بقلم مها الحسيني
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
في الأراضي الفارغة شمال غرب مخيم دير البلح للاجئين، نصبت العائلات الفلسطينية خيمًا جديدة، وعلى الطريق، يصل العشرات مثلهم في سيارات وعربات تجرها الحيوانات، حاملين معهم الفرش والبطانيات والأمتعة.
إنهم يحضرون من وسط قطاع غزة، من المناطق التي حددتها إسرائيل سابقاً كمناطق “آمنة” للنازحين من مدينة غزة وشمال القطاع، قبل أن يصف الجيش الإسرائيلي المناطق الوسطى يوم الجمعة بأنها “مناطق قتال” ويأمر الناس بالتحرك مرة أخرى.
كان نزوح سكان تلك المناطق عدة مرات صادماً، حيث قالت أسماء صوالحة، وهي أم لأربعة أطفال: ” عندما شاهدنا الأخبار بدأت بالبكاء بشكل هيستيري، فأين أذهب بهؤلاء الأطفال؟”
وفيما كان زوجها ينصب الخيام في مخيم اللاجئين مع رجال آخرين تابعت: “ليس لدينا أي أقارب في دير البلح”.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، نشر الجيش الإسرائيلي خريطة لقطاع غزة الذي تبلغ مساحته 365 كيلومتراً مربعاً، وقسمه إلى أكثر من 2000 كتلة مرقمة.
وزعم الجيش أن بوسع السكان تتبع المعلومات على الخريطة لمعرفة المواقع الآمنة، لكن التعليمات كانت مربكة ومتناقضة في بعض الأحيان، بل وتم قصف بعض المناطق التي تم تصنيفها على أنها آمنة في وقت لاحق.
وفي الأمر الأخير، طلب الجيش الإسرائيلي من سكان 12 منطقة رئيسية خاصة في مخيمي البريج والنصيرات للاجئين الانتقال إلى مدينة دير البلح المجاورة، وهي مدينة صغيرة مكتظة من الأساس بمئات الآلاف الذين نزحوا في وقت سابق من مناطق أخرى.
“مخيمات داخل مخيمات اللاجئين”
وأوضحت صوالحة أن أسرتها لجأت إلى مخيم البريج للاجئين في وقت سابق من الحرب، وأقامت في غرفة صغيرة مبنية على أرض زراعية يملكها أقارب لها.
ولم يعد لدى العائلة مكان آخر تذهب إليه الآن، لكن أفرادها اضطروا إلى مغادرة الغرفة بعد صدور الأوامر بالإخلاء من بيت حانون يوم الجمعة، دون تحديد وجهة محددة.
” أخذنا حقائبنا، وركبنا عربة يجرها حيوان، ووصلنا إلى هنا دون أن نعرف مكان إقامتنا” – أسماء صوالحة، أم فلسطينية
وقالت صوالحة البالغة من العمر 38 عاماً: ” ذهبنا أولاً إلى مدرسة تديرها الأمم المتحدة، لكنهم أخبرونا أنه لم يعد هناك متسع لنا، وكان المكان مزدحماً بالفعل، حيث كان الناس ينتشرون في الخيام التي يغص بها الملعب وحتى خارج المدرسة”.
بعد ذلك، أخبر بعض السكان العائلة بوجود أرض فارغة قريبة، حيث كان بعض الأشخاص يقيمون خيامًا جديدة لتتحول هذه الأرض إلى المكان الذي لجأوا إليه.
وتابعت صوالحة: ” كما ترون، نحن نبني مخيمات نزوح جديدة داخل مخيمات اللاجئين”.
بدورها أعلنت الأمم المتحدة يوم الجمعة أن نطاق النزوح الناجم عن أمر الإخلاء الأخير ما زال غير واضح، لكن تقديراتها تشير بشكل عام إلى أن 1.9 مليون فلسطيني نزحوا في غزة منذ 7 تشرين الأول / أكتوبر، أي ما يعادل أكثر من 80% من السكان، حيث يقيم معظمهم في المناطق الوسطى وفي مدينة رفح أقصى الجنوب.
وشنت طائرات الاحتلال الإسرائيلي، ليلة الأحد، واحدة من أعنف الغارات الجوية على مخيمات البريج والمغازي والنصيرات استهدفت عقارات سكنية مزدحمة، وأدت إلى استشهاد أكثر من 100 فلسطيني وجرح عشراتٍ آخرين.
لا أمان
تمتثل صوالحة لقرارات التهجير الإسرائيلية بدافع الخوف على سلامة أطفالها، لكن ثمة أمر مقلق آخر يثقل كاهلها، وهو احتمال أن تجد نفسها في نهاية المطاف نازحة على الجانب الآخر من الحدود مع مصر.
وأضافت ” أخشى أن يكون هذا جزءاً من خطتهم لتهجيرنا قسراً إلى سيناء، حيث إنهم يقومون بنقلنا تدريجياً نحو الجنوب وحدود رفح، ونحن لا نعرف حتى متى سنتمكن من البقاء هنا، أو ما إذا كانت هذه الخيام المؤقتة ستصبح مخيمات دائمة للاجئين، مثل المكان الذي نبني فيه هذه الخيام”، في إشارة إلى مخيم دير البلح للاجئين.
تم إنشاء المخيم في أعقاب نكبة عام 1948، لإيواء اللاجئين الفلسطينيين الذين طردتهم الميليشيات الصهيونية قسراً من منازلهم، وهناك أكثر من 26,000 لاجئ من فلسطين مسجلين في المخيم، على الرغم من أن عدد السكان الفعلي قد يكون أكبر، وفقا للأمم المتحدة.
وبسبب المخاوف من التحول إلى لاجئين دائمين، وكذلك انعدام الأمان والثقة بالقرارات الإسرائيلية، بدأ الكثيرون برفض الامتثال للتوجيهات بعد الآن.
أحد هؤلاء الرافضين لطلبات الإخلاء هو أحمد النجدي، 23 عامًا، والذي نزح من مدينة غزة مع عائلته نحو المناطق الوسطى في وقت سابق من الحرب.
“ما الذي يضمن أنني لن أقتل مع عائلتي إذا ذهبت من هذا المبنى إلى ذاك ؟” – أحمد النجدي، غزة
وقال النجدي: “حتى لو أردنا الإخلاء، فليس هناك مكان نذهب إليه، ولو أردنا استئجار شقة أو منزل في المناطق الآمنة الأخرى، فلن نجد أي شيء”.
وتعتبر هذه المناطق الآن “مناطق قتال” وفقاً لمحددات الجيش الإسرائيلي، لكن نجدي يقول إنه اختار البقاء في مخيم البريج للاجئين، مؤكداً أن ثلاثة من أقاربه قتلوا في غارة جوية إسرائيلية على منزل كانوا يقيمون فيه في دير البلح، حيث يعيش السكان ويطلب منهم حاليا اللجوء.
ويضيف: ” لقد وضعوا خريطة المواقع الآمنة فقط كي يخبروا وسائل الإعلام أنهم حذروا السكان، ولكن في الواقع، هم يقصفون الناس داخل المباني التي يصفونها بأنها آمنة”.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)