بقلم اسماعيل باتيل
ترجمة وتحرير مريم الحمد
منذ هجوم حماس في 7 أكتوبر، كرر رئيس الوزراء البريطاني، ريشي سوناك، تصريحه القائل بأن لإسرائيل “الحق المطلق في الدفاع عن نفسها” مرات عديدة، فيما ذهب المتحدث باسم البيت الأبيض، جون كيربي، إلى أبعد من ذلك بقوله أنه “لا وجود لخطوط حمراء يمكن لإسرائيل تجاوزها” في هجومها على غزة!
بطبيعة الحال، كانت هذه التصريحات بمثابة ضوء أخضر لإسرائيل من أجل إطلاق العنان لقوتها العسكرية ضد شعب غزة، حتى قتلت أكثر من 14 ألف إنساناً منهم 5500 طفل على الأقل على مرأى ومسمع العالم.
لتبرير جرائمها، تستند إسرائيل والدول المتحيزة لها، إلى المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة التي ربطتها بمزاعم مشروعية هجومها على المدنيين في غزة، ولكنها ليست المرة الأولى على أية حال، فقد حاولت إسرائيل في الماضي استخدام حجة “الدفاع عن النفس” لتبرير أعمالها، بما في ذلك بناء الجدار في الضفة الغربية.
في قضية الجدار عام 2004، وفي فتواها حول التبعات القانونية الناشئة عن بناء جدار في الأرض الفلسطينية المحتلة، أكدت محكمة العدل الدولية أن المادة 51 تعترف بوجود “حق أصيل في الدفاع عن النفس إذا كان الهجوم المسلح من قبل دولة ضد دولة أخرى”، وهو ما لا يتأتى في حالة إسرائيل، لأن الضفة وغزة ليستا “دولة أجنبية” وإنما أراضٍ تحتلها إسرائيل، وبالتالي، لا تنطبق المادة 51 عليها.
“لجميع الشعوب الحق في تقرير المصير، وبموجب هذا الحق، فإنها تحدد بحرية وضعها السياسي وتسعى بحرية إلى تحقيق تنميتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية” – العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية
فيما يتعلق بغزة، فقد سحبت إسرائيل مستوطنيها من القطاع عام 2005، لكنها حافظت على سيطرتها الكاملة على الحدود، مع حصار شمل التحكم في إمدادات الوقود والكهرباء التي يمكنها قطعها متى شاءت، في وضع وصفته منظمة العفو الدولية بأنه “عقاب جماعي مستمر منذ 15 عاماً”.
“قانون الاحتلال”
لا تنطبق المادة 51 على الحالة في الأراضي المحتلة، ففي ظل التفسير السابق، فإن قانون الاحتلال العسكري هو الذي ينطبق بين إسرائيل وفلسطين، أو ما يعرف بـ “قانون الاحتلال”.
ويعد هذا القانون جزءاً من القانون الإنساني الدولي، ويحدد معايير السلوك في الحرب الموجودة أصلاً في أنظمة لاهاي لعام 1907، واتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 وبروتوكولاتها الاختيارية.
تحدد لوائح الاتفاقيات السابقة الأشخاص الخاضعين للاحتلال على أنهم “محميون”، وتوضح بناء على ذلك العديد من الأشياء التي تعد غير قانونية في ظل الاحتلال، بما في ذلك العقاب الجماعي وضم الأراضي والهجمات الانتقامية وتدمير الممتلكات أو الاستيلاء عليها والنقل القسري الجماعي أو الفردي للأشخاص، وإسرائيل قامت بانتهاك كل واحد من هذه القوانين في مناسبات عديدة!
المادة 51 “تعترف بوجود حق أصيل في الدفاع عن النفس إذا كان الهجوم المسلح من قبل دولة ضد دولة أخرى”، وهو ما لا يتأتى في حالة إسرائيل، لأن الضفة وغزة ليستا “دولة أجنبية” وإنما أراضٍ تحتلها إسرائيل، وبالتالي، لا تنطبق المادة 51 عليها
يفرض قانون الاحتلال أيضًا التزامًا على دولة الاحتلال بتوفير النظام العام من خلال الشرطة والسلامة والغذاء والرعاية الطبية، كما يمنع دولة الاحتلال، وفي هذه الحالة إسرائيل، من استخدام مقاومة الاحتلال كمبرر لمهاجمة الشعب المحتل بطريقة جماعية، حيث تستطيع الأخيرة الدفاع عن شعبها بشكل محدود.
وإذا أسقطنا القانون على هجوم 7 أكتوبر، إذا ما تم اعتباره من أعمال العنف، فإن إسرائيل ملزمة بالرد عبر صلاحيات الشرطة الممنوحة لها بموجب قوانين الاحتلال فقط، والتي تهدف إلى الحفاظ على السلام، وبشكل استثنائي، باستخدام القوة العسكرية لكن ضمن القوانين الإنسانية الدولية، ولا أعتقد أن تدمير أحياء بأكملها وقتل آلاف المدنيين وقطع جميع الإمدادات الأساسية يتوافق مع القانون الدولي!!
على الجانب الآخر، يؤكد القانون أن للفلسطينيين الحق القانوني في مقاومة الاحتلال سعياً إلى نضالهم من أجل تقرير المصير، وهذا الحق منصوص عليه في المادة 1 من ميثاق الأمم المتحدة والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
وينص العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على ما يلي: “لجميع الشعوب الحق في تقرير المصير، وبموجب هذا الحق، فإنها تحدد بحرية وضعها السياسي وتسعى بحرية إلى تحقيق تنميتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية”.
إضافة إلى ذلك، فقد أكد قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 2672 عام 1970 على حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، وأيد ذلك أيضاً الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية بشأن شرعية الجدار 2004، الذي اعتبر مقاومة الاحتلال مشروعة لأغراض تقرير المصير.
السكان المدنيون محميون بالقانون!
وفقاً للقانون الدولي أيضاً، فيمكن للنضال اتخاذ كافة الأشكال المشروعة، طالما أن الهدف تقرير المصير، وفي حالة الفلسطينيين فقد كانت الأشكال سلمياً في أغلبها حتى قوبلت الاحتجاجات السلمية في غزة خلال مسيرات العودة الكبرى وفي الضفة الغربية بالقوة والقتل من جانب إسرائيل!
كل واحد من السياسيين الذين دعموا إسرائيل ورفضوا وقف إطلاق النار متواطئاً في جرائم الحرب الإسرائيلية، لأن مختصر القانون الدولي يؤكد على أن إسرائيل لا تستطيع أن تدعي “الدفاع عن النفس” في أية أعمال عسكرية ضد الأراضي الفلسطينية التي تحتلها!
يفصل قانون الاحتلال الدولي بين حركات المقاومة المسلحة ويرى أنها يجب أن تكون قابلة للتحديد ومنفصلة عن السكان المدنيين، باعتبار الهجمات العسكرية مشروعة فقط على مقاتلي المقاومة.
وفي واقع الحال في غزة، فقد زعمت إسرائيل أنها تهاجم أهدافاً تابعة لحماس، ولكن الواقع أكد أنها تجاهلت وجود السكان المدنيين وشردت أكثر من مليون شخص وقصفت شمال غزة بعنف شديد شمل البنية التحتية المدنية والمنازل والمباني المحمية بموجب قانون الاحتلال، مثل المدارس ودور العبادة والمستشفيات.
وما الهجوم الإسرائيلي الأخير على غزة إلا تكرار دموي مكثف للهجمات العسكرية السابقة ضد السكان المدنيين المحميين، ففي عام 2008-2009، أدى القصف الذي استمر 23 يوماً إلى قتل 1400 فلسطيني، وفي عام 2012 أدى القصف الذي استمر 8 أيام إلى قتل 150 فلسطينياً، وفي عام 2014، أدى الهجوم الذي استمر 50 يومًا إلى قتل 2200 فلسطيني، وفي عام 2021، أدى الهجوم الذي استمر 21 يومًا إلى قتل 260 فلسطينيًا.
الحقيقة أن إسرائيل تنتهك التزاماتها بموجب قانون الاحتلال باستمرار وبعدد مرات لا تحصى، في وقت تصور فيه نفسها على أنها الضحية، رغم أن القانون الدولي يضع إسرائيل بوضوح في خانة المعتدي.
ويعد كل واحد من السياسيين الذين دعموا إسرائيل ورفضوا وقف إطلاق النار متواطئاً في جرائم الحرب الإسرائيلية، لأن مختصر القانون الدولي يؤكد على أن إسرائيل لا تستطيع أن تدعي “الدفاع عن النفس” في أية أعمال عسكرية ضد الأراضي الفلسطينية التي تحتلها!
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)