تواجه الحكومة الإسرائيلية سؤالاً بالغ الحساسية يتعلق بالذي يتعين عليها فعله لإعادة نحو 240 إسرائيلياً مازالوا محتجزين داخل القطاع بعدما أسرتهم المقاومة الفلسطينية خلال الهجوم الذي شنته حماس على التجمعات الإسرائيلية في غلاف غزة في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر.
وعبر تاريخ الصراع في الشرق الأوسط، ساد افتراض غير معلن بأن إسرائيل ستبذل كل ما في وسعها لتحرير مواطنيها إذا تعرضوا للاحتجاز كرهائن.
دفعت إسرائيل في السابق ثمناً باهظاً مقابل إطلاق سراح جنودها، ففي عام 2011، تم إطلاق سراح 1027 أسيراً فلسطينياً مقابل إطلاق سراح جلعاد شاليط، وهو جندي إسرائيلي كانت حماس تحتجزه في القطاع.
لقد بُني العقد الاجتماعي في إسرائيل على تجنيد الإسرائيليين في الجيش مقابل أن تبذل الدولة كل ما في وسعها لإعادتهم، حتى لو سقطوا خلال القتال.
لكن صعود اليمين الديني في المجتمع الإسرائيلي وفي الجيش نفسه أيضاً غيّر هذا الاتجاه، حيث أصبح عدد الضباط من الرتب المتوسطة والعالية من اليمين الديني في الجيش أكبر من أي وقت مضى، وبات المستوطنون اليمينيون المتطرفون يهيمنون على الحكومة نفسها.
خلق هذا التغيير نمطاً جديداً من التفكير، حيث يُتوقع من الإسرائيليين أن يضحوا بأنفسهم من أجل وطنهم، دون أن يقع على كاهل الدولة أي التزام بإعادتهم.
تستند هذه الرؤية إلى أصوات مرتفعة تنادي اليوم بأن قضية الدولة اليهودية مهمة للغاية بحيث لا ينبغي إتيان أي عمل من شأنه أن يعيقها أو يلحق بها الضرر ، مثل إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين مقابل الرهائن الإسرائيليين.
لقد جاء هذا التغيير التدريجي ليعكس الخلاف بين وجه إسرائيل الأقدم والأكثر ليبرالية، الذي كان يقوم على أن حياة الإنسان مهمة وكل فرد مهم، والجانب الأكثر أصولية، والذي يقول إن هذا هو الثمن الذي يتعين علينا أن ندفعه.
ويتجلى هذا الاختلاف بين الإسرائيليين في الحملة التي تقودها عائلات الأسرى، والعديد منهم من مجتمعات الكيبوتسات ذات الميول اليسارية، ضد الحكومة، التي يهيمن عليها الأصوليون الصهاينة المتدينون الذين يمنحون الانتصار في العدوان على غزة الأولوية فوق كل شيء.
بدأ عدوان إسرائيل على غزة في أعقاب مقتل نحو 1200 إسرائيلياً في الهجوم الذي قادته حماس، ومع فقدان هذا العدد الكبير من القتلى، ساد تفكير داخل الدوائر اليمينية بأن خسارة بضع مئات آخرين لن تكون فظيعة للغاية إذا كان ذلك ثمناً لسحق حماس بالكامل.
لقد أصبحت الرغبة في كسب الحرب وإسقاط حماس قضية وجودية تقريباً في ظل الدعاية القائلة أن الشعب اليهودي أصبح على المحك.
وإذا كان إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين يعني منح حماس فترة توقف في القتال تمنحها وقتاً للتعافي، وبالتالي تقليص فرص تحقيق النصر الإسرائيلي الكامل، فإن هذا يعتبر غير مقبول في نظر العديد من القادة الإسرائيليين وقسم كبير من عامة الناس.
وحقيقة أن العديد من الأسرى ينتمون إلى الجانب الأكثر ليبرالية في إسرائيل تعني أن القضية بدأت تعكس الوضع السياسي قبل 7 تشرين الأول/ أكتوبر.
فقبل أشهر من الهجوم، كان مئات الآلاف من الإسرائيليين ينظمون مظاهرات أسبوعية ضد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وحكومته، وكان الإسرائيليون يتصارعون حول معركة وجودية أخرى هي الإصلاحات القضائية التي قام بها نتنياهو.
لم يكن لدى نصف الجمهور الإسرائيلي ثقة في رئيس وزرائهم قبل الحرب، ومنذ ذلك الحين، لم يفعل نتنياهو أي شيء لإقناعهم بأنه الرجل المناسب لإعادة الأسرى إلى الوطن أيضًا.
وينظم آلاف الأشخاص حالياً مسيرة إلى مكتب رئيس الوزراء في القدس مطالبين الحكومة بتأمين حرية الأسرى، وهي قضية تبناها العديد من قادة الحركة الاحتجاجية السابقة.
ولم تكن شعبية نتنياهو يوماً في وضع أسوأ مما هي فيه الآن، فقد أظهر استطلاع للرأي نشر يوم الخميس أن حزب الليكود الذي يتزعمه رئيس الوزراء سيحصل على 17 مقعداً فقط من مقاعد البرلمان البالغ عددها 120 مقعداً إذا أجريت الانتخابات الآن، وهذا يمثل نصف عدد مقاعد حزب الوحدة الوطنية الذي يتزعمه منافسه من يمين الوسط بيني غانتس.
كما أظهر استطلاع آخر هذا الأسبوع أن أقل من 4% من اليهود الإسرائيليين يعتقدون أن نتنياهو مصدر موثوق للمعلومات حول الحرب، فيما أظهر استطلاع ثالث نُشر في 3 تشرين الثاني/نوفمبر أن 76% من الإسرائيليين يريدون استقالة رئيس الوزراء.
وبالنسبة لنتنياهو، فإن التشبث بالحضور السياسي يعد أمراً بالغ الأهمية، ومن المرجح أن أول ما يفعله في الصباح هو قراءة آخر استطلاعات الرأي، حتى قبل أن يتلقى الأخبار من ساحة المعركة.
ولذلك فإن الشكوك تحوم حول رغبته في إطالة أمد الحرب التي يصعب الإطاحة به خلالها، وإن كان التوصل إلى اتفاق لإطلاق سراح بعض أو كل الأسرى قد لا يبشر بنهاية الحرب بقدر ما قد يكون بداية للنهاية.
فلنفترض مثلاً أنه جرى التوصل إلى وقف للقتال لمدة خمسة أيام، عندها ستذهب وسائل الإعلام الدولية إلى غزة وترى بنفسها مشاهد الدمار الشامل، وفي هذه الأثناء، فإن حماس ستكون قادرة على التقاط الأنفاس وسيسعها أن تتفاءل بالنجاة من الهجوم.
ولذلك تعتقد عائلات الأسرى وعدد من المراقبين أن نتنياهو ليس في عجلة من أمره لوقف القتال من أجل تحرير المحتجزين في غزة.
وفي الواقع، فإن نتنياهو بالكاد يتحدث إلى عائلات الأسرى، وقد استغرق الأمر منه أسابيع عديدة للقاء بعض ممثليهم، مما جعلهم يشعرون بالتخلي عنهم.
إنها حالة حساسة، وقد تبنت وسائل الإعلام الرسمية رواية الجيش التي تقوم على أن الضغط العسكري على حماس من شأنه أن يرغمها على التنازل عن صفقة أفضل من أجل الأسرى.
ولكن ليس هناك ما يشير إلى أن هذا هو الحال بالفعل، بل يبدو أن الصفقة التي تعرضها حماس اليوم لا تختلف عن تلك التي سبقت بدء إسرائيل غزوها البري في 30 تشرين الأول / أكتوبر، فقد أطلقت سراح أربعة أسرى قبل بدء العمليات البرية، ولم يتم إطلاق سراح أي أسير آخر منذ بدأ الاقتحام البري.
ومن المحتمل أن نعرف النتيجة خلال شهر أو شهرين، فإما أن يطلق سراح الأسرى أو أنهم سيموتون.
وإذا حدث الأمر الأخير، فإن التأثير على التماسك الاجتماعي في إسرائيل سيكون هائلاً، لأن فشل إسرائيل في إنقاذ عشرات المواطنين عندما أتيحت لها الفرصة سيكسر العقد الاجتماعي بين الجمهور والدولة والجيش أكثر فأكثر.
ستكون تلك صدمة يصعب التعافي منها، فهل تستطيع إسرائيل الليبرالية وإسرائيل اليمينية الدينية الاستمرار في العيش جنباً إلى جنب؟
يدرك نتنياهو، على الرغم من كل تهكمه، هذا المنعطف الذي تجد إسرائيل نفسها فيه، ليس فقط بالنسبة للحرب نفسها، بل بالنسبة للمجتمع الإسرائيلي ككل.