آزاد عيسى
في مقابلة معها، تشرح مخرجة “فرحة” الظروف التي قادتها إلى صناعة الفيلم، وحجم التأثير الذي تركه الفيلم بسبب تصويره لمشاهد من نكبة عام 1948.
تصف دارين سلام تجربة الفيلم وكأنها انتظرت دهراً من عمرها قبل أن تحقق هذا الإنجاز، فالمخرجة الأردنية من أصول فلسطينية والتي لم تتجاوز الخامسة والثلاثين من عمرها، لا تتذكر على وجه التحديد متى كانت المرة الأولى التي سمعت بها قصة رضية، الفتاة الفلسطينية التي خبأها والدها في غرفة أثناء هجوم عصابة صهيونية على قريتهم خلال نكبة 1948.
كل ما تعرفه دارين أن تلك القصة، التي تعد واحدة من بين مئات آلاف قصص التطهير العرقي التي حدثت لفلسطينيين إبان النكبة وقيام دولة الاحتلال الإسرائيلي، دفعتها لتخبر العالم ما حصل في كارثة النكبة من خلال الفيلم.
بدأت قصة دارين مع الفيلم عندما كانت تدرس الإخراج في معهد البحر الأحمر للفن السينمائي (RSICA) عام 2011، حيث بدأت بتحويل قصة الفتاة التي سمعتها من والدتها إلى مقترح فيلم روائي، ومع بلوغ الصفحة الثامنة من السيناريو المقترح أسمتها “فرحة”.
تقول دارين لموقع “ميدل إيست آي”: “الفرحة من الفرح، وفلسطين هي الفرحة التي سرقها الاحتلال من الفلسطينيين، هذه الرسالة التي كنت أود إيصالها من خلال الفيلم”.
ويعتبر الفيلم ،الذي يعرض حالياً على شبكة نتفليكس، دراما تاريخية تحكي قصة فتاة فلسطينية تم تفريقها عن والدها وبقية عائلتها، بعد اقتحام عصابات الهاجاناه الصهيونية للقرية بعد انسحاب البريطانيين من الأراضي الفلسطينية عام 1948.
يقوم والد فرحة بتخبئتها في غرفة التخزين “المونة” قبل أن ينضم إلى الثوار للدفاع عن القرية، ومن هنا تبدأ محاولات فرحة بالبقاء، بعد أن تمكث لساعات وأيام دون طعام أو ماء داخل القبو المغبر الذي لا يكاد يدخله الهواء، وسط أحداث مضطربة خارج المنزل تثير ذعر المراهقة الوحيدة العاجزة عن فعل شيء بين أصوات الرصاص والقذائف وصرخات الألم والاستغاثة.
في القبو، نرى فرحة تحاول البحث عن طعام، تحاول خدش الباب، تحاول الحصول على بعض الماء من خلال عصر ماء مالح تم تخزين جبن العكاوي به، وخلال وجودها في الغرفة المعتمة، ومن ثقب صغير، تشهد فرحة بعينها مجزرة لعائلة فلسطينية، يراها المشاهد أيضاً من خلال عدسة كاميرا لم تغادر القبو ولكنها نقلت المشهد المروع.
في نهاية الفيلم، تتهاوى أحلام فرحة مع إجلاء جميع سكان قريتها، واختفاء أصوات إطلاق الرصاص بعد قتل الكثيرين، وتقول دارين أنها اضطرت في بعض الأحيان إلى التوقف عن تصوير مشاهد في الفيلم بسبب تأثر وبكاء ممثلي الكومبارس.
في معرض تعليقها على الفيلم، قالت دارين: “لم يتم تصوير النكبة من قبل عبر عيون فتاة في الرابعة عشرة من عمرها، لاشك أن الأمر مؤثر، لم أكن أريد أن تكون فرحة رقماً، أردت إيصال مشاعرها كإنسانة وطفلة، أردت أن يشعر من يحضر الفيلم في تورنتو أو لندن أن فرحة هي ابنته، فهذا أكثر تأثيراً”.
وأضافت: ” الفيلم لفت النظر للزاوية الإنسانية في النكبة، الناس ذهبت لتبحث عن النكبة في جوجل بعد مشاهدة الفيلم، هذا ما أبحث عنه، أن أتمكن من الوصول إلى قلوب الناس وهذا بالنسبة لي أهم سبب لصناعة الأفلام، أتمنى أن يعيش هذا الفيلم لتشاهده أجيال لاحقة”.
نجح فيلم سلام في التأثير على الفلسطينيين أيضاً، حيث نقل عدد منهم أن الفيلم دفعهم للتفكير بالتجربة التي مر بها أجدادهم، حين انتزع الاحتلال في لحظة حلمهم ومستقبلهم دون تبرير تماماً كما حصل مع فرحة في الفيلم.
على سبيل المثال، أشارت الناشطة الأمريكية من أصل فلسطيني، رفقة فلانة، لموقع ميدل إيست آي إلى أن فرحة تمثل جدتها التي قضت النكبة على أحلامها وسعادتها وطموحها، مشيرة إلى أن كل مشهد في الفيلم كان تمثيلاً بصرياً لتاريخ شفهي تناقلته أجيال فلسطينية.
“لقد قلنا الحقيقة”
تعرض الفيلم بعد عرضه على الشبكة العالمية نتفليكس إلى إدانة من قبل الحكومة الإسرائيلية، بالإضافة إلى تهديدات إسرائيليين بإلغاء اشتراكاتهم من الشبكة وسحب التمويل عن المؤسسات الثقافية التي قد تعرض الفيلم، الأمر الذي اعتبره مراقبون تأكيداً واضحاً على حرص الاحتلال الإسرائيلي على سحق الرواية الفلسطينية للنكبة والتنكرلجريمة التطهير العرقي بحق الفلسطينيين كحقيقة تاريخية ثابتة.
ففي الوقت الذي اتهم فيه مسؤولون إسرائيليون صانعة الفيلم بنقل “رواية كاذبة” عن “إسرائيل”، في مشهد المجزرة بحق عائلة فلسطينية في الفيلم، يؤكد مؤرخون على أن تصوير المشهد كان “واقعاً وحقيقياً، بل ربما أقل حدة مما قد تم نقله عن بشاعة تلك الفترة” (المصدر: موقع موندويس الأمريكي)
أما المخرجة دارين سلام، فقد وصفت الهجوم الإسرائيلي على الفيلم ب”المنظم والمنسق”، مؤكدة على أنها لن تسمح للوبي الصهيوني بالتأثير سلباً على رسالة فيلمها التي لخصتها بالقول أن “الفلسطينيين لن يصمتوا عن نقل روايتهم بعد الآن”.
وأضافت سلام: ” كأردنية أو عربية من أصول فلسطينية، ترعرعت وأنا أسمع قصصاً عن فلسطين، وعن النكبة، هذا جزء من هويتنا وكرامتنا، كما أنني شعرت بخوف فرحة لأنني أعاني من فوبيا الأماكن المغلقة، كما أنني أرى نفسي بها، فهي مقاتلة ثائرة طموحة لا تستسلم لكلمة “لا” بسهولة، فرحة هي أنا”.
وبرغم ترشيح الفيلم في سبتمبر الماضي ليكون الفيلم الرسمي الذي يمثل الأردن في النسخة 95 من جوائز الأوسكار 2023 عن فئة الأفلام الروائية الدولية، إلا أن سلام لم تعلق نجاح الفيلم على ذلك فقط، مؤكدة وهي تبتسم بثقة، “أنا مؤمنة بالصدق الذي عملت على إيصاله من خلال الفيلم، فعلنا ما بوسعنا لقول الحقيقة، لا شيء نخشاه، ما سيكتبه الله سيكون لا محالة”.