بقلم أحمد وحيدي وأحمد السماك
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
في خيمة صغيرة ممزقة تسقفها بطانية سوداء واهية وعلى مراتب ممزقة تفوح منها رائحة كريهة، ينام أفراد عائلة حازم أبو غبن، بعد أن كانت الأسرة النازحة تمتلك منزلًا واسعًا في جباليا، شمال غزة.
اضطرت العائلة إلى مغادرة منزلها عندما أمر الجيش الإسرائيلي 1.1 مليون شخص يعيشون في الشمال ومدينة غزة بالإخلاء إلى جنوب القطاع تحت القصف العنيف.
وفي رحلة الإخلاء الشاقة، وفي ظل غياب سيارات الأجرة بسبب الغارات الجوية المستمرة، اضطرت الأسرة إلى قطع مسافة تزيد عن 10 كيلومترات وسط فوضى العدوان، لتنضم إلى بحر من النازحين تركوا وراءهم كل ممتلكاتهم، ولم يحملوا سوى القليل من البطانيات والملابس.
وروى أبو غبن: “عندما وصلنا إلى نقطة تفتيش عسكرية إسرائيلية، أجبرنا على المشي ونحن نرفع بطاقات هوياتنا، لقد كان الأمر مرعباً للغاية حيث كانوا يعتقلون الناس بشكل تعسفي ويقتلونهم”.
بعد اجتياز الحاجز العسكري، واجه أبو غبن وعائلته تحدياً آخر تمثل في العثور على وسيلة نقل، وعندما لم يتمكنوا من العثور على سيارة أجرة، لجأوا إلى عربة يقودها حمار، ووافق صاحب العربة على نقلهم لمسافة تقدر بحوالي كيلومترين، وبعد ذلك كان عليهم السير حوالي سبعة كيلومترات أخرى للوصول إلى مخيم النصيرات الذي يقع وسط القطاع.
ولدى وصولهم، بحثوا عن ملجأ من القصف المتواصل لكنهم لم يجدوا في نهاية المطاف سوى مأوى في إحدى مدارس الأمم المتحدة.
ولما لم تتمكن الأسرة من إحضار أي مراتب أو أسرة من منزلها، اضطرت الأسرة إلى النوم على الأرض في ساحة المدرسة.
“لقد صنعت مأوى يشبه الخيمة من بطانية لحماية أطفالي من المطر. لقد مكثنا هنا لمدة شهر، كان شيئاً لا يطاق” – حازم أبو غبن
وتابع أبو غبن: “وجدت صديقاً لي في نفس المدرسة، وأخذنا نتشارك نفس الفراش”.
يتفاقم الوضع المزري في الملجأ بسبب نقص منتجات التنظيف والإمدادات والمياه النظيفة، حيث خلقت ظروف الاكتظاظ في الملاجئ أرضاً خصبة للأمراض، وهو ما يشكل تهديداً كبيراً للسكان النازحين.
وقال أبو غبن: “أصبح الناس غير قادرين حتى على شراء منتجات التنظيف وذلك كي يوفروا بعض المال لشراء الطعام من أجل تجنب المجاعة”.
وأضاف: “حتى أن الاستحمام أصبح شبه مستحيل بسبب نقص المياه”، وهو ما ساهم في انتشار الأمراض المعدية مثل الجرب والأنفلونزا والجدري في المدرسة.
وقال: “استحممت مرتين فقط هذا الشهر، باستخدام مياه مالحة جداً من مياه المرحاض”.
وتابع: “حتى استخدام المراحيض فهو أمر لا يطاق، أضطر للوقوف في طابور لمدة ثلاث أو أربع ساعات لقضاء الحاجة دون توفر أي أدوات تنظيف، حيث أضطر إلى تغطية أنفي بقطعة قماش لحجب الرائحة الكريهة التي لا تطاق”.
وذكرت منظمة الصحة العالمية مؤخرًا أن الحظر الإسرائيلي على الوقود أدى إلى إغلاق محطات تحلية المياه، وهو ما يفاقم بشكل كبير خطر العدوى البكتيرية.
ويرجع ذلك إلى استهلاك الناس للمياه الملوثة، كما أدى الحظر الإسرائيلي إلى تعطيل عملية جمع النفايات الصلبة، وهو ما خلق ظروفاً مناسبة للانتشار السريع والواسع للحشرات والقوارض القادرة على حمل الأمراض ونقلها.
وكانت منظمة الصحة العالمية قد أعربت عن قلقها العميق إزاء الارتفاع المثير للقلق في حالات الجرب والقمل والطفح الجلدي والإسهال والتهابات الجهاز التنفسي العلوي، وخاصة بين الأطفال، وهو ما يضفي حالة من البؤس على الحياة الصعبة بالفعل لأفراد مثل أبو غبن وعدد آخر لا يحصى من الأشخاص الذين يواجهون ظروفًا مماثلة.
كما تسبب الوضع الصحي المتردي بتفاقم الصعوبات التي يواجهها المتضررون من نقص الوقود وعواقبه.
“أمر مهين”
فقد أدت ندرة المساعدات الغذائية والمالية إلى تفاقم الظروف المعيشية لسكان غزة، خاصة بالنظر إلى معدل الفقر الذي بلغ 53% قبل الهجوم الإسرائيلي.
وأعرب أبو غبن عن أسفه لأن “الحصول على الغذاء أصبح عملية مهينة”، مسلطاً الضوء على نقص الغذاء ونقص الموارد المالية اللازمة لشرائه، وأوضح قائلاً: “لا أستطيع شراء الطعام لأطفالي، فقد نفدت أموالي، ولم يعد الناس قادرين على إقراضي المال”.
وحتى لو تم توفير الدقيق من قبل الأونروا، فإن استخدامه في إعداد الخبز يظل أمراً لا يمكن تحمل تكلفته، وأوضح أبو غبن أن “سعر أسطوانة الغاز أصبح الآن 400 شيكل (106 دولارات)، بعد أن كان 70 شيكلاً (18 دولاراً) قبل الحرب.
وأضاف أن شراء الحطب أصبح باهظ الثمن أيضاً، لذلك يضطر إلى الخروج كل صباح عند الفجر، للبحث في الشوارع عن أي حطب متوفر.
وفي خضم العدوان والقصف المتواصل، يقول إنه يغامر بالذهاب إلى المنازل التي تم قصفها، على أمل العثور على خشب صالح للاستخدام من الأشجار هناك.
ويقول “إنها مهمة محفوفة بالمخاطر، أدعو الله من أجل نهاية سريعة لهذا الوضع، فأنا متشوق جداً للعودة إلى منزلي، حيث إنني لست متأكداً فيما إذا كان قد تعرض للقصف أم لا”.
وأمام خيمة أبو غبن، تبحث أم هاني جبريل، وهي امرأة في الستينيات من عمرها، عن مأوى في أحد الفصول الدراسية مع عشرات النازحين.
اضطرت أم هاني إلى إخلاء منزلها في غزة مع أطفالها وأحفادها، هرباً من الغارات الجوية الإسرائيلية القريبة من منزلها، حيث تقول: “لم نتمكن من أخذ أموالنا أو أي شيء آخر غير بطاقات الهوية الخاصة بنا”.
وذكرت أن كل شيء أصبح صعباً، حتى المهام اليومية البسيطة مثل طهي الطعام أصبحت مهمة شاقة بالنسبة لها، وأوضحت: “أضطر لدفع ثلاثة شيكل مقابل شراء كيلوغرام واحد من الحطب، أو بدلاً من ذلك أن أجمع الورق المقوى من الشوارع لإشعال النار للطهي”.
أما بالنسبة للطعام، فهي تطبخ الأرز كل يوم، فهو الغذاء الأساسي الوحيد لديها، في ظل ارتفاع الأسعار الذي أثر عليها بشكل كبير، حيث أصبح سعر كيلو الملح الواحد يبلغ الآن 20 شيكلاً، مقارنة بشيكل واحد قبل الحرب.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)