بقلم حنا بوعطية
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
شهد حراك “عمال من أجل فلسطين حرة” الذي نُظم الشهر الماضي أمام شركة لصناعة الطيران في دورست مشاركة المئات من المحتجين على علاقة الشركة التجارية بالجيش الإسرائيلي الذي يواصل شن هجمات دموية على الفلسطينيين المحاصرين في قطاع غزة.
في ذلك الحراك، اعتصم أكثر من 600 محتجٍ من مختلف القطاعات بما فيها التعليم والرعاية الصحية والخدماتية أمام مصنع لإنتاج أنظمة التزود بالوقود جوًا التي تستخدمها القوات المسلحة الإسرائيلية، مطالبين بوقف التعاملات التجارية معها.
تم تنفيذ هذه الفعالية الجماعية استجابةً لدعوة عامة أطلقها ائتلاف يضم أكثر من 30 نقابة عمالية فلسطينية ردًا على العدوان الإسرائيلي على غزة، حيث حثت الدعوة العمال على “إنهاء كافة أشكال التواطؤ مع جرائم إسرائيل، وفي مقدمة ذلك وقف تجارة الأسلحة معها”.
والمملكة المتحدة شريك نشط في حرب الإبادة الجماعية، لأنها تشجع إسرائيل على “الدفاع عن نفسها” وتواصل تقديم الأسلحة لها للقيام بذلك، ومع مثل هذا المستوى من الرعب الذي صنع على أعيننا، فقد بات من الضروري أخلاقياً أن نلتفت إلى مسؤوليتنا كعمال عبر الاستجابة إلى هذا النداء.
وبصفتي صيدلانية في هيئة الخدمات الصحية الوطنية، فقد التحقت بالمئات من العاملين في مجال الصحة في المملكة المتحدة الذين انتابهم ذات الإحساس بالمسؤولية بشدة.
فمنذ بدء الهجمات الإسرائيلية الوحشية على غزة، قُتل أكثر من 22 ألف فلسطيني وفقًا للروايات الرسمية، ومن المرجح أن يكون العدد الفعلي أعلى من ذلك بكثير حيث لا تزال آلاف الجثث مدفونة تحت الأنقاض، وقد نظّم العاملون في مجال الصحة حركتهم التضامنية بطريقة واضحة.
لقد أصيب العاملون في مجال الصحة بحالة من الرعب وهم يشاهدون إسرائيل بينما تستهدف المستشفيات وسيارات الإسعاف ومراكز الرعاية الصحية، بل وتقصف أجنحة الولادة في المستشفيات.
أما عدد القتلى المتزايد من زملائهم العاملين في مجال الرعاية الصحية فهو يواصل الارتفاع، حيث تم تسجيل ارتقاء 340 منهم وفقًا لفرع فلسطين في منظمة مراقبة العاملين في مجال الرعاية الصحية، وقد أدى استهداف الرعاية الطبية في غزة إلى قيام العاملين في مجال الصحة في جميع أنحاء العالم بتنظيم حراكات تضامنية واحتجاجية.
الاحتجاجات والاعتصامات
وذكرت هيومن رايتس ووتش أن “الهجمات الإسرائيلية على المرافق الطبية والعاملين فيها ووسائل النقل تزيد من تدمير نظام الرعاية الصحية في غزة ويجب التحقيق فيها باعتبارها جرائم حرب”.
وتفاعلاً مع هذه الحراكات، نظم عمال الصحة من أجل فلسطين حرة أول حراك لهم في 9 تشرين الثاني / نوفمبر، حيث احتج مئات العاملين في مجال الرعاية الصحية في جميع أنحاء لندن أمام وزارة الصحة، تلى ذلك تنظيم وقفة احتجاجية خارج 10 داونينج ستريت لتأبين العاملين في مجال الصحة الذين ارتقوا في غزة.
لقد واصل العاملون الفلسطينيون الشجعان في مجال الرعاية الصحية في غزة إطلاع العالم على المعنى الحقيقي لخدمة الإنسانية
انضم العاملون في مجال الصحة في المملكة المتحدة إلى زملائهم الفلسطينيين في الدعوة إلى وقف إطلاق النار ووقف تسليح إسرائيل وإنهاء احتلال فلسطين.
لقد احتشد الكثير منا من منتسبي قطاع الرعاية الصحية استجابةً للنداء العالمي المباشر الذي وجهته نقابات الرعاية الصحية الفلسطينية لمطالبتنا بـ “التضامن والمساعدة الفورية”.
لقد واصل العاملون الفلسطينيون الشجعان في مجال الرعاية الصحية إطلاع العالم على المعنى الحقيقي لخدمة الإنسانية، من خلال رعاية المرضى على الرغم من ارتفاع خطر التعرض للقتل، بل إن العديد منهم دفعوا حياتهم ثمناً لرفضهم مغادرة المستشفيات أمام الضربات الجوية الإسرائيلية.
إنهم يرسلون رسائل أمل وإلهام وهم يغنون أغاني الصمود ويستمرون في علاج المرضى الجرحى الذين لا تتوفر المواد الأساسية لعلاجهم.
في غزة، تُجبر النساء الفلسطينيات الحوامل على الخضوع لعمليات قيصرية دون تخدير، كما يضطر الجراحون إلى إجراء عمليات بتر أطراف للأطفال دون تخدير ومسكنات بسبب الحصار الذي تفرضه إسرائيل على الإمدادات والمساعدات الطبية.
واجب الرعاية
إن اتخاذ إجراءات ضد المؤسسات المتواطئة في إزهاق أرواح الفلسطينيين هو بمثابة التحمل الجاد للمسؤولية تجاه واجب الرعاية، وهو الاعتراف بأن حياة المضطهدين والمتضررين في أي مكان في العالم لا تقل أهمية عن حياتنا.
ولهذا السبب فإن قيامي بواجب الرعاية يمتد إلى ما وراء الحدود، إلى النضال من أجل حرية الفلسطينيين، وما يتطلبه ذلك من إجراءات تشمل إظهار التضامن ومعارضة الجرائم الاستعمارية التي يتم تبريرها كدفاع عن النفس بتحريض من حكومة المملكة المتحدة، وهو جزء أساسي من قواعد السلوك الخاصة بي.
يقول الدكتور غسان أبو ستة، الذي أُجبر على مغادرة غزة بعد أن أصبح من المستحيل عليه القيام بوظيفته كجراح ” حتى عندما نغادر فلسطين، فإن فلسطين لا تغادرنا أبدًا”.
ويتجاوز هذا الشعور أولئك الذين كانوا يشهدون المجازر اليومية التي يتعرض لها الفلسطينيون محاولين إدراك المدى الذي سيسمح السياسيون الغربيون بوصول هذه الفظائع ضد الإنسانية إليه قبل الدعوة إلى وقف دائم لإطلاق النار.
وبتواصل انهيار نظام الرعاية الصحية في غزة مع انتشار الجوع والعطش وانتشار الأمراض المعدية فإن الحياة تصبح غير آمنة لسكان غزة بمن فيهم عمال الإغاثة.
هناك نداء فوري وعاجل لجميع العاملين في مجال الرعاية الصحية للانضمام إلى هذه الحراكات والاستجابة لنداءات زملائنا في غزة والتضامن مع شعب فلسطين.
يجب على جميع العاملين في مجال الرعاية الصحية أن يسعوا إلى أن يكونوا على الجانب الصحيح من التاريخ، وإذا لم يحدث ذلك الآن، فمتى؟
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)