بقلم ريحان عُدين و لبنى مصاروة
ترجمة وتحرير مريم الحمد
قامت الحكومة الإسرائيلية بتعيين الرئيس السابق للمحكمة العليا الإسرائيلية، أهارون باراك، ، في لجنة القضاة التي ستنظر في قضية جنوب أفريقيا التي تتهم فيها إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية في غزة، وذلك خلال جلسة استماع مرتقبة في محكمة العدل الدولية.
وفقاً لقانون المحكمة الدولية الموجودة في مدينة لاهاي الهولندية، يستطيع طرفا القضية ترشيح قاضٍ للمشاركة في المداولات إضافة إلى الـ 15 قاضٍ الذين تعينهم المحكمة أصلاً، بحيث يتم اتخاذ القرارات بالأغلبية البسيطة.
“اختياره الآن هو رسالة بأن “إسرائيل ما زالت ديمقراطية وذلك لتبييض جرائمها ضد الفلسطينيين في غزة” – أورلي نوي- منظمة بتسيلم
وتتلخص دعوى جنوب أفريقيا في أن تصرفات إسرائيل في غزة “ذات طابع إبادة جماعية لأنها تهدف إلى تدمير مجتمع معين بناء على معايير عنصرية وتمييز قائم على العرقية الفلسطينية”.
وفقاً لتقرير القناة العبرية 12، فإن قرار تعيين باراك في لجنة محكمة العدل الدولية جاء بموافقة شخصية من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ويذكر أن الحقوقي البالغ من العمر 87 عامًا ولد في ليتوانيا لأبوين ناجين من المحرقة انتقلا إلى فلسطين تحت الانتداب البريطاني عام 1947، وقد شغل منصب المدعي العام الإسرائيلي بين عامي 1975 و1978، ثم بقي قاضياً للمحكمة العليا الإسرائيلية لمدة 30 سنة، منها 11 سنة كان رئيسها.
“الحفاظ على واجهة الديمقراطية الإسرائيلية”
لقد اكتسب باراك في الغرب سمعة إيجابية باعتباره قاضياً ليبرالياً وبطلاً للديمقراطية، خاصة مع معارضته القوية للتعديلات القضائية التي طرحتها الحكومة الإسرائيلية قبل أشهر، فيما شكك آخرون في مؤهلاته خاصة فيما يتعلق بالديمقراطية مع نهجه في التعامل مع القضايا المتعلقة بالانتهاكات ضد الفلسطينيين.
أوضحت رئيسة منظمة بتسيلم الحقوقية الإسرائيلية، أورلي نوي، أنه “لسنوات عديدة، وخاصة منذ المظاهرات الحاشدة ضد الانقلاب القضائي وحده، أصبح باراك رمزًا للديمقراطية الليبرالية في إسرائيل”، مشيرة إلى أن اختياره الآن هو رسالة بأن “إسرائيل ما زالت ديمقراطية وذلك لتبييض جرائمها ضد الفلسطينيين في غزة”.
“أهارون باراك هو في الأساس ما يسميه الناس القاضي الدبلوماسي، أي الذي يرى أن واجبه القانوني هو حماية أجندة دولته من خلال الوسائل والآليات القانونية” حسان عمران- منظمة القانون من أجل فلسطين
أما الأكاديمي في القانون العام في جامعة سواس في لندن، نمر سلطاني، فقد قام بتحليل الفترة التي شغل فيها باراك منصب رئيس المحكمة العليا، وذلك في ورقة بحثية نشرت عام 2007، جاء فيها أن “سجل باراك ليس ليبرالياً فعندما ينظر المرء إلى أحكامه فيما يتعلق بالفلسطينيين، سواء كانوا مواطنين إسرائيليين أو مقيمين في الأراضي المحتلة، فهي تفتقر إلى المساواة وتؤكد على الطابع العرقي للدولة، ودونية المواطنين غير اليهود”.
في عام 2004، أصدرت محكمة العدل الدولية موقفاً قانونياً اعتبرت فيه الجدار العازل الذي بنته إسرائيل غير قانوني، فيما رفضت المحكمة العليا الإسرائيلية والتي كانت تحت قيادة باراك آنذاك البت في الشرعية العامة للجدار، وبعد مرور ما يقرب من 20 عامًا، لا يزال الجدار يقطع الأراضي والمجتمعات الفلسطينية.
أما بالنسبة المستوطنات المبنية على الأراضي الفلسطينية المحتلة، والتي تتعارض مع القانون الدولي، فلم توفر المحكمة العليا في عهد باراك سوى القليل من الحواجز القانونية.
تقول نوي أن باراك “هو الرجل الأنسب لهذا المنصب لأن هذا هو بالضبط الشيء الذي كرس له حياته المهنية بأكملها، وهو إضفاء الشرعية على جرائم إسرائيل مع الحفاظ على واجهة الديمقراطية الإسرائيلية”.
“القاضي الدبلوماسي” الذي يدعم الحرب
يعتبر باراك القاضي الأول في تاريخ إسرائيل حتى أنه تولى دورًا أقرب إلى كونه دبلوماسيًا يمثل إسرائيل، وفي وصفه يرى عضو مجلس إدارة منظمة القانون من أجل فلسطين، حسان عمران، أن “أهارون باراك هو في الأساس ما يسميه الناس القاضي الدبلوماسي، أي الذي يرى أن واجبه القانوني هو حماية أجندة دولته من خلال الوسائل والآليات القانونية”.
تعزز دوره باعتباره “قاضياً دبلوماسياً” خاصة عندما اعترف باراك، بأن المراجعات القضائية للمحكمة العليا ساعدت الجنود الإسرائيليين بشكل جعل من الصعب محاكمتهم في المحكمة الجنائية الدولية.
من جانب آخر، فإن مؤهلات باراك الدبلوماسية تعني وضع السياسة الإسرائيلية الداخلية جانباً، وهو ما تم ترجمته على الأرض، فقد “كان للحرب تأثير موحد على الإسرائيليين، حيث دفعت خلافاتهم بشأن الإصلاح القضائي جانباً، ويعد ترشيح باراك للمحكمة امتدادا لهذا الدافع الموحد”، وفقاً لنمر سلطاني.
هذه ليست المرة الأولى التي يحدث فيها ذلك في إسرائيل، فقد فعلها رئيس الوزراء الأسبق أرييل شارون قبل عقدين من الزمن، فعلى الرغم من أن باراك كان جزءاً من اللجنة التي عزلت شارون من منصبه السياسي بسبب تورطه في مذبحة صبرا وشاتيلا عام 1982، إلا أن رئيس الوزراء آنذاك طلب خدمات باراك في لاهاي عام 2004.
يقول سلطاني أن “شارون أدرك فائدة باراك في عام 2004 عندما حكمت محكمة العدل الدولية بشأن جدار الفصل العنصري، والآن يدرك نتنياهو أن باراك يمكنه مساعدته أيضًا”.
في تعليقه على الحرب المستمرة منذ 7 أكتوبر، صرح باراك لصحيفة “ذا غلوب آند ميل” في نوفمبر”أن قتل 5 أطفال أبرياء قد يكون مناسباً من أجل استهداف زعيمهم”، كما برر قطع الوقود عن قطاع غزة ، على اعتبار أنه ربما كان استخدم من قبل مقاتلين فلسطينيين، قائلاً “أنا أتفق تماما مع ما تفعله الحكومة”، في إشارة إلى الطريقة التي تدير بها القيادة الإسرائيلية الحرب.
يقول سلطاني أن تصريحات باراك تشير إلى أنه “كوّن رأيا ينفي أن إسرائيل انتهكت القانون الدولي رغم كثرة الأدلة التي تثبت عكس ذلك، ويبقى أن نرى ما إذا كان سيختار العمل كمحامي لإسرائيل أو كقاض محايد يأخذ في الاعتبار الحقائق والقانون ذي الصلة”.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)