بقلم أسيل موسى
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
في غمضة عين، حجب جبل من الركام ضوء الصباح الباكر الذي كان يغمر غرف منزل وحيد موسى، قبل أن يدفنه مع زوجته وابنه.
وقال وحيد (55 عاما) “استيقظت مرعوباً لأجد أكثر من ثلثي جسدي مدفوناً تحت الأنقاض، معتقداً أن منزلنا هو الذي تم استهدافه، للحظة، ظننت أنني داخل القبر”.
ففي حين ضربت الغارة الجوية الإسرائيلية المنزل المجاور، إلا أن القصف العنيف تسبب في دمار كبير للمبنى الذي يسكنه وحيد في مخيم المغازي للاجئين، والذي يؤوي 36 عائلة، بما فيها عائلة وحيد، بالإضافة إلى 35 نازحًا.
كان وحيد، وهو مالك مختبر طبي، يأمل أن ينجو منزله الواقع في منطقة يصنفها الجيش الإسرائيلي على أنها “آمنة” في وسط قطاع غزة من العدوان الوحشي الذي سوى أحياء بأكملها بالأرض وقتل أكثر من 11200 شخصاً.
وأضاف وحيد: “أول ما فكرت فيه هو زوجتي وأولادي، كنت أخشى أن أفقدهم، حتى سمعت صوت زوجتي ريم تناديني بألم، في هذه اللحظة شعرت بالأمل أنها لا تزال على قيد الحياة”.
أما ريم فلم تستطع إيجاد الكلمات المناسبة لوصف ما شعرت به أثناء تعرضها للدفن تحت الأنقاض، حيث تقول: “شعرت بالرعب الشديد، حتى سمعت صوت ابني الأصغر أحمد، البالغ من العمر 13 عامًا، يصرخ ويقول: ماما أنا أختنق”.
حين وقع القصف كانت ريم تراسل شقيقتها للاطمئنان على وضعها، وفجأة، أصبح كل شيء أسودًا ورمادًا ودمارًا تتذكر صورته قائلة: “لقد كان الأمر أشبه بالكابوس”.
كان جسد ريم مدفوناً بالكامل تحت الحجارة والرمال، باستثناء رأسها، وعندما سمعت صراخ ابنها الأصغر، حاولت تحرير نفسها، لكنها لم تتمكن من الحركة.
وذكر وحيد أن الأسرة في تلك اللحظات انتقلت من النور إلى الظلام الدامس، وقال: “لقد كان كل شيء من حولنا أسود اللون، لم نتمكن من رؤية أي شيء، فقط أصوات تتأوه من الألم وأطفال يبكون”.
وأضاف: “اعتقدت أنني سأبقى تحت الأنقاض ولن يتمكن أحد من إنقاذي، كنا نعيش في مبنى مكون من أربعة طوابق، واعتقدت أنه تعرض للقصف المباشر وسُوِّي بالأرض، وهو ما يجعل إنقاذنا أمراً صعبا للغاية”.
“شعرت بالخوف من أن أفقد جميع أفراد عائلتي، كما حدث لكثير من الناس في غزة، وبدأت أتخيل كيف أنني لن أتمكن من العيش من دونهم” – وحيد موسى
لكن الجيران هرعوا للمكان بعد دقائق قليلة لإنقاذ وحيد وعائلته من تحت الأنقاض، حيث قال إنه عندما سمع صوت ابنه الأكبر محمد يناديه، شعر ببعض الأمان.
بدأ الرجال في إزالة الرمال والحطام من على أجساد وحيد وريم وأحمد، الذين كانوا نائمين في الغرفة التي تعرضت لأكبر قدر من الضرر.
لقد أصيب ثلاثتهم بجروح عميقة في مختلف أنحاء أجسادهم، حيث أصيب وحيد بكسور في الجانب الأيمن من ظهره وفي عموده الفقري.
وتابع وحيد: “سألت محمد: كيف حال أخواتك؟ أين هن؟ فأجاب: إنهن بخير، لكني لم أصدق ذلك حتى رأيتهن بأم عيني بعد أن غادرت المستشفى”.
“أحلم بالقصف”
وخلال عملية الإنقاذ، حرصت ريم على مواصلة الحديث مع ابنها الأصغر، لتجنيبه فقدان الوعي إلى أن يتم انتشاله من تحت الركام.
فقد كان أحمد يعاني بالفعل قبل وقوع الحرب الحالية من الذعر والقلق منذ العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة عام 2014، عندما كان عمره أربع سنوات.
وأوضحت والدته أن دفنه تحت الأنقاض أدى إلى تفاقم حالته النفسية، قائلة: “حتى الآن، وبعد أيام من الحادثة، نجده يستيقظ ليلاً مذعوراً ويركض عبر المنزل باتجاه الباب وكأنه هارب”.
وعن هذا يقول أحمد: “أحلم كل ليلة بالقصف، ولا أستطيع النوم بسلام بسبب أصوات الطائرات والصواريخ وقذائف المدفعية”.
“تجربة لا يمكن نسيانها أبداً”
وكانت بنات الزوجين الخمس نائمات في أحد الممرات عندما كسا السواد المكان، حيث تقول ولاء (22 عاما) “سمعنا صوت سقوط الحجارة، فتحت مصباح هاتفي فوجدت يديّ ملطختين بالدماء”.
وأضافت: “عندما وضعت كفيّ على وجهي، ازداد تلطخهما بالدماء، لم أعرف مكان جرحي، لكنني كنت أشعر بالرعب ورحت أسأل عن أبي وأمي”.
وبالإضافة إلى الرعب الذي عاشته العائلة، فقد تكبدت أيضًا خسائر مالية كبيرة، حيث يقول وحيد: “تعرض منزلي لأضرار بالغة وسوف يتطلب إصلاحه حوالي 15 ألف دولار، كما دمرت سيارتي الجيب التي تقدر قيمتها بـ 20 ألف دولار، و تعرض المختبر الذي أملكه بجوار المنزل لأضرار تقدر بـ 1500 دولار “.
وتعرضت جميع الشقق في المبنى لأضرار جسيمة في الهجوم الذي وقع في 3 تشرين الثاني/ نوفمبر، والذي أدى إلى مقتل 10 أشخاص في المبنى المجاور.
كما تضرر الشارع بالكامل والعديد من المحلات التجارية، حيث يقع مخيم المغازي المكتظ بالسكان على مساحة لا تزيد عن 0.6 كيلومتر مربع، وعلاوة على ذلك، فقد أدى القصف إلى تدمير مطعم في المنطقة ومقتل صاحبه.
ويعتقد وحيد أن بقاء الأسرة على قيد الحياة كان بمثابة معجزة، حيث قال: “لقد رأينا الموت بأعيننا، وعلى الرغم من أن كل شخص في غزة بات يشعر بأنه مستهدف، حتى لو كان مدنياً، إلا أن تجربة البقاء تحت الأنقاض لا يمكن نسيانها أبداً”.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)