كأس العالم في قطر: الغضب الأبيض والاستعمار ولعبة الجشع الرأسمالي

تناول الأكاديمي يوسف مسعد، في مقال له نشر في موقع “ميدل إيست آي” موجة النقد اللاذع من قبل الهجمات الأمريكية والأوروبية الليبيرالية لقطر بسبب استضافتها لكأس العالم 2022. 

وقال الكاتب: مع انطلاق كأس العالم الأسبوع قبل الماضي، ملأت الهجمات الأوروبية والأمريكية الليبرالية على سجل حقوق الإنسان في قطر– موجات الأثير ووسائل التواصل الاجتماعي، بما في ذلك تقرير منظمة العفو الدولية، مع التركيز بشكل كبير على ملف العمال المهاجرين، وحقوق مجتمع الميم وتَدَيّن البلاد.

وأضاف قائلا: “ومع ذلك، فإن المشاعر التي أثارتها كرة القدم على مر العقود، تبدو غافلة عن التاريخ الاستعماري والعنصري والوطني والرأسمالي لهذه الرياضة، ففي الواقع، لا يبدو أن مسألة حقوق الإنسان أزعجت الليبراليين البيض كثيرا قبل ألعاب 2018، في روسيا أو هذا العام في قطر.”

ويعتقد الكاتب أن المخاوف الليبرالية المتعلقة بحقوق الإنسان، والتي تعكس في كثير من الأحيان بشكل كامل مخاوف الولايات المتحدة الإمبريالية والدول الأوروبية ليست مصادفة.

النفاق الليبرالي

وأشار مسعد، وهو بروفيسور يحاضر في علوم السياسة العربية الحديثة والتاريخ الفكري في جامعة كولومبيا في نيويورك، إلى أن المِثْلِيَّة الجنسية كانت لا تزال غير قانونية عندما استضافت إنجلترا كأس العالم في عام 1966، وظلت كذلك في اسكتلندا حتى عام 1980، وفي إيرلندا الشمالية حتى عام 1982، وعندما عُدّل القانون أخيرا، كان مجرد “إلغاء تجريم الأفعال الجنسية المِثْلِيَّة الخاصة بين الرجال الذين تزيد أعمارهم عن 21 عاما، وفي الوقت نفسه فرض عقوبات أشد على جرائم الشوارع“.

أما بالنسبة لحقوق العمال، فإن المقال يرى أن التمييز المستمر ضد العمال غير البيض كان متفشيا، بما في ذلك في النقابات العمالية البريطانية.

ولفت الكاتب إلى أن بريطانيا استضافت كأس العالم عام 1966دون شكوى من المدافعين عن الحريات المدنية في أوروبا، وعلى الأقل منظمة العفو الدولية بينما كانت تحافظ على ممتلكاتها الاستعمارية في جميع أنحاء العالم، من مستعمرة روديسيا الاستيطانية البيضاء المتحدية آنذاك، إلى هونغ كونغ وجزر مالفيناس (فوكلاند)، ناهيك عن ارتكابها لجرائم حديثة ضد الشعب الكيني الذي كان قد حصل على الاستقلال في عام 1963، وكلها ممارسات لم تكن حينها تهم المدافعين عن حقوق الإنسان كثيرا، بل إن قطر نفسها كانت في ذلك الوقت تحت الحكم الاستعماري البريطاني.

وفي عام 1974، استضافت ألمانيا الغربية كأس العالم دون شكوى من المدافعين عن الحريات المدنية في أوروبا، وخاصة منظمة العفو الدولية، في حين ان السكان كانوا يعانون من أحدث موجة من القمع الحكومي.

وأشار الأكاديمي مسعد إلى أن التمييز الرسمي المناهض للمِثْلِيَّة الجنسية في البلاد استمر حتى عام 2000، كما لفت إلى تفشي عنصرية ألمانيا الغربية ضد العمالة التركية المهاجرة، قائلا أن أغلب قيادات وزارة العدل في ألمانيا الغربية بين عامي 1949 و1973 كانوا أعضاء سابقين في الحزب النازي، بما في ذلك العشرات من أعضاء القوات شبه العسكرية السابقة.

ويشير المقال إلى حقيقة أنه عندما أقيمت كأس العالم في الولايات المتحدة في عام 1994، كان لدى نصف الولايات الأمريكية قوانين لمكافحة المِثْلِيَّة الجنسية، ولم يكن الادعاء المنتشر على نطاق واسع بأن الإيدز كان “مرضا للمِثْلِيَّين” قد هدأ بعد، وكان البلد يمضي قدما في ذلك الوقت في فرض عقوباته على العراق، ما أدى إلى وفاة نصف مليون طفل عراقي.

كما أشار المقال إلى أن عقد ذات مونديال ١٩٩٤ في الولايات المتحدة تم رغم انتشار فضائح ضرب الرجال السود وقتلهم على يد الشرطة في شوارع المدن الأمريكية عام 1991، ورغم انتشار تقارير عن سجن السود في ظل إدارة بيل كلينتون واستخدام السجناء للعمل بالسخرة والانتهاك المستمر لحقوق الأمريكيين الأصليين.

لكن كل ذلك لم يمنع الولايات المتحدة من استضافة كأس العالم في عام 1994 ودورة الألعاب الأولمبية في عام 1996 في أتلانتا جورجيا. 

الجذور الاستعمارية

ويعتقد مسعد أنه ينبغي النظر إلى الهجمات الأوروبية والأمريكية الليبرالية المستمرة على سجل قطر في مجال حقوق الإنسان في الوقت الذي تعفى فيه أوروبا والولايات المتحدة التي يحكمها البيض من معظم الانتقادات، على نقيض الدول التي حكامها من غير البيض.

وكانت الحملة على قطر شديدة لدرجة أن دولة كإسرائيل وهي واحدة من أكبر منتهكي حقوق الإنسان في العالم، بما في ذلك حقوق العمال المهاجرين غير البيض، أشعلت الانتقادات بشأن سجل قطر.

ورد رئيس الفيفا السويسري الإيطالي جياني إنفانتينو، على هذه الانتقادات في افتتاح البطولة الأسبوع الماضي: “ما كنا نفعله نحن الأوروبيون منذ ثلاثة آلاف عام، يوجب علينا أن نعتذر لثلاثة آلاف عاما مقبلة قبل البدء في إعطاء دروس أخلاقية”، مما أثار غضب الصحافة الغربية، حيث وصفت الـ سي إن إن كلماته بأنها “تقريع وتوبيخ”.

وأشار الكاتب إلى أن الأوروبيين لايزالون يسيطرون على الهيئة الحاكمة العالمية للرياضة منذ أن أنشأ فيفا كأس العالم في عام 1930، حيث إن كل رؤساء الفيفا كانوا من الأوروبيين البيض، باستثناء رئيس برازيلي أبيض كان ابنا لمهاجرين بلجيكيين، ورئيس كاميروني واحد تولى منصبه لأقل من خمسة أشهر في الفترة بين 2015-2016.

المقاومة المناهضة للاستعمار

ويستشهد مسعد في مقاله بكثير من التجارب الوطنية التي واكبت انتقال كرة القدم من إنجلترا الى البلدان العربية حيث استخدمت الرياضة كوسيلة لتأكيد قومية الفلسطينيين والمصريين الذين أسسوا نواديهم الرياضية بعيدا عن نفوذ المستعمر.

ويذكّر المقال بتجارب تأسيس الاتحاد الرياضي العربي الفلسطيني عام 1931 الذي اختفى خلال الثورة الفلسطينية 1936-1939، والذي تلاه انشاء الاتحاد العربي الفلسطيني للرياضة عام 1944.

كما يشير المقال الى استخدام كرة القدم في الأردن كساحة لنزاع الهوية مع الفلسطينيين والذي يتجلى عادة في الأحداث المصاحبة لمباريات الفيصلي والوحدات. 

وأوقع التنافس المستمر بين المنتخبين الجزائري والمصري منذ عام 2009 البلدين في عداوة دبلوماسية وشعبية مستمرة، ورغم ذلك فإن الفخر الوطني باللاعب الفرنسي الجزائري زين الدين زيدان والمصري محمد صلاح الذين يلعبون في الفرق الأوروبية يمتد عبر العالم العربي بأكمله.

تسليع العاطفة

ذات يوم، صرح نعوم تشومسكي قائلا إن “إحدى الوظائف التي تلعبها الرياضات الاحترافية، في مجتمعنا وغيره، هي توفير مجال لصرف انتباه الناس عن الأشياء المهمة، حتى يتمكن الأشخاص في السلطة من القيام بما يهم دون تدخل شعبي.”

والواقع كما يراه مسعد هو أن مباريات كرة القدم، وهي اللعبة الاستعمارية البريطانية الأكثر شعبية التي ورثها العالم، كانت بمثابة عامل رئيس يصرف انتباه الناس عن الصراعات السياسية والاقتصادية المباشرة التي تواجههم.

 ويرى المقال أن المشكلة هنا ليست في الرياضة أو كرة القدم في حد ذاتها، بل في القومية المتفشية، فضلا عن الفيفا ذاتها.

ينسب المقال إلى الكاتب الأوروجوياني المناهض للإمبريالية إدواردو غاليانو، القول إن الفيفا وملوكها، بما في ذلك الصناعة الرأسمالية التي تنتج الأدوات الرياضية، هم “المذنبون بتحويل كل لاعب إلى إعلان متحرك، مع منعهم من إرسال أي رسالة تضامن سياسي”، ويقول إنهم “هم الذين يتوقون إلى تسليع العاطفة والهوية”.

يخلص المقال إلى أن تحوّل الفيفا وكأس العالم إلى مؤسسات رأسمالية مربحة كبرى ليس بالأمر المستغرب، ويقول إن الذين يديرون الرياضة الدولية يفهمون جيدا الدور السياسي والمالي لكرة القدم الدولية، وبالنسبة لهم، فإن الدول المضيفة لكأس العالم يجب أن تنفق عشرات المليارات من الدولارات لتنظيم الألعاب، ولذلك فهم يرون في إنفاق قطر لأكثر من 200 مليار دولار زيادة عن غيرها من منظمي البطولة السابقين أمرا جيدا.

ويختتم الكاتب مقاله بالتأكيد على أن شكاوى حقوق الإنسان التي قدمها الليبراليون البيض ومنظمة العفو الدولية، ربما ستكون أكثر إقناعا للجمهور العالمي لو أنهم أخضعوا الولايات المتحدة وأوروبا لنفس المعايير التي يخضعون لها قطر وروسيا من قبلها، مضيفا أن الليبراليين الغربيين مقنعون فقط للجماهير الليبرالية البيضاء، وكثير منهم يخفون تحيزاتهم العنصرية المعادية للعرب بدرع حقوق الإنسان.

مقالات ذات صلة