بقلم ماركو كارنيليوس
ترجمة وتحرير مريم الحمد
في مقال لصحيفة واشنطن بوست هذه المرة، خلط الرئيس الأمريكي جو بايدن مرة أخرى بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وحماس، فالأسباب التي شرحها في المقالة تجعل سرديته معيبة للغاية!
حماس جماعة فلسطينية تنتمي لتيار الإسلام السياسي، وتعتقد أن إطلاق الصواريخ على إسرائيل يساعد في تحقيق حق تقرير المصير الذي طال انتظاره للشعب الفلسطيني، أما بوتين فهو زعيم مسيحي أرثوذكسي لا يتردد في استخدام العنف تحت حجة “المصالح الوطنية لروسيا والأمن القومي للدولة”.
وللمفارقة، فتوصيف حماس يمكن تطبيقه أيضًا على إسرائيل، والتوصيف الثاني عن بوتين يمكن تطبيقه على بايدن وأسلافه من الرؤساء الأمريكيين، فكيف ذلك؟
لقد وصف بايدن ما قامت بها حماس بأنه “شر محض”، ولكن كيف يمكنه وصف عقود من العنف التي قام بها الجيش الإسرائيلي والمستوطنون إذن؟!
إسرائيل تدعي أنها دولة ديمقراطية، لكن سلوكها يتعارض مع قيمها الديمقراطية المعلنة، فقد استخدمت الميليشيات اليهودية أساليب إرهابية للوصول إلى “استقلال إسرائيل”، كما أن هناك أسباب وجيهة تجعلنا نرى أن حكومة نتنياهو ترتكب جرائم حرب وتنتهك القانون الدولي!
وبالنسبة للولايات المتحدة، فهي لم تتردد قط في استخدام قوتها العسكرية بحجة مصالحها الوطنية أو في مواجهة التهديدات المحتملة لأمنها القومي، حيث يصف الرئيس السابق جيمي كارتر الولايات المتحدة بأنها “الدولة الأكثر حربية في تاريخ العالم” لأنها تريد فرض القيم الأمريكية على الدول الأخرى، كما صرح عام 2019 قائلاً أن “الولايات المتحدة كأمة عاشت في سلام لمدة 16 عامًا فقط من أصل 242 عامًا”.
فروقات غير واضحة
كل من يرى أن هناك مساواة بين إسرائيل وحماس، أو بين الولايات المتحدة وروسيا، فهو مخطئ، فإسرائيل دولة ديمقراطية غير مكتملة، فيما تعد حماس حركة سياسية تستخدم الإرهاب، كما أن إسرائيل لا تعد دولة إرهابية رغم إرهابها لجميع سكان غزة!
وبالمثل، أصبحت الولايات المتحدة أيضاً دولة ديمقراطية منقوصة إلى حد كبير، في حين أصبحت روسيا دولة استبدادية.
لكن في كلتا المقاربتين، صارت الفروقات بين إسرائيل وحماس من ناحية، والولايات المتحدة وروسيا من ناحية أخرى، غير واضحة، فكيف تميل دولتان ديمقراطيتان إلى استخدام العنف والقوة العسكرية ضد المدنيين؟!
لقد وصف بايدن ما قامت بها حماس بأنه “شر محض”، ولكن كيف يمكنه وصف عقود من العنف التي قام بها الجيش الإسرائيلي والمستوطنون إذن؟!
للمفارقة، فإن الولايات المتحدة لطالما كانت شديدة فيما يتعلق بوقف العنف الفلسطيني ضد الإسرائيليين، مقابل سلبية وتواطؤ مخزيان عندما يتعلق الأمر بوقف الاعتداءات الإسرائيلية اليومية ضد الشعب الفلسطيني
يتساءل بايدن في مقالته في صحيفة واشنطن بوست قائلاً “هل سيعيش الإسرائيليون والفلسطينيون يومًا ما جنبًا إلى جنب في سلام، مع وجود دولتين لشعبين؟”، والجواب لا حتى الآن، على الأقل إلى أن تضع الولايات المتحدة حداً لسياستها المتحيزة في التغطية على كل أخطاء إسرائيل، الحقيقة لو كانت الولايات المتحدة تلعب دور الوسيط النزيه بحق، لتمت تسوية الصراع منذ سنوات.
رغم التباين الكبير في عدد الضحايا على الجانبين، إلا أن مقالة بايدن ركزت على المحنة الإسرائيلية بشكل أكبر بكثير، بل وعزا أسباب انهيار الاستقرار وغياب الأمل بالتكامل الإقليمي الأوسع إلى بوتين وحماس، وذلك بعيد عن حماس، أما بالنسبة لبوتين، فهو يتصرف كرد فعل على التواطؤ الأمريكي الذي يعتبر المحرك الرئيسي لعدم الاستقرار في الشرق الأوسط.
سلبية مخزية
يخلط بايدن أيضاً بين مصالح الأمن القومي الأمريكي و”مصلحة العالم بأسره”، ففي المؤسسة السياسية الأميركية، يكاد يكون هذا الارتباط بمثابة معتقد ديني، غير أنها أضرت بكرامة وسيادة العديد من الدول والشعوب، حتى وصلنا إلى لحظة “طفح الكيل” عند الحديث عن الهيمنة الأمريكية على العالم.
يؤكد بايدن في مقالته على أنه يجب كسر “دوامة العنف المتواصل”، وللمفارقة، فإن الولايات المتحدة لطالما كانت شديدة فيما يتعلق بوقف العنف الفلسطيني ضد الإسرائيليين، مقابل سلبية وتواطؤ مخزيان عندما يتعلق الأمر بوقف الاعتداءات الإسرائيلية اليومية ضد الشعب الفلسطيني، حيث لعبت هذه السلبية دورًا مهمًا في تهيئة الظروف لهجوم 7 أكتوبر.
تحدث بايدن في مقالته عن اجتماع جمعه بنتنياهو قبل أسابيع من هجوم 7 أكتوبر في نيويورك، مشيراً إلى ما أسماها “مجموعة من الالتزامات الجوهرية التي من شأنها أن تساعد إسرائيل والأراضي الفلسطينية على الاندماج بشكل أفضل في الشرق الأوسط”.
العجيب مرة أخرى أنه تلك الزيارة أيضاً، قام نتنياهو بعرض خريطة للشرق الأوسط الجديد لا أثر فيها لفلسطين أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة ، ومع ذلك لم تتفوه واشنطن بكلمة انتقاد واحدة!
وهم السلطة الفلسطينية
يصف بايدن حل الدولتين باعتباره “السبيل الوحيد لضمان الأمن لكل من الشعبين الإسرائيلي والفلسطيني”، مضيفاً أنه “يجب ألا يكون هناك تهجير قسري للفلسطينيين من غزة، ولا إعادة احتلال، ولا حصار، يجب إعادة توحيد غزة والضفة الغربية في ظل هيكل حكم واحد في ظل سلطة فلسطينية”، وذلك في إشارة إلى أن غزة “يجب ألا تُستخدم مرة أخرى كمنصة للإرهاب”.
ترويج بايدن لحل الدولتين في هذا الوقت هو نهج متحيز بلا شك ولن يؤدي إلا إلى المزيد من العنف لعقود من الزمن
يرى بايدن أيضاً أن “العنف ضد الفلسطينيين” في الضفة الغربية المحتلة يجب أن يتوقف، مصرحاً بأن الولايات المتحدة “مستعدة لاتخاذ خطوات، منها إصدار حظر على تأشيرات الدخول ضد المتطرفين الذين يهاجمون المدنيين في الضفة الغربية”.
بالنسبة للسلطة الفلسطينية التي تدير كلا المنطقتين، فقد يكون كلام بايدن مجرد وهم، فالطريقة الوحيدة لتنشيط السلطة الفلسطينية يجب أن تكون من خلال الانتخابات، ولكنها لم تُعقد منذ عام 2006.
هناك أيضاً قضية أخرى أكثر أهمية، هل ترغب إسرائيل حقاً في إعادة تنشيط السلطة الفلسطينية، نظراً إلى أداء الأخيرة في الضفة؟ قد يدرك بايدن أن هذا الوهم واضح عندما يكتشف أن حل الدولتين غير قابل للتطبيق.
يذكر أن بايدن في مقالته يقتصر على انتقاد عنف المستوطنين، لكنه لا يدعو إلى إنهاء الاحتلال، فالحقيقة المعروفة هي أن النظام السياسي الأمريكي لن يسمح أبدًا بأي نوع من العقوبات ضد إسرائيل، وترويج بايدن لحل الدولتين في هذا الوقت هو نهج متحيز بلا شك ولن يؤدي إلا إلى المزيد من العنف لعقود من الزمن.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)