بقلم منصف خان
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
بالتوازي مع العدوان الإسرائيلي على غزة، تدور معركة أخرى غير متكافئة، ليست بالقاتلة، لكنها ماكرة، لأنها تشكل التصورات التي توجه السياسة.
لقد دأبت الحكومة الإسرائيلية ووكلاؤها على مطاردة اللغة التي تضر بإسرائيل والرواية حول احتلالها.
قد يجادل البعض بالقول بأن هذا جزء من الدبلوماسية، لكن الحرب الكلامية التي تخوضها إسرائيل في أوقات القتال أصبحت بلا شك أشبه بهجومها على غزة أي حرباً شاملة، وعندما يتعلق الأمر بالحرب على الكلمات، فإنها تشبه سخافة التنمر في ساحة المدرسة.
لنأخذ المثال الأخير المتمثل في انتقاد وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين لرئيس وزراء أيرلندا ليو فارادكار، والذي جاء فيه: “يبدو أنك فقدت بوصلتك الأخلاقية وتحاول إضفاء الشرعية على الإرهاب وتطبيعه، عار عليك!”
لقد كان ذلك بالأحرى هجومًا فظًا على رئيس وزراء إحدى دول الاتحاد الأوروبي رداً على جرأته على استخدام كلمات مقتبسة من الانجيل حين نشر على موقع X: “تم العثور الآن على طفل بريء ضائع” في كلمته اللطيفة المؤلفة من 360 كلمة بتاريخ 25 تشرين الثاني/ نوفمبر بمناسبة إطلاق حماس سراح إيميلي، فتاة أيرلندية إسرائيلية تبلغ من العمر تسع سنوات كانت محتجزة في غزة كرهينة منذ 7 تشرين الأول / أكتوبر .
دفع ذلك التصريح تل أبيب لاستدعاء سفير أيرلندا لدى إسرائيل.
دعنا نقارن هذه العاصفة بالاستخدام واسع النطاق والخاطئ في ذات الوقت لمصطلح “الأسير” عند تعريف الفلسطينيين المعتقلين في السجون الإسرائيلية، بما يشمل مئات الأطفال وبعضهم في عمر إيميلي ممن تم اعتقالهم تعسفيًا ويقبعون في السجون العسكرية الإسرائيلية لأشهر أو سنوات أو عقود.
وفقا للأمم المتحدة، فقد اعتقلت إسرائيل مليون فلسطيني في الأراضي المحتلة بينهم عشرات الآلاف من الأطفال، لفترات زمنية مختلفة، منذ عام 1967.
وفي تقريرها الصادر في تموز/ يوليو 2023 إلى “مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة” حول الحرمان التعسفي من الحرية، قدرت فرانشيسكا ألبانيز، المقررة الخاصة المعنية بحالة حقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، أن 5000 فلسطيني كانوا محتجزين في ذلك الوقت من قبل السلطات الإسرائيلية.
لكن بموجب القانون الإسرائيلي، فمن الممكن الحكم على طفل فلسطيني بالسجن 20 عاما بتهمة رشق الحجارة.
كما أن الغالبية العظمى من المعتقلين يحتجزون لدى الجيش الذي يمارس السلطة القضائية على الضفة الغربية، في حين تتمتع الشرطة والمحاكم المدنية بالسلطة القضائية على القدس الشرقية المحتلة لأن إسرائيل ضمتها رسميًا.
وبموجب قواعد لاهاي واتفاقيتي جنيف الثالثة والرابعة والبروتوكول الإضافي الأول فضلاً عن القانون الإنساني الدولي العرفي، لا يُسمح باحتجاز الأفراد في حالات الاحتلال الحربي إلا إذا كان “ضروريًا للغاية” لأمن قوة الاحتلال أو “لأسباب أمنية قهرية” وبعد محاكمة عادلة ومحايدة لهؤلاء “الأشخاص المحميين”.
لكن بموجب القانون الإسرائيلي، يمكن الحكم على طفل فلسطيني بالسجن 20 عاما بتهمة رشق حجر، إن معدلات الإدانة التي توجهها المحاكم العسكرية للأطفال والبالغين الفلسطينيين تحكي القصة، ففي عام 2011، نشرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية اليومية بيانات عسكرية داخلية تظهر أن 99.74% من المحاكمات المزعومة أسفرت عن قرارات بالإدانة للمتهمين بواقع 9542 مقابل 25 حكماً بالبراءة.
“الاعتقال الإداري”
ووفقاً لحماس، فإن توغلها داخل إسرائيل في 7 تشرين الأول / أكتوبر، والذي أسفر عن مقتل 1200 شخص، كان يهدف في المقام الأول إلى اختطاف إسرائيليين لمبادلتهم بـ “الأسرى” الفلسطينيين الذين تحتجزهم إسرائيل، وعلى هذا النحو، فإن جميع الأسرى الذين تحتجزهم حماس هم بحكمها رهائن.
وحتى من تم أسرهم من العسكريين الإسرائيليين فهم أسرى حرب اسميًا، وهم أيضًا رهائن لأنهم، وفقًا لحماس، أسروا في هجوم على طراز الكوماندوز الصريح من أجل إطلاق سراح المعتقلين الفلسطينيين، وهذا أيضًا يتناسب مع التعريف التقليدي لكلمة رهينة.
في أغلب الأحيان، يعتبر الأسرى الفلسطينيون الذين اعتقلهم أو بالأحرى أسرهم الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية أو أسرتهم الشرطة في القدس الشرقية المحتلة، رهائن، وبموجب القانون الإسرائيلي، يمكن اعتقال أي فلسطيني مهما كان عمره في أي وقت من النهار أو الليل دون أمر قضائي أو اتهامات، واحتجازه لأيام أو شهور أو سنوات تحت “الاعتقال الإداري”.
وإذا ما تم توجيه تهمة له في نهاية المطاف، فإنها عادة ما تتمثل في اتهامه بتشكيل خطر على أمن الدولة أو تظل سريةً، وفقًا للعديد من محامي الفلسطينيين المعتقلين، وهذه الممارسات في حد ذاتها تصل إلى مستوى الإرهاب الذي ترعاه الدولة.
إن شهادات الأمهات الفلسطينيات، اللاتي يشعرن بالرعب من المداهمة العسكرية لمنازلهن في الساعة الثالثة فجراً لأخذ أطفالهن أو أزواجهن أو اعتقالهن أنفسهن مروعة، والرسالة واضحة عليك ألا تقاوم الاحتلال وستكون بخير والعكس صحيح.
لقد وجدت منظمة العفو الدولية “أن إسرائيل استخدمت الاعتقال الإداري بشكل منهجي كأداة لاضطهاد الفلسطينيين لا كإجراء وقائي استثنائي يستخدم بشكل انتقائي.
كسر الإرادة الفلسطينية
ووفقا لمنظمات حقوق الإنسان الإسرائيلية والفلسطينية، فقد اعتقل الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية وقطاع غزة أكثر من 3000 فلسطيني بينهم أطفال ونساء وصحفيون منذ 7 تشرين الأول / أكتوبر، ووضعهم رهن الاعتقال الإداري واحتجز العديد منهم بمعزل عن العالم الخارجي.
وقُتل أكثر من 300 شخص، من بينهم أطفال مثل آدم سامر الغول، البالغ من العمر تسع سنوات، الذي قُتل بالرصاص وبدم بارد على يد الجيش الإسرائيلي في أحد شوارع جنين في 29 تشرين الثاني / نوفمبر.
وكان من بين الفلسطينيين الـ 240 المفرج عنهم خلال الهدنة التي استمرت سبعة أيام في غزة 173 طفلاً في الثامنة عشرة من العمر أو أقل، وقد أمرتهم السلطات الإسرائيلية مع عائلاتهم بعدم الاحتفال بإطلاق سراحهم، سواء خارج المنازل أو داخلها.
يخدم أسلوب العمل الخبيث هذا غرضًا واحدًا هو زرع الخوف في كل أسرة، وإرهاب المجتمعات الفلسطينية بأكملها لإجبارها على الخضوع.
وفي ذات الوقت، وبطريقة الباب الدوار، تم اعتقال عدد مماثل من الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس الشرقية المحتلة خلال الهدنة.
ويخدم أسلوب العمل الخبيث هذا غرضًا واحدًا: زرع الخوف في كل أسرة، وإرهاب المجتمعات الفلسطينية بأكملها لإجبارها على الخضوع للاحتلال والإذعان له
من الواضح في هذا الصدد أن الفلسطينيين المحتجزين تعسفيًا، صغارًا وكبارًا، أولادًا وبناتاً، هم أيضًا رهائن مثل إميلي، لا ينطبق هذا فقط على الأسرى أو السجناء السياسيين أو المحتجزين تعسفياً بموجب القانون الدولي، بل على الرهائن المحتجزين بهدف كسر الإرادة الفلسطينية في مقاومة الاحتلال.
من النظام الأساسي لمحكمة نورمبرغ العسكرية إلى النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، يعد أخذ الرهائن في صراع دولي أو داخلي جريمة حرب، يمكن مقاضاة مرتكبيها في محكمة وطنية بموجب مبدأ الولاية القضائية العالمية.
ولهذا السبب سوف يلاحقك وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين، ليتنمر عليك ويسكتك مرةً أخرى بعبارة “عار عليك”، إذا أوقعك سوء حظك في تسمية الرهينة الفلسطينية، رهينة، ذلك أن الكلمات في وقت الحرب مهمة.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)