بقلم فتحي نمر
ترجمة وتحرير مريم الحمد
مع دخول العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة شهره الرابع، بكل ما في الحرب من موت وقصف للمستشفيات والمدارس والمجازر التي أصبحت أمراً روتينياً، يظل المشهد الإعلامي في الغرب غارقاً في محاولة إبادة المحتوى الفلسطيني كما تتم إبادة الناس في غزة!
يمارس الإعلام الغربي إبادة بالفعل ضد السطور والكلمات في الخطاب الفلسطيني، ولكن لماذا تركز مقالات الصحف والمواقع الغربية على الشعارات والعبارات، في الوقت الذي يتعرض فيه آلاف الأطفال الفلسطينيين للقصف والتجويع حتى الموت؟!
المطلوب من الفلسطيني دوماً انتقاء كلماته وعباراته بشكل جراحي، ومحاولة القفز دائماً عن التصادم مع قواعد الخطاب المزعومة في الغرب وكأن عليه أن يحذر من أن يتم اتهامه بالعنصرية مع من يحتله، وذلك يحظر حتى في أبسط المواضيع مثل الحديث عن المقاطعة أو شعارات الاحتجاجات، حيث تتم مقارنتها بالسلوك بالنازي.
رغم استمرار محاولة تقديم هذه المخططات تحت ستار النزوح “الطوعي”، إلا أنه لا يوجد شيء طوعي في هذه الخطط إذا ما استمرت إسرائيل في جعل غزة غير صالحة للسكن
وصل مستوى الرقابة على الأصوات ووجهات النظر الفلسطينية إلى ذروة جديدة بعد 7 أكتوبر، حيث أصبح مجرد إظهار الهوية الفلسطينية والتضامن الفلسطيني سببًا للاضطهاد، فبغض النظر عما يقوله الفلسطينيون أو كيف يقولونه، فإن كلامهم دائماً يتم تفسيره على أنه دعوة للإبادة الجماعية أو العنف!
مما لا شك فيه أن السبب ليس حالة سوء فهم، بل هو سوء تفسير متعمد، فليس هناك أي كلمات أو شعارات سحرية يمكن أن تكون مقبولة عند الحديث عن كرامة الفلسطينيين أو تحررهم، الأمر كله مجرد محاولة وقحة لإسكات الفلسطينيين.
أما عندما يتعلق الأمر بخطاب الإبادة الجماعية من جانب الإسرائيليين، فلا يحتاج المرء إلى أي تغيير أو تحريف في اللغة، حتى أن السياسيين الإسرائيليين يستخدمون لغة واضحة، ويرسمون بفخر خططًا للتطهير العرقي ضد الفلسطينيين في قطاع غزة.
خطاب العنف
يمكن أن نبدأ من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والذي قام بتجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم من خلال وصفهم بـ “أبناء الظلام” و”العماليق”، في إشارة إلى كتاب صموئيل الأول، حيث أمر الله الملك شاؤول بذبح كل العماليق.
وفي موقف آخر، دعت تسيبي هوتوفيلي، سفيرة إسرائيل لدى المملكة المتحدة، إلى تدمير قطاع غزة وصولاً إلى “كل مدرسة وكل مسجد” على حد تعبيرها، فيما استشهد عضو الكنيست، موشيه سعادة، بتصريحات إسرائيلية تقول أنه “يجب تدمير جميع سكان غزة”.
أما وزير الحرب الإسرائيلي، يوآف جالانت، فقد أعلنها صراحة في أول أيام الحرب أن بلاده تقاتل “حيوانات بشرية” متوعداً بعدم السماح بدخول الغذاء أو الكهرباء أو الماء إلى قطاع غزة المحاصر.
وفي مثال آخر، فقد برر عضو الكنيست، تالي جوتليف، استخدام الجوع والعطش كسلاح حرب في محاولة لـ “تجنيد متعاونين” من سكان غزة، مشيراً إلى أن من يرفض مغادرة منزله “يستحق الموت”.
وعلى صعيد آخر، فقد صور رسامو الكاريكاتير المؤيدون لإسرائيل الفلسطينيين على أنهم صراصير وفئران يجب سحقهم، ورسموا صوراً تاريخية للتشبيه مع عمليات الإبادة الجماعية، كما تم تشبيه الضحايا بالحشرات.
ومن ناحية عملية، فقد تم طرح مقترحات أشارت بوضوح إلى ضرورة تطهير الفلسطينيين في غزة عرقياً ودفعهم إلى سيناء، فذلك أكثر من مجرد فكرة هامشية، حيث تردد أن نتنياهو أجرى محادثات مع دول عدة حول إمكانية استيعاب الفلسطينيين بعد طردهم من غزة.
تتم محاصرة الفلسطينيين ومن يتضامنون معهم في متاهات بلاغية لا فكاك لهم منها، وكل ذلك من أجل كسب المزيد من الوقت لتواصل إسرائيل جريمتها!
رغم استمرار محاولة تقديم هذه المخططات تحت ستار النزوح “الطوعي”، إلا أنه لا يوجد شيء طوعي في هذه الخطط إذا ما استمرت إسرائيل في جعل غزة غير صالحة للسكن.
وحتى في عالم الفن، فقد تصدرت أغنية “حربو دربو”، وهي أغنية مؤيدة للحرب، المخططات الإسرائيلية، حيث تشبه كلمات الأغنية الفلسطينيين بالجرذان وتستخدم نفس تشبيه عماليق الذي استشهد به نتنياهو، وأصبحت مقاطع الفيديو الخاصة بالرقص والغناء على الأغنية شائعة بين الإسرائيليين.
التواطؤ الغربي
ووفقاً لاستطلاعات رأي نشرت في نوفمبر، فإن أكثر من نصف الجمهور الإسرائيلي يعتقد أن الجيش لا يستخدم النيران كما ينبغي في غزة، وذلك رغم قتل أكثر من 25 ألف من الأبرياء وتجويع البقية، كما أظهرت استطلاعات الرأي أيضاً تأييداً ساحقاً للتطهير العرقي ضد الفلسطينيين في غزة.
تم انتقاد هذا الخطاب الإسرائيلي العنيف من قبل حلفاء إسرائيل في الغرب ولكن على مضض، وكانوا يرفعون سقف الانتقاد فقط حين يكون التصريح صادراً عن متطرف يميني مثل وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ووزير الأمن القومي ايتمار بن جفير، واصفينها بأنها “غير مفيدة” فقط!
ما أهمية هذه الإدانة الخجولة ما دام الدعم المادي الغربي لإسرائيل مستمراً؟ حيث تتلخص الإستراتيجية في التظاهر بأن مثل هذه الأصوات متطرفة ولا تمثل الشعب الإسرائيلي.
بالنسبة للفلسطينيين في غزة، فالإبادة الجماعية ليست تجربة فكرية، فهناك عواقب ملموسة للتحريض على الإبادة الجماعية المتفشي في المجتمع الإسرائيلي، ولذلك تعد المراوغة في هذه النقطة بإنشاء تكافؤ زائف بين المستعمِر والمستعمَر، يمهد الطريق لمزيد من المجازر بحق الفلسطينيين
الحقيقة أن هذا الطوفان من خطابات الإبادة الجماعية مستمر ولا تتم محاسبته بأي شكل من الأشكال، فيما هناك وقت دائماً لتحريف المنطق واللغة من دعوات وقف إطلاق النار إلى حد يرقى في بعض الأحيان إلى مستوى التحريض على القتل الجماعي.
دائماً ما يعد هذا النوع من التهويل سخيفًا من الناحية المنطقية، ولكنه أصبح اليوم مميتًا أكثر من أي وقت مضى، حيث تتم محاصرة الفلسطينيين ومن يتضامنون معهم في متاهات بلاغية لا فكاك لهم منها، وكل ذلك من أجل كسب المزيد من الوقت لتواصل إسرائيل جريمتها!
إن أبسط أدوارنا في هذه اللحظة التاريخية المروعة هو رفض هذه المقدمات الظالمة والفارغة من المعنى، فلا يحق لأحد الادعاء بأن إسرائيل دولة ديمقراطية، وتذكر أن الإبادة الجماعية الحقيقية ليست الهتافات التي تسمعها في الاحتجاجات، بل هي ما يتم ارتكابه في مكان بعيد عنك باسمك وبأموال ضرائبك.
أما بالنسبة للفلسطينيين في غزة، فالإبادة الجماعية ليست تجربة فكرية، فهناك عواقب ملموسة للتحريض على الإبادة الجماعية المتفشي في المجتمع الإسرائيلي، ولذلك تعد المراوغة في هذه النقطة بإنشاء تكافؤ زائف بين المستعمِر والمستعمَر، يمهد الطريق لمزيد من المجازر بحق الفلسطينيين.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)