بقلم أماندا غيليندر
ترجمة وتحرير مريم الحمد
قررت أن أكتب رسالة حب لشعبي اليهودي وأنا أشاهد الإبادة الجماعية في غزة عبر شاشتي، ولذلك فإن رسالتي ستكون لقلب كل يهودي من أجل التضامن مع فلسطين، لا يجب أن يكون هذا الظلم الذي يحصل في فلسطين جزءاً من تاريخنا وتقاليدنا كيهود.
أنا ترعرعت بين جدران كنيس يهودي في مجتمع يهودي أمريكي، كان فيه الاحتفال بإسرائيل ودعمها جزءًا من هويتنا كيهود ثقافياً ودينيًا، وعندما أدركت لأول مرة ما كان يحدث بالفعل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، كان عمري 18 عامًا وكنت في السنة الأولى من دراستي الجامعية، في ذلك الوقت، كان أحد أقراني اليهود قد أخبرني عن الانتهاكات التي ترتكبها إسرائيل باسمنا.
علي أن أعترف، أن مجتمعي الذي كبرت فيه علمني أن الشعب اليهودي وحده هو الذي يستطيع أن يدرك أهمية إسرائيل لسلامتنا كيهود، ولكني كنت أتمنى لو كنت قد صدقت الفلسطينيين مبكراً، فهم المناضلون من أجل حريتهم.
لقد كذب علينا أشخاص نثق بهم، تم خداعنا حتى نهتف لدولة الفصل العنصري التي تنتهك الأطفال وتعذبهم بلا رحمة باسمنا، الحقيقة أن الشباب اليهودي، وأنا منهم، قد تورطنا في إبادة جماعية مستمرة منذ 75 عامًا ضد الشعب الفلسطيني دون أن ندرك!
أدركت لاحقاً أن التلقين والخوف اللذين تم زرعهما في نفسي عندما كنت طفلة كانا ذا تأثير قوي، حتى استوعبت أخيراً مآرب الصهيونية عندما تعرفت لأول مرة على مدى وحشية إسرائيل المستمرة ضد الشعب الفلسطيني، لم أصدق في البداية، فحاخاماتنا طالما تحدثوا لنا عن العدالة وحقوق الإنسان والتفويض الأخلاقي اليهودي لتعزيز التغيير الاجتماعي و”إصلاح العالم”!
بعد ذلك، لم أفهم كيف يمكن لشعبي تجاهل حقيقة الفصل العنصري والاحتلال الإسرائيلي؟ لقد علمونا أن إسرائيل تأسست على قطعة أرض فارغة، وليس على قتل 15 ألف فلسطيني وتهجير 750 ألف آخرين قسراً!
زيف الصهيونية
لقد أصبحت عبارة “كل من ينتقد إسرائيل هو معاد للسامية” واهية مقابل جرائم الحرب اليومية التي ترتكبها إسرائيل، وإذا كان كل تعلمته عن إسرائيل زائفاً، فما هي الكذبة القادمة التي علي أن أواجهها؟ كيف سأشارك في المجتمع اليهودي في المستقبل خاصة وأن جميع زملائي اليهود تقريبًا ما زالوا مقتنعين بزيف الصهيونية بشكل أو بآخر؟!
لقد كذب علينا أشخاص نثق بهم، تم خداعنا حتى نهتف لدولة الفصل العنصري التي تنتهك الأطفال وتعذبهم بلا رحمة باسمنا، الحقيقة أن الشباب اليهودي، وأنا منهم، قد تورطنا في إبادة جماعية مستمرة منذ 75 عامًا ضد الشعب الفلسطيني دون أن ندرك!
لقد ارتكبت إسرائيل انتهاكات هائلة وغير مفهومة لحقوق الإنسان تحت ستار “حماية سبل عيش اليهود”، وكأن ذلك لا يتأتى إلا على أرض الواقع إلا من خلال القمع الفلسطيني المستمر! فقد علمونا أن إسرائيل هي ملجأ اليهود بعد المحرقة، وبذلك فهي شيء ثمين علينا حمايته بأي ثمن، بل وأن حقنا الطبيعي إسرائيل.
لقد كانت إسرائيل وطناً ثانياً بالنسبة لنا، ولكن القصة أغفلت أن فلسطين هي الوطن الوحيد للفلسطينيين، فإسرائيل تحرم الفلسطينيين من حقوق الزيارة والعودة إلى ديارهم، أما أنا باعتباري يهودية أمريكية فيمكنني الزيارة متى شئت، حتى أن إسرائيل تدفع لي تكلفة الانتقال إلى هناك والعيش على أرض فلسطينية مسروقة!
صمت الشعب اليهودي حول العالم يجعله شريكاً في هذه الإبادة الجماعية، حتى أن الكثيرين منا فضلوا العزلة عن الأصدقاء والعائلة والزملاء بدلاً من المواجهة، فنحن لا نريد المخاطرة بأي شيء!
لم أكن أعلم أن إسرائيل تحصل على تمويل لكل شيء من الولايات المتحدة، وأنها موقع استيطاني استيطاني غربي استراتيجي يهدف لاستخراج الموارد الطبيعية، واختبار الأسلحة، وتدريب الشرطة الأمريكية، وغير ذلك.
لم يخبرني أحد أن ولادة إسرائيل كانت تعني موت الفلسطينيين، فقد تم إخفاء التطهير العرقي عن الشعب اليهودي في بلدان كثيرة، أدركنا متأخراً أن إسرائيل أمة عسكرية تأسست على جثث الفلسطينيين، ووطن يهودي مبني على مقابر جماعية للسكان الأصليين.
نضال للتحرر من الاستعمار
ولا تختلف قصة إسرائيل عن غيرها من قصص الاستعمار في العالم، حيث يكرر المستعمرون نفس الكذبة العنصرية التي قالها المستوطنون الذين وصلوا إلى أمريكا الشمالية لأنفسهم لتبرير الإبادة الجماعية للشعوب الأصلية، حين رددوا “باسم التقدم والحداثة والديمقراطية” يهدمون ويقتلون ويدمرون!
هكذا يبرر المستعمر نهب الأرض باعتباره قدره المحقق، وإعدام أكبر عدد ممكن من “الإرهابيين المحليين المتوحشين” بعنف لتوسيع المكاسب الإقليمية وبناء منازل آمنة لعائلات المستوطنين، ولذلك أرى أن ما يحصل في فلسطين ليست حرباً مقدسة، بل هو نضال للتحرر من الاستعمار، ولهم الحق الأخلاقي والقانوني في مقاومة الاحتلال، بغض النظر عمن هو المحتل.
المنطق يقول أنه لا يمكن لليهود العيش بأمان ما دام الاحتلال العنيف لفلسطين مستمراً، واليوم نعيش لحظة غير مسبوقة في التاريخ، نرى فيها الإبادة الجماعية أمام أعيننا، والمؤلم رؤية عدد من إخواني اليهود يجلسون ويشاهدون ذلك بل ويهللون له.
نحن اليهود من نستطيع وقف الإبادة الجماعية في فلسطين، نحن لم نستطع منع الملايين من أسلافنا من الهلاك في معسكرات الموت، ولكن يمكننا اليوم، بل ويجب علينا، أن نمنع استمرار هذه الإبادة الجماعية، لا يجب أن نستخدم معاناة اليهود كهراوة للعنف ضد الفلسطينيين
صمت الشعب اليهودي حول العالم يجعله شريكاً في هذه الإبادة الجماعية، حتى أن الكثيرين منا فضلوا العزلة عن الأصدقاء والعائلة والزملاء بدلاً من المواجهة، فنحن لا نريد المخاطرة بأي شيء!
مقاربة وهمية
تُقتل العائلات الفلسطينية أثناء نومها، وتضرب بوحشية باستخدام الفسفور الأبيض، ويتم قنص أقسام الولادة في المستشفيات، ويتضور الفلسطينيون جوعاً وعطشاً ويُجبرون على السير في مسيرات الموت، وينتشلون أطفالهم قتلى من بين الأنقاض.
رغم كل ذلك، فإن زملائي اليهود في الغرب يقولون إنهم هم الذين يخشون الإبادة الجماعية، يجب أن تنتهي هذه المقاربة الوهمية حتى نتمكن من توجيه الموارد نحو أولئك الذين يواجهون تهديدًا حقيقيًا بالانقراض بسبب هذه المذبحة!
مطلب الفلسطينيين واضح، وقف إطلاق النار وإنهاء الحصار على غزة والاحتلال واحترام حق العودة، ويطلب الفلسطينيون منا أن نرفض الإبادة الجماعية ضدهم، وأن نمارس الضغط على ممثلينا من أجل وقف فوري لإطلاق النار، وأن نقاطع أولئك الذين يستفيدون من الاحتلال غير القانوني، فكل يوم يمر دون وقف لإطلاق النار، يرتفع عدد الضحايا وتمحى المزيد من العائلات من السجل المدني!
نحن اليهود من نستطيع وقف الإبادة الجماعية في فلسطين، نحن لم نستطع منع الملايين من أسلافنا من الهلاك في معسكرات الموت، ولكن يمكننا اليوم، بل ويجب علينا، أن نمنع استمرار هذه الإبادة الجماعية، لا يجب أن نستخدم معاناة اليهود كهراوة للعنف ضد الفلسطينيين.
إذا كنت تعتبر نفسك شخصًا يهوديًا صاحب ضمير، فيجب عليك أن تعلم أنه لا يوجد أي مبرر أخلاقي أو قانوني لهذه المذبحة، فلا يمكن للفلسطينيين انتظار التاريخ ليخلصهم، فالغارات الجوية مستمرة بينما أكتب لكم أصدقائي.
كيف نسمح للروح الأخلاقية اليهودية أن تهلك بسبب صمتنا الجماعي، فلتكن أصواتنا صلاة من أجل أسلافنا اليهود وبركة لأحفادنا ليقولوا أن ذلك لن يحدث مرة أخرى.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)