نهاية اللعبة الإسرائيلية المدمّرة أكثر شراً من كونها “استعادة الأمن”

نهاية اللعبة الإسرائيلية المدمّرة أكثر شراً من كونها _استعادة الأمن_

بقلم ريتشارد فالك

ترجمة وتحرير مريم الحمد

تعرض الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس،  للسخرية مؤخراً من قبل إسرائيل، لأنه ذكر حقيقة بديهية حين لاحظ أن هجوم حماس في 7 أكتوبر “لم يحدث من فراغ”، فقد كان يحاول بذلك لفت انتباه العالم إلى سجل إسرائيل الحافل بالإجرام في فلسطين المحتلة.

حسب الأعراف الدولية، فإن المحتل هو المسؤول في ظروف الحرب باحترام القانون الإنساني الدولي، وذلك من خلال ضمان أمن وسلامة السكان المدنيين الخاضعين للاحتلال على النحو المنصوص عليه في اتفاقية جنيف الرابعة.

أما إسرائيل، فقد أظهرت غضباً شديداً تجاه تصريحات غوتيريس، لأن فيها إشارة ضمنية إلى أن إسرائيل، ومن خلال انتهاكاتها في الأراضي المحتلة، غزة بشكل فاضح بالإضافة إلى الضفة والقدس، فإنها تجلب لنفسها المتاعب والنهاية الوخيمة.

ألم يكن من المنطقي أن تقوم  بسد الثغرات الهائلة في نظامها الاستخباراتي وتعزيز قدراتها العسكرية على طول حدود غزة باعتبار ذلك ما يمكن أن يردع حماس، بدلاً من الانتقام من المدنيين في غزة بالقصف الجوي؟!

منذ هجوم 7 أكتوبر، حاولت إسرائيل تقديم نفسها للعالم باعتبارها ضحية بريئة، على أمل الحصول على تفويض مطلق من رعاتها في الغرب للانتقام كما يحلو لها، دون التقيد بالقانون الدولي أو سلطة الأمم المتحدة أو الأخلاق المشتركة، ولكنها في الواقع ردت “بمهارتها” المتوقعة، من خلال التلاعب بالخطاب العالمي الذي يشكل الرأي العام ويوجه السياسات الخارجية للعديد من البلدان المهمة.

كانت المفاجأة أنها إسرائيل لم تحتج إلى بدل الجهد في التكتيكات هنا، حيث سارعت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى إصدار موافقة شاملة على أي شيء تفعله إسرائيل رداً على ذلك، مهما كان انتقامياً أو قاسياً، ولذلك جاء خطاب غوتيريس في الأمم المتحدة وكأنه دبوس قد ثقب بالون البراءة الإسرائيلي المبني ببراعة!

هفوات غير اعتيادية

أعتقد أنه من الغرابة والإزعاج بمحل، أنه رغم الإجماع على أن هجوم حماس لم يصبح ليتم لولا حصول هفوات غير اعتيادية في قدرات إسرائيل الاستخباراتية، إلا أن هذه النقطة نادراً ما تمت مناقشتها منذ ذلك اليوم.

وأتساءل هنا، بدلاً من الصباح التالي المليء بالغضب الانتقامي، لماذا لم يتم التركيز داخل إسرائيل وأماكن أخرى على اتخاذ إجراءات طارئة لاستعادة الأمن الإسرائيلي من خلال تصحيح هذه الهفوات المكلفة!

أرى أن السبب الأقرب لإحجام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن ذلك هو أن ذلك سيكون بمثابة اعتراف منه بمسؤوليته الشخصية عما حصل، ولكن ماذا عن الآخرين في إسرائيل والحكومات الداعمة لها؟

ألم يكن من المنطقي أن تقوم  بسد الثغرات الهائلة في نظامها الاستخباراتي وتعزيز قدراتها العسكرية على طول حدود غزة باعتبار ذلك ما يمكن أن يردع حماس، بدلاً من الانتقام من المدنيين في غزة بالقصف الجوي؟!

غضب الإبادة جماعية

بعد تقديمه خريطة للشرق الأوسط دون إدراج فلسطين في خطاب له عن ما اعتبره “سلاماً جديداً” في الشرق الأوسط في الأمم المتحدة في سبتمبر، كان نتنياهو قد أعطى المزيد من التأكيد على التكهنات حول نية الإبادة الجماعية ضد سكان القطاع، مما يؤدي فعليا إلى محو الفلسطينيين من وطنهم، كما كان عرضه بمثابة إنكار ضمني لإجماع الأمم المتحدة على صيغة الدولتين كخارطة طريق للسلام.

يمكنك تسميتها “تطهيراً عرقياً” أو “إبادة جماعية”، فالعبرة ليست في التسمية، وإنما بكونها بالفعل واحدة من أكبر الكوارث الإنسانية في القرن 21، فالشعب الفلسطيني في غزة ضحية كارثتين، إحداهما سياسية والأخرى إنسانية

من ناحية أخرى، فإن غضب الإبادة الجماعية الذي تجسد في رد فعل إسرائيل على الهجوم الذي شنته حركة حماس، أثار غضب الناس في  مختلف أنحاء العالم، ومع ذلك، فرغم مرور شهر على القصف المستمر بلا رحمة والحصار الشامل والتهجير القسري الجماعي، فإن حرية إسرائيل بالعنف ضد غزة، لم يُقابل بعد تحدياً حقيقياً في وجهه في الغرب.

لو توقفنا عند الولايات المتحدة، فهي تدعم  إسرائيل بشكل خاص في الأمم المتحدة، وتستخدم حق النقض حسب الحاجة في مجلس الأمن، وتصوت ضد وقف إطلاق النار في الجمعية العامة، على عكس فرنسا  التي صوتت لصالح وقف إطلاق النار وبريطانيا التي امتنعت عن التصويت بخجل، ولكن ذلك لم يكن تضامناً مع الفلسطينيين وإنما من المرجح أن يكون رد فعل على الضغوط الشعبوية.

هناك تكتيك آخر لم يكن في صالح الهدف الذي صرحت به إسرائيل وهو “الدفاع عن نفسها”، فمنذ اليوم الأول للحرب، بدأت الحكومة المتطرفة سلسلة مروعة من الهجمات العنيفة في جميع أنحاء الضفة الغربية المحتلة، حيث فسر الكثيرون هذا التصاعد غير المقنع لعنف المستوطنين على أنه جزء من نهاية المشروع الصهيوني الذي يهدف إلى تحقيق النصر على بقايا المقاومة الفلسطينية.

ما من شك في أن إسرائيل بالغت عن عمد في رد فعلها على أحداث 7 أكتوبر، والذي ترجمته بشكل إبادة جماعية، خاصة إن كان هدفها صرف الانتباه عن عنف المستوطنين المتصاعد في الضفة الغربية، خاصة بعد قيام الحكومة بتوزيع أسلحة على  ما يعرف بـ”فرق الأمن المدنية”.

تريد الحكومة الإسرائيلية إنهاء أوهام التقسيم التي أقرتها الأمم المتحدة مرة واحدة وإلى الأبد، وإضفاء صبغة السلطة على الهدف الصهيوني المتطرف المتمثل في الضم أو الإخضاع الكامل لفلسطينيي الضفة الغربية، ولذلك اغتنمت القيادة الإسرائيلية مناسبة 7 أكتوبر “لإنهاء المهمة” بارتكاب إبادة جماعية في غزة، تحت ذريعة أن حماس تشكل خطرًا كبيرًا، وبذلك لا تبرر تدميرها فحسب، بل أيضًا هذه الإبادة العشوائية!

هذا التحليل يقودني إلى استنتاج مفاده أن هذه الحرب المستمرة لا تتعلق في المقام الأول بالأمن في غزة أو التهديدات الأمنية التي تفرضها حماس، بل تتعلق بشيء أكثر شراً وسخرية في آن معاً، فقد اغتنمت إسرائيل هذه الفرصة لتحقيق الطموحات الإقليمية الصهيونية وسط “ضباب الحرب” من خلال تجريد الفلسطينيين من ممتلكاتهم.

يمكنك تسميتها “تطهيراً عرقياً” أو “إبادة جماعية”، فالعبرة ليست في التسمية، وإنما بكونها بالفعل واحدة من أكبر الكوارث الإنسانية في القرن 21، فالشعب الفلسطيني في غزة ضحية كارثتين، إحداهما سياسية والأخرى إنسانية.

للاطلاع على النص الأصلي: هنا

مقالات ذات صلة