بقلم محمد فاضل
ترجمة وتحرير مريم الحمد
رغم هجوم حماس غير المبرر في 7 أكتوبر، إلا أن ذلك لا يمنح إسرائيل حصانة من تاريخها الطويل والعنيف ضد الفلسطينيين الممتد من عقود قبل هجوم حماس.
تعتمد الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية في التعامل مع الفلسطينيين الذين يقاومون الاحتلال على العنف الهائل، وعليه فقد توقع محللون أن رد فعل إسرائيل قد يرقى إلى مستوى الغضب الجامح ضد كل الفلسطينيين، وليس فقط حماس.
“نظام الفصل العنصري هو المسؤول الوحيد، فالعنف الإسرائيلي منذ 75 عاماً هو المسؤول، من الاستيلاء الممنهج على الأراضي إلى الغارات الجوية ومن الاعتقالات التعسفية إلى نقاط التفتيش العسكرية وعمليات القتل المستهدف”، في حالة يمكن تشبيهها بالموت البطيء!
على النقيض من أنصار إسرائيل، فإن المدافعين عن حقوق الإنسان الفلسطيني متعمقون في تاريخ الصراع وسياقه، فقد أصدرت هيومن رايتس ووتش في أبريل 2023 تقريراً يعرض بدقة تفاصيل الممارسات الإسرائيلية التي ترقى إلى مستوى جريمة الفصل العنصري برأي المنظمة.
لا شك أن هذا الانغماس والتعمق في تفاصيل الصراع وتوثيق انتهاكات الاحتلال للقانون الدولي، كانت عاملاً مهماً لمقاربة طلاب الجامعات بين محنة الفلسطينيين التاريخية والشعوب المضطهدة عبر التاريخ.
لقد وصلت هستيريا التحيز لإسرائيل إلى مستويات غير مسبوقة، فاليمين الأمريكي، الذي طالما انتقد “ثقافة الإلغاء” بات حريصاً الآن على تحويلها إلى سلاح
كان طلاب الجامعات الأمريكية من بين أول من أبدوا ردود فعل تجاه ما حصل في غزة منذ 7 أكتوبر، فعلى سبيل المثال، أصدر طلاب جامعة هارفارد بياناً جاء فيه أن “نظام الفصل العنصري هو المسؤول الوحيد، فالعنف الإسرائيلي منذ 75 عاماً هو المسؤول، من الاستيلاء الممنهج على الأراضي إلى الغارات الجوية ومن الاعتقالات التعسفية إلى نقاط التفتيش العسكرية وعمليات القتل المستهدف”، في حالة يمكن تشبيهها بالموت البطيء!
هستيريا التحيز لإسرائيل!
بدلاً من استيعاب الغضب الطلابي، يصر أنصار إسرائيل المتشددون في الولايات المتحدة على إغلاق باب النقاش، ويطالبون الجميع بالوقوف في صف إسرائيل في الوقت الذي تستمر فيه بقتل الفلسطينيين.
لقد وصلت هستيريا التحيز لإسرائيل إلى مستويات غير مسبوقة، فاليمين الأمريكي، الذي طالما انتقد “ثقافة الإلغاء” بات حريصاً الآن على تحويلها إلى سلاح، كما أن النخب صارت تستخدم قوتها المالية لقمع الخطاب الذي يتبنى أو يتعاطف مع وجهات النظر الفلسطينية.
بعد جلسة استماع في مجلس النواب قامت فيها عضوة الكونجرس إليز ستيفانيك باستجواب رئيس جامعة بنسلفانيا ليز ماجيل، إلى جانب رئيسة جامعة هارفارد وغيرها حول ردهم على مزاعم معاداة السامية في حرمهم الجامعي، أعلنت ماجيل استقالتها.
ليس ذلك فحسب، ففي وقت سابق قبل استقالة ماجيل، كان المانحون قد طالبوا جامعة بنسلفانيا بإقالة رئيستها بعد سماحها بإقامة مهرجان للأدب الفلسطيني.
إن جلسات الاستماع المكارثية هذه لم يسبق لها مثيل، فلم يسبق أن تم مهاجمة حرية التعبير بهذه الطريقة في أرقى الجامعات الأمريكية!
وتوضح استقالة ماجيل كيف أن بعض الجامعات تستسلم للضغوط، فقد أعلنت جامعة كولومبيا أنها علقت فروع حرمها الجامعي لمنظمة “طلاب من أجل العدالة في فلسطين” و”الصوت اليهودي من أجل السلام”، بدعوى قيامهم بانتهاك سياسات الجامعة في تنظيم فعاليات داخل الحرم الجامعي.
وللمرة الأولى، فقد قام أنصار إسرائيل بتنظيم قوائم سوداء اقتصادية ضد الطلاب الضعفاء اقتصاديًا، فقد طالبت شخصيات معروفة في الصناعة المالية، مثل مدير صندوق “الطوق”، بيل أكمان، على سبيل المثال، جامعة هارفارد بالكشف عن أسماء من وقعوا على بيان تضامناً مع الفلسطينيين، وذلك حتى تتنبه شركته وشركة وول ستريت جورنال من عدم توظيفهم.
أما أكثر الإدانات بشاعة ضد الطلبة المؤيدين لفلسطين، فقد كانت من طرف ما يدعى بـ “رابطة التشهير”، والتي دعت الجامعات إلى التحقيق مع المنظمات الطلابية بتهمة تقديم الدعم المادي للإرهاب.
اتهامات قذرة
إن المبرر الرئيسي لمحاولات إغلاق النقاش الحر حول إسرائيل وفلسطين في الجامعات الأمريكية هو الادعاء الخادع بأن الخطاب المنتقد لإسرائيل معاد للسامية.
في تقرير نشره مؤخراً مركز كلية الحقوق بجامعة روتجرز، تم توثيق محاولات أنصار إسرائيل العديدة من أجل إلغاء الخطاب الذي يدافع عن المساواة بين الفلسطينيين من خلال الخلط بين معاداة الصهيونية ومعاداة السامية، حيث يتم استخدام “معاداة السامية” بشكل خاطئ وخبيث لمهاجمة الأصوات المؤيدة لفلسطين.
ويتضح هذا الخلط في تصريحات أكمان أيضاً، حين وصف الطلاب الذين يدعمون الفلسطينيين بأنهم “عنصريون” مشيراً إلى أن “معاداة إسرائيل أصبحت معاداة للسامية”، كل ذلك من أجل تبرير فرض الرقابة على النقاش.
ما ليس مقبولاً هو التشهير بهم باعتبارهم معادين للسامية ودعوة مكاتب المحاماة إلى إدراجهم في القائمة السوداء، وهذا يدل على أننا نمر بوقت تتعرض فيه ديمقراطيتنا لاختبار مؤلم متمثل بالوقوف بثبات إلى جانب سيادة القانون والديمقراطية
للأسف، فقد حذت مكاتب المحاماة رفيعة المستوى حذوها، كما قامت شركات بارزة بإلغاء عروض كان قد قدمتها لطلاب القانون بسبب توقيعهم على بيانات تضامن مع الفلسطينيين، حيث أرسلت العديد من مكاتب المحاماة رسالة مشؤومة إلى عمداء كليات الحقوق تطالبهم بمراقبة خطاب طلابهم، وعلى إثر ذلك، تم فصل صحفي نشر مقالاً على موقع Medium ينتقد فيه عمى مكاتب المحاماة هذه عن تاريخ العنف في إسرائيل.
وفي حادثة أخرى، فقد تم إلغاء عرض شابة مسلمة تخرجت حديثًا من جامعة جورج تاون للقانون في اليوم الأول من العمل بسبب مناصرتها لفلسطين.
من جانب آخر، فقد قام الأساتذة في كليات الحقوق الأميركية بتوزيع رسالة دعوا فيها كليات الحقوق إلى احترام حقوق حرية التعبير لطلابها وحمايتهم من انتقام شركات المحاماة بسبب انخراطهم في التعبير السياسي.
ثقافة الديمقراطية
وعلى الجانب الآخر، فإن الطلاب المحتجين من أجل فلسطين يريدون إنهاء العنف بين الفلسطينيين والإسرائيليين، فهم يؤمنون بأن نظام الهيمنة العنصرية الإسرائيلي يجب إزالته واستبداله بديمقراطية حقيقية مبنية على المساواة.
كان يجب على المحامين الأميركيين أن يقوموا برد مناسب على الخلاف في الثقافة الديمقراطية من خلال دحض حجج الطرف الآخر وليس إسكاته، وهو مبدأ ينطبق على كليات الحقوق الأمريكية، ففيها مساحة يحق فيها لأساتذة القانون أن يختلفوا بشدة مع وجهات النظر السياسية لطلابهم.
ما ليس مقبولاً هو التشهير بهم باعتبارهم معادين للسامية ودعوة مكاتب المحاماة إلى إدراجهم في القائمة السوداء، وهذا يدل على أننا نمر بوقت تتعرض فيه ديمقراطيتنا لاختبار مؤلم متمثل بالوقوف بثبات إلى جانب سيادة القانون والديمقراطية.
يتطلب الحرص على الإرث الثقافي الديمقراطي احتواء الطرف الآخر والاستماع له وليس سحقه، فالعنف في غزة في هذه اللحظة يجب أن يكون دعوة للانخراط في نقاش منطقي، وليس المزيد من تأجيج المشاعر أو استخدام التهديدات لإسكات النقاش.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)