

في الصفحة 40 من رسالة أرسلها مكتب الميزانية والإدارة الأمريكي في 20 أكتوبر إلى رئيس مجلس النواب بالنيابة، هناك فقرة مثيرة للاهتمام، يطلب فيها البيت الأبيض من الكونغرس تمويل “الاحتياجات المحتملة لسكان غزة الفارين إلى الدول المجاورة”، وهو جزء من طلب بقيمة 105 مليار دولار تم تقديمها الأسبوع الماضي ضمن أموال لإسرائيل وأوكرانيا.

جاء في الرسالة أن الأزمة الحالية “يمكن أن تؤدي إلى النزوح عبر الحدود وزيادة الاحتياجات الإنسانية الإقليمية ويمكن استخدام التمويل لتلبية متطلبات البرمجة المتطورة خارج غزة”، فهل ذلك علامة على التخطيط للطوارئ أم علامة على أشياء قادمة؟!

بعد قراءة ذلك، لن يتمكن أي قيادي فلسطيني الوثوق بأن بايدن قد يتخذ القرار الصحيح بعد الآن، لم يعد هناك ثقة، فبعد بضعة أسابيع فقط من إعلان مسؤول أميركي رفيع المستوى في مؤتمر صحفي أن الشرق الأوسط أصبح أكثر هدوءاً مما كان عليه لعقود من الزمن، صار الآن على حافة حرب إقليمية!

إسرائيل، حليفة الولايات المتحدة المقربة، خرجت عن نطاق السيطرة، فهي لا تميز بين مقاتلي حماس والمدنيين، أو بين الفلسطينيين في غزة أو إسرائيل أو الضفة الغربية، ربما اعتقدت أن العقل سيتدخل في مرحلة ما من طرف واشنطن، ولكن على ما يبدو سأضطر للانتظار كثيراً لحصول ذلك، هذا إن حصل أصلاً.

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة