بقلم أحمد السماك
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
عندما أمرت إسرائيل أكثر من مليون فلسطيني بإخلاء شمال غزة إلى الجنوب في 13 تشرين الأول/ أكتوبر، قررت عائلة آلاء عدم مغادرة منزلهم، بسبب خشيتهم من وقوع نكبة ثانية وعدم السماح لهم بالعودة أبدًا.
لكن القصف المتواصل أجبرهم في النهاية على مغادرة المنطقة بحثًا عن مكان أكثر أمنًا، حيث توجهت العائلة أولاً إلى منزل جدة آلاء في وسط مدينة غزة، لكنها مكثت هناك لمدة ليلتين فقط، ثم اضطرت للمغادرة مجدداً بعد تدمير منزل مجاور في قصف إسرائيلي جديد.
ومع انقطاع شبكات الهاتف المحمول، غادرت العائلة دون أن يتمكنوا من إبلاغ أقاربهم، وحاولوا الوصول إلى منزل أحد الأقارب في الجنوب.
وبعد ساعات من التشرد في شوارع وسط غزة الفارغة، وجدوا سيارة أجرة مستعدة لنقلهم إلى الجنوب، بينما كانت الطائرات الحربية الإسرائيلية تحلق فوقهم بحثًا عن هدفها التالي.
لم تتمكن سيارة الأجرة من إيصال العائلة أبعد من مخيم دير البلح، على بعد 30 دقيقة من وجهتهم في رفح.
وقالت آلاء، البالغة من العمر 28 عاماً: “انتظرنا لساعات طويلة، لكن الشارع تعرض للقصف، و أصبحنا محاطين بالدمار الهائل والدماء ورشقات الرصاص المتواصلة”.
وأضافت: “للأسف، لم نجد سيارة أجرة تنقلنا إلى رفح، لذلك، توجّب علينا أن نبقى تلك الليلة في الشارع، في كنف المسجد”.
وتابعت آلاء: “في صباح اليوم التالي، وجدنا سيارة أجرة، لكن السائق استغل وضعنا، وطلب 300 شيكل (78 دولارًا)، وهو ما يعادل 10 أضعاف قيمة الأجرة العادية، لكن لم يكن أمامنا خيار إلا الموافقة”.
وصلت آلاء وعائلتها إلى منزل عمتها في مدينة رفح، لكنهم واجهوا هناك ظروفًا معيشية بائسة، حيث كانت قدرة الأسرة على الحصول على المياه الصالحة للشرب محدودة للغاية، واضطروا إلى استجداء البائع لبيعهم بعض الماء.
وكانوا يحرصون على إعداد وجبات الطعام بأسرع الطرق حتى يتمكنوا من الحفاظ على الغاز ، بسبب انقطاع الكهرباء.
تحت الأنقاض
لكن في يوم 17 تشرين الأول/ أكتوبر، تحطم أي أمل لدى العائلة في أن يكون انتقالهم إلى الجنوب قد أبعدهم عن خط النار الإسرائيلي، وكان ذلك بعد يومين فقط من وصولهم إلى منزل العمة، حيث استيقظت آلاء و25 فردًا من عائلتها الكبيرة على صوت انفجار أعقبه سقوط الركام عليهم.
وعلى الرغم من طرد الفلسطينيين من الشمال باتجاه الجنوب، إلا أن إسرائيل لم تعف النصف الجنوبي من غزة من الغارات الجوية.
تتذكر آلاء قائلةً: “لقد قصفوا المنزل المجاور لنا دون سابق إنذار، وقع السقف علينا، وسقط حجر كبير على رأسي، كنت أصرخ أنا وأبي وأمي وننادي الجيران لإنقاذنا”.
وتابعت: ” كنت أبحث عن عائلتي حين قام عمال الإنقاذ بسحبي من تحت أنقاض الشرفة، على ارتفاع بضعة أمتار من الأرض، بسبب انهيار السلالم”.
وذكرت آلاء أنها لا تعرف العدد الإجمالي للأشخاص الذين قتلوا، “لكنهم كانوا كثر”، وقالت أنها تعزو نجاتها إلى حقيقة أنها كانت نائمة بجوار جدار يطل على الشارع، مما سهّل على رجال الإنقاذ تحديد موقعها.
وقالت: كنت أصرخ وأبكي في سيارة الإسعاف، في محاولة يائسة للعثور على عائلتي، لكنني وجدتهم لاحقًا في المستشفى الأوروبي في خانيونس: “جميعهم أصيبوا بجروح طفيفة، باستثناء أختي البالغة من العمر 23 عاماً، والتي أصيبت بكسر في الحوض، وهي لا تزال غير قادرة على المشي وتحتاج إلى العلاج لفترة طويلة.”
وأصبح المستشفى ملجأ آلاء وعائلتها الجديد، حيث تقول: “أنا وأمي ننام على الأرض تحت سرير أختي في غرفة المستشفى، ووالدي وإخوتي ينامون في الفناء. يصطف المئات، بمن فيهم الأشخاص ذوو الإعاقة، دائمًا في طوابير للحصول على المراحيض، حيث تحدث دائمًا خلافات حول من يجب أن يذهب أولاً إلى الحمام، لذلك أستخدمه دائمًا في الليل فقط”.
وأضافت: “الاستحمام أصبح رفاهية الآن. عندما يصبح ماء الصنبور دافئًا، أملأ زجاجة ماء فارغة و أسكبها على جسدي” آخر مرة استحممت فيها كانت قبل أربعة أيام.”
ولكن حتى في المستشفى، فإن الظروف ليست بأفضل مما كانت عليه في الأماكن التي فرّت منها الأسرة، حيث المياه غير صالحة للشرب وملوثة بالملح، والبقالات فارغة، حتى أن الحصول على الخبز لم يعد متوفراً بشكل دائم.
ونظراً لاستهداف إسرائيل المستمر للمستشفيات، فإن ملجأهم الحالي لا يوفر لهم سوى القليل من الشعور بالأمان.
وتقول آلاء: “يصرخ الأطفال والنساء دائمًا عندما يسمعون القنابل، ويركض الجميع نحو الممرات لتجنب الشظايا خاصة شظايا النوافذ المحطمة”.
إن التهديد بالموت حاضر في أي لحظة عدا عن الحاجة إلى التعامل مع الصدمات الموجودة، إذ تعاني شقيقة آلاء من كوابيس متكررة، وتستيقظ مذعورة، معتقدة أنها مغطاة بالركام.
وختمت آلاء بالقول: “لا أحد يكترث لاحتياجاتنا، إنه أمر لا يطاق، لقد سئمت هذه الظروف المعيشية. إنها كابوس.”
للإطلاع على النص الأصلي من (هنا)