بعد عمل استمر أسابيع في اثنين من مستشفيات غزة، عاد الجراح البريطاني من أصل فلسطيني، غسان أبو ستة، إلى بريطانيا، متهماً إسرائيل باستهداف المدنيين النازحين داخل القطاع المحاصر بالفوسفور الأبيض وطلقات القناصين.
وقد أوضح خبير الجراحة التجميلية وطب مناطق الحرب الذي وثقت منشوراته على وسائل التواصل الاجتماعي ما مر به، أن الهجوم المستمر منذ أسابيع أظهر أن إسرائيل استهدفت الأطفال بشكل خاص في المنطقة المحاصرة.
“بدأ كل شيء ينفد، في البداية، استبدلنا المحلول المطهر بسائل الغسيل والخل، ثم انتهى الأمر بالمورفين ثم اضطررت إلى القيام بإجراءات دون أي مخدر، في وضع أشبه بالقرون الوسطى كان يرى المرضى فيها العذاب” – الطبيب غسان أبو ستة
في حديثه لموقع ميدل إيست آي، أشار أبو ستة إلى “أن هناك عدداً هائلاً من الجرحى يتراوح بين 7 إلى 8 آلاف، بالإضافة إلى حوالي 7 آلاف طفل قتلوا في 40 يومًا فقط”.
أكد أبو ستة أن “الجروح التي أصيب بها العديد من المرضى أظهرت علامات مشابهة لتلك التي أحدثها استخدام الفسفور الأبيض والأسلحة الحارقة الأخرى”، موضحاً أنه “بعد الغزو البري، بدأنا نرى مرضى يعانون من إصابات برصاص قناص عالية السرعة كانت تستخدم لاستهداف المدنيين الذين يزورون المستشفى أو يحاولون زيارته”.
“لقد رأينا الإسرائيليين يستهدفون الألواح الشمسية فوق المستشفيات والمباني وحتى المرضى، ففي كل مرة تمر فيها بالقرب من مبنى، يمكنك أن تشم رائحة الموت والتحلل” – الطبيب غسان أبو ستة
يذكر أنه في وقت سابق من هذا الشهر، اتهمت منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش إسرائيل باستخدام الفسفور الأبيض في عملياتها العسكرية في غزة وجنوب لبنان، الأمر الذي أنكره الجيش الإسرائيلي.
وصف أبو ستة، الذي عمل في مناطق حرب عدة خلال حياته المهنية بما في ذلك اليمن وسوريا، الوضع في غزة بأنه “بائس”، مشيراً إلى اضطرار الأطباء إلى استخدام “سائل الغسيل” و”الخل” من أجل تطهير الجروح ومساعدة المرضى بعد أن أصبحت المستشفيات مكتظة.
يقول أبو ستة، “بدأ كل شيء ينفد، في البداية، استبدلنا المحلول المطهر بسائل الغسيل والخل، ثم انتهى الأمر بالمورفين ثم اضطررت إلى القيام بإجراءات دون أي مخدر، في وضع أشبه بالقرون الوسطى كان يرى المرضى فيها العذاب”.
من جانبه، أوضح مركز العدالة الدولي للفلسطينيين، الذي يعمل حالياً على جمع الأدلة لإعداد قضية جرائم حرب ضد إسرائيل، أن أبو ستة سوف يدلي بشهادته أمام وحدة جرائم الحرب التابعة لشرطة العاصمة لندن.
وقد أوضح مدير المركز، طيب علي، أن المركز يجمع شهادات شهود عيان من محققين داخل غزة ويجمع قوائم بالانتهاكات التي ارتكبتها إسرائيل خلال حربها على القطاع المحاصر، مشيراً إلى القيام بجمع الأدلة ضد المواطنين البريطانيين الذين ذهبوا إلى إسرائيل للقتال في غزة أيضاً.
وخلال مؤتمر صحفي في لندن شارك فيه أبو ستة، عرض المركز الدولي للصحفيين مجموعة من اللقطات عن الفترة التي قضاها الأخير في غزة، حيث تضمنت صوراً لأطفال فقدوا أطرافهم، وجروحاً أصيب بها فلسطينيون دللت على استخدام الفسفور الأبيض.
ليست المرة الأولى لأبو ستة في غزة، فقد سبق أن عمل في القطاع خلال عدوان عام 2008، مؤكداً أنه شاهد إصابات مماثلة ناتجة عن ذخائر الفسفور الأبيض.
أشار أبو ستة كذلك إلى أن البنية التحتية الطبية في غزة تعرضت للاستهداف بشكل متكرر من قبل القوات الإسرائيلية، وأضاف ” لقد رأينا الإسرائيليين يستهدفون الألواح الشمسية فوق المستشفيات والمباني وحتى المرضى، ففي كل مرة تمر فيها بالقرب من مبنى، يمكنك أن تشم رائحة الموت والتحلل، أعتقد أن قبول العالم لحدوث يجعل العالم مكاناً خطيراً”.
يقول أبو ستة أنه لن ينسى أبدًا وجوه الأشخاص الذين عالجهم، فيتذكر فتاة صغيرة قُتلت والدتها، وهي طبيبة في مستشفى الشفاء، فأخذ زملاء والدتها يعتنون بها في المستشفى، واصفاً حالتها بأنها “كانت تعاني من إصابات مروعة في وجهها، لكن كان لديها ضفائرها وربطة شعرها وطلاء أظافرها”.
يذكر أيضاً مريضاً آخر توفي وهو رجل مصاب بحروق في الوجه من الدرجة الثالثة وحروق في ذراعيه وساقيه، ومريض آخر كان يعالجه بعد أن دفعه والده لمدة 5 ساعات على كرسي متحرك لرؤيته، مؤكداً “كل تلك المشاهد عالقة في ذهني”.