في منطقة اليرموك وسط مدينة غزة، تتحدث نداء معين عبر الهاتف إلى وسائل الإعلام وتراقب عبر النافذة القنابل الضوئية الإسرائيلية وهي تسقط على المناطق المجاورة مشعلةً الحرائق في المباني السكنية.
نداء وعائلتها ظلوا مع عشرات الآلاف من الفلسطينيين الذين لم يغادروا منازلهم بعد في مدينة غزة في الجزء الشمالي من القطاع المحاصر على الرغم من القصف الإسرائيلي المكثف على الأحياء التي يسكنون بها.
وقالت معين البالغة من العمر 32 عامًا، يوم الأحد، “معظم الناس لا يزالون هنا، والعديد من أقاربي لم يغادروا منازلهم، حتى أن الناس يفرون من منازلهم في أجزاء أخرى من مدينة غزة ويأتون إلى حيّنا على الرغم من أن الوضع ليس آمنًا أيضًا”.
وتضيف: “عندما أتصل بصديقاتي اللاتي أخلين منازلهن إلى المناطق الجنوبية، أشعر أنني أعيش في جزء مختلف من العالم، نحن نشعر حقًا بالعزلة رغم أن المسافة التي تفصل بيننا هي بضع كيلومترات.”
في اليوم الأول من العدوان الإسرائيلي على غزة، غادرت نداء معين وزوجها وطفلها البالغ من العمر شهرين منزلهم للاحتماء بمنزل أهل زوجها في الحي المجاور.
وأثناء التهجير الجماعي لسكان شمال القطاع ومدينة غزة في 13 تشرين الأول/ أكتوبر، غادرت نداء وعائلتها منزلهم بحثًا عن ملجأ في خان يونس في الجنوب عقب الإنذار الإسرائيلي لأكثر من مليون مدني للمغادرة خلال 24 ساعة.
لكن الأهالي عادوا عقب أسبوع إلى منازلهم بعد أن شهدوا “أقسى ليالي” القصف الإسرائيلي هناك.
وقالت نداء “وجدنا أنه لا داعي للبقاء هناك في ظل شدة القصف، ولم نتمكن من البقاء لفترة أطول لأن عدد النازحين الذين لجأوا إلى منزل أقاربنا كان كبيراً، وكانت إمدادات الغذاء والمياه شحيحة”.
وتابعت: ” كان من الأفضل أن نعود إلى ديارنا، حيث قمنا بتخزين الطعام وكميات صغيرة من الماء”.
وأوضحت نداء أن أكثر ما يقلقها هو صعوبة تعويض الطعام الذي يتم استهلاكه بسبب إغلاق أسواق البقالة المجاورة وعدم القدرة على مغادرة المنزل.
وأردفت: “في معظم الأحيان، لا يمكننا حتى الاقتراب من النافذة، خوفًا من احتمال وجود القناصة بالقرب من الحي الذي نعيش فيه، ولا يمكننا مغادرة المنزل، وحتى لو غادرنا، فلن نجد أي أسواق مفتوحة”.
وأشارت إلى أن أقاربها وأصدقائها الذين غادروا خلال الأسبوع الماضي قالوا أنهم شهدوا “كابوساً حقيقياً”، حيث أجبروا على السير عدة كيلومترات وسط القصف.
كما كانت نداء تحس بالقلق من عدم توفر مستشفيات لعلاج أي من أفراد أسرتها إن اضطر لذلك.
وأردفت:” أخشى من أنه إذا بقينا هنا وأصيب أحد فينا، أو حتى إذا انكسرت ساق طفل، فلن نجد أي مستشفى أو عيادة مفتوحة في المدينة بأكملها، لقد أغلقت العيادات من حولنا لعدم توفر الوقود، والمستشفيات الرئيسية حاليا محاصرة بالدبابات الإسرائيلية، وكل من يقترب منها يتم إطلاق النار عليه”.
وتحاصر القوات الإسرائيلية المستشفيات الرئيسية في مدينة غزة منذ يوم الجمعة، بما فيها مستشفى الشفاء، أكبر مجمع طبي في القطاع.
وخلال الأسابيع القليلة الماضية، تم استهداف أكبر ستة مستشفيات في مدينة غزة عدة مرات بالغارات الجوية الإسرائيلية وقذائف المدفعية والقناصة.
لا مكان للولادة
وفي الحي الذي تقيم فيه نداء، قالت ممرضة تعمل في جناح الولادة في مستشفى الصحابة، إنه تم إغلاق الجناح نهاية الأسبوع الماضي بسبب نقص الوقود، وهو آخر جناح للولادة في مدينة غزة، ما يعني أن النساء الحوامل لن يتمكنّ من إجراء عمليات قيصرية.
وذكرت آية محمد، الممرضة البالغة من العمر 25 عامًا: “لا يوجد مكان يمكن للنساء الحوامل الذهاب إليه حاليًا للولادة، ولا يوجد مستشفى أو عيادة للولادة مفتوحة الآن”.
بالإضافة إلى ذلك، لن تتمكن النساء اللاتي يتعرضن للإجهاض من الحصول على الرعاية الطبية التي يحتجن إليها.
وأكدت آية محمد “منذ بداية الحرب استقبلنا العشرات من حالات الإجهاض للنساء بسبب الخوف من القصف والضغط النفسي الشديد”.
وقال شهود عيان أن أزواج وأقارب النساء الحوامل المتوقع أن يضعن المواليد قريباً يتجولون في أحيائهم بحثاً عن أطباء لمساعدتهم على توليد زوجاتهم في المنازل.
وصباح يوم الأحد، قصفت القوات الإسرائيلية المحاصرة لمستشفى الشفاء جناح الولادة، مما أدى إلى مقتل ثلاث ممرضات على الأقل.
وقالت آية محمد: “أخبرتني ممرضة زميلة تعيش في شارع تل الهوى جنوب غرب مدينة غزة أنها شاهدت من نافذتها عدة جثث لأشخاص قُتلوا في الشارع دون أن يتمكن أحد من انتشالها أو الاقتراب منها”.
وتابعت: “لقد تُرك المصابون ينزفون حتى الموت بينما كان القناصة الإسرائيليون يطلقون النار بشكل مباشر على كل من يحاول الاقتراب منهم، نحن نشاهد المرضى والجرحى يموتون ولا نستطيع أن نفعل شيئًا لإنقاذ حياتهم”.
وأضافت: “تم قطع جميع الإمدادات، نحن ننتظر مصيرنا فقط”.