بقلم بيتر أوبورن
ترجمة وتحرير مريم الحمد
تعقيباً على الحرب على غزة، فقد أعلنت حكومة رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك عن عزمها توسيع تعريف التطرف ليشمل أي شخص “يقلل من مكانة” المؤسسات والقيم البريطانية، حيث تسعى الحكومة إلى وضع “خطة جديدة لمكافحة التطرف تضع إطارًا جديداً وموحداً لردع التطرف”.
وتعرّف الوثيقة، التي يعدها قسم التسوية والإسكان والمجتمعات التابع لوزير الإسكان مايكل جوف، التطرف بأنه “الترويج لأي أيديولوجية تهدف إلى قلب أو تقويض نظام الديمقراطية البرلمانية في المملكة المتحدة ومؤسساتها وقيمها”.
ضمن هذا السياق، يعد المجلس الإسلامي في بريطانيا ومنظمة المشاركة الإسلامية والتنمية (MEND) ومنظمة العمل الفلسطيني من بين المنظمات المستهدفة على أساس أنها “تندرج ضمن” التعريف الجديد للتطرف.
لا شك أنه يمكن الاختلاف باحترام وموضوعية مع كل هذه الأسباب العظيمة، لكن استخدام حكومة سوناك لمصطلح “مسيرة الكراهية” يظهر فشلها في فهم أن الحق في الاحتجاج هو قيمة بريطانية أساسية
هناك مفارقة عجيبة هنا، ففي إطار هذا التعريف، ينبغي محاسبة حكومة سوناك نفسها، فهي الحكومة الأكثر تطرفاً في تاريخ بريطانيا الحديث، حيث لم يسبق لأي حكومة أن شنت حربًا على المؤسسات البريطانية بهذه الصورة الشريرة الموجودة لدى حزب المحافظين.
يمكن القول أنه تكاد لا توجد مؤسسة ولا قيمة بريطانية، لم تعمل حكومات المحافظين المتعاقبة على تقويضها أو مهاجمتها، بما في ذلك المؤسسات الخدمة الصحية الوطنية وسيادة القانون والنظام الملكي والبي بي سي والخدمة المدنية، وكل هذا موثق جيدًا.
يصف الأكاديمي البريطاني من جامعة لندن، أندرو كوربيت، الواقع بالإشارة إلى أن الحكومة “هددت السيادة البرلمانية واستقلال القضاء واستقلال هيئة الإذاعة البريطانية والحق الفردي في المحاكمة أمام هيئة محلفين وقوضت ثقة الجمهور في جميع مؤسسات الحكم بشكل لم يسبق له مثيل”، وأضاف “تأثير كل هذه الإجراءات يمكن أن يرقى إلى مستوى انقلاب ربما لن تتضح معالمه إلا بعد فوات الأوان”.
هذه الكلمات كان قد كتبها كوربيت خلال فترة رئاسة بوريس جونسون، لكن الأمور ازدادت سوءًا في ظل حكومة سوناك، وقد بدأت تتضح ملامح الخطورة بالفعل!
ازدواجية معايير فظيعة!
قبل عام، منع سوناك الملك تشارلز من حضور مؤتمر الأطراف 27، والذي أقيم في القاهرة، حيث كان من المفترض أن يلقي تشارلز خطاباً حول تغير المناخ، وفي عام 2019، كان سوناك عضواً في حكومة بوريس جونسون عندما اتُهم الأخير بالكذب على الملكة فيما يتعلق قرار تأجيل البرلمان البريطاني.
من جانب آخر، فقد انتهك جوف، مهندس المقترح الجديد لمكافحة التطرف، قسمه المقدس في مجلس الملكة الخاص من خلال تسريب محادثة خاصة مع الملك الراحل إلى صحيفة “ذا صن” المملوكة لروبرت مردوخ، ورغم ذلك، يتمتع جوف بصلاحية التأثير والإشراف على المقترحات الرسمية المصممة لتصنيف المنظمات الإسلامية في بريطانيا على أنها “متطرفة”.
كل تلك الأمثلة وغيرها تؤكد على وجود ازدواجية فظيعة في المعايير، حيث أخذ الهجوم على القيم والمؤسسات البريطانية بالتسارع منذ أن أصبح سوناك رئيسا للوزراء، فهاجم سوناك التقاليد الأكثر قدسية في بريطانيا والتي تمثل سيادة القانون، في مواقف كثيرة من خلال هجماته الشرسة على ما يسمى بالمحامين “الناشطين”.
لم يقم أي وزير في الحكومة، على حد علمي، بإدانة الإبادة الجماعية ضد المدنيين في غزة، أو التلفظ بكلمة إدانة لهجمات المستوطنين في الضفة الغربية!
تعتبر وزيرة الداخلية، سويلا بريفرمان، السياسية الأكثر تعصباً وتطرفاً في بريطانيا منذ إينوك باول، وهو الذي تمت إقالته من قبل سلف سوناك في رئاسة حزب المحافظين، السير إدوارد هيث، وذلك بسبب تصريحاته العنصرية ضد المهاجرين، أما سوناك فهو متمسك ببريفرمان، التي وصفها وزير سابق في حكومة جونسون بأنها ” عنصرية حقيقية”!
هناك الكثير من الأدلة التي تؤكد عنصريتها بطبيعة الحال، فقد زعمت كذباً أن ما يسمى بـ “عصابات الاستمالة الجنسية” مكونة بالكامل تقريباً من رجال باكستانيين بريطانيين، وقالت أن “لديهم مواقف ثقافية تتعارض تماماً مع القيم البريطانية”، كما تحدثت عن ما أسمته “غزو” المهاجرين في السابق، والآن تريد سن تشريع لمنع المتشردين من النوم في الخيام، الأمر الذي يعد هجوماً ليس فقط على الأفراد الأكثر ضعفاً في المجتمع البريطاني، وإنما يعد خيانة للقيم البريطانية أيضاً.
الحقيقة أن حكومة سوناك تكره بريطانيا والقيم البريطانية وكل ما يمثله البريطانيون.
“مظاهرات كراهية”
يقودني هذا إلى اللغة التي استخدمتها بريفرمان في وصف المظاهرات التي انتشرت مؤخراً في جميع أنحاء بريطانيا للمطالبة بوقف إطلاق النار في غزة، فقد شاركت مع عائلتي في هذه المسيرات، بالنسبة لبريفرمان فهي “مسيرات كراهية”.
أما من وجهة نظري، فإن البريطانيين الذين شاركوا في تلك المسيرات هم من يمثلون التقاليد البريطانية الأصيلة، فهم نفس الأشخاص الذين شاركوا في المظاهرات ضد الحرب على العراق عام 2003، ومسيرات حظر القنبلة في الستينيات، وحملة جارو الصليبية ضد الفقر والبطالة والمطالبون بحق المرأة في التصويت ومن قادوا حملة من أجل المساواة قبل الحرب العالمية الأولى، وتم تصنيفهم أيضًا في ذلك الوقت بأنهم “متطرفون”.
لا شك أنه يمكن الاختلاف باحترام وموضوعية مع كل هذه الأسباب العظيمة، لكن استخدام حكومة سوناك لمصطلح “مسيرة الكراهية” يظهر فشلها في فهم أن الحق في الاحتجاج هو قيمة بريطانية أساسية.
وفي الوقت نفسه، لم يقم أي وزير في الحكومة، على حد علمي، بإدانة الإبادة الجماعية ضد المدنيين في غزة، أو التلفظ بكلمة إدانة لهجمات المستوطنين في الضفة الغربية!
وإذا ما أردنا إنصاف سوناك ووزيرته، يمكن الإشارة إلى أن مصطلح “المتطرف” هو مصطلح ذاتي، وهو السبب وراء فشل محاولة حزب المحافظين إدماجه في القانون البريطاني، لكنني أعتقد أن الغالبية العظمى بدأوا يرون أن سوناك ووزراءه هم المتطرفون الحقيقيون.
للاطلاع على النص الأصلي: هنا