بقلم شذى عبد الصمد
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
يمثل وقف تمويل وكالة الأمم المتحدة الوحيدة التي توفر شريان الحياة لنحو 5.9 مليون فلسطيني، بمن فيهم أكثر من مليوني لاجئ محاصر يواجهون حاليًا إبادة جماعية في غزة، أمراً فاضحاً يرمي إلى تصفية القضية الفلسطينية.
فمنذ أن أعلنت الولايات المتحدة في 26 كانون الثاني/يناير أنها ستعلق تمويلها لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، قامت دول أخرى، بما فيها المملكة المتحدة وكندا وإيطاليا وهولندا وسويسرا وفنلندا وأستراليا، بتعليق تمويلها للوكالة وحذت ألمانيا حذوها.
القرار جاء عقب مزاعم إسرائيلية بأن 12 من موظفي الوكالة البالغ عددهم 13,000 موظف في غزة (يشكلون 0.092% من موظفي الأونروا المحليين في غزة ربما شاركوا في عملية طوفان الأقصى التي نفذتها حماس في السابع من أكتوبر.
يتم تمويل الأونروا بالكامل تقريبًا من خلال المساهمات المالية الطوعية، ومن أصل 1.17 مليار دولار من إجمالي التعهدات المقدمة للأونروا في عام 2022، جاءت أكبر المساهمات من الولايات المتحدة (343.9 مليون دولار) وألمانيا (202 مليون دولار)، ونتيجة لتعليق هذا التمويل فإن الأونروا ستفقد ما يقرب من 60% من تمويلها، في ظل تحذيرات من تصاعد خطر المجاعة بشكل سريع بسبب عدوان الإبادة الجماعية الذي تشنه إسرائيل على قطاع غزة.
ومن دون استمرار تدفق المساهمات من الدول والحكومات، فإن الأونروا لن تتمكن من الاستمرار في تنفيذ مهامها ولا في تقديم الإغاثة الإنسانية للاجئين الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، والأردن، وسوريا، ولبنان.
وبالتالي فإن قطع التمويل عن الأونروا يشكل ضربة خطيرة لعملها الإنساني في المنطقة ويشكل حكماً بالإعدام على السكان اللاجئين المحاصرين في قطاع غزة.
علاقة وقف تمويل الأونروا بقرار محكمة العدل الدولية
ورغم رد الأونروا الفوري على ادعاءات إسرائيل التي لا أساس لها، بما في ذلك إطلاق تحقيق خارجي في هذه المسألة وإنهاء عقود الموظفين المتهمين بالتورط، فقد تم اتخاذ القرار بتعليق تمويل الأونروا من قبل المساهمين الرئيسيين.
وليس من قبيل المصادفة أن يأتي قرار وقف تمويل المنظمة عاجلاً بعد أن أصدرت محكمة العدل الدولية حكمها المؤقت الذي أقر بأن خطر الإبادة الجماعية على يد دولة إسرائيل أمر وارد.
لا يمكن فهم توقيت وقف التمويل على الرغم من التدابير التي اتخذتها الأونروا إلا باعتباره ذو دوافع سياسية كشكل من أشكال الانتقام من حكم محكمة العدل الدولية وكحرب ضد الشعب الفلسطيني بالكامل.
إذ لا تعد الجهود المبذولة لتفكيك الأونروا وإنهاء ولايتها وليدة اللحظة، فلوقت طويل، دعت إسرائيل إلى تصفية الوكالة، التي تأسست عام 1949 لتقديم خدمات الإغاثة والتشغيل لـ 750 ألف فلسطيني نزحوا خلال نكبة عام 1948.
واتساقاً مع السياسة الإسرائيلية الرسمية فيما يتعلق بالأونروا، فإن قرار قطع التمويل في هذا الوقت الحرج يعد قراراً منحرفاً أخلاقياً، فهو لا يرقى إلى مستوى العقاب الجماعي فحسب، بل إنه يتحدى أيضًا الأمر الذي أصدرته محكمة العدل الدولية، فضلاً عن التزامات الدول بمنع الإبادة الجماعية.
وفي تدابيرها المؤقتة، أمرت محكمة العدل الدولية إسرائيل “باتخاذ تدابير فورية وفعالة لتمكين توفير الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية التي تشتد الحاجة إليها لمعالجة الظروف المعيشية الصعبة التي يواجهها الفلسطينيون في قطاع غزة.
ويعني هذا عملياً أن قطع الأموال عن الأونروا، وهي وكالة الأمم المتحدة الوحيدة التي تقدم الدعم الإنساني للفلسطينيين في غزة وخاصة في مثل هذا الوقت الحساس، يهدف إلى المساهمة بشكل أكبر في الضرر الذي لا يمكن إصلاحه والذي يلحق بالفلسطينيين.
تمويل الأونروا كسلاح
ومع دخول العدوان على غزة شهره الخامس قريباً، جرى توضيح توفر نية الإبادة الجماعية لدى مختلف المسؤولين الإسرائيليين، كما أثبت ذلك التقرير الذي قدمته جنوب أفريقيا والذي أيدته محكمة العدل الدولية.
فعوضاً عن التعليق الفوري للمساعدات المالية والدعم العسكري لإسرائيل، ووضع حد للدعم الاقتصادي والدبلوماسي للنظام الاستعماري المسؤول عن الإبادة الجماعية، تختار الدول الغربية تعليق تقديم المساعدات الإنسانية والخدمات الحيوية التي تقدمها الأونروا للاجئين الفلسطينيين.
وبدلاً من الضغط من أجل مساءلة إسرائيل، فإن هذه الدول تؤكد مرارًا وتكرارًا دعمها غير المشروط لإسرائيل، مما يصرف الانتباه عن حكم محكمة العدل الدولية ويمنع تنفيذ أوامرها.
وفي انتهاك واضح لالتزامها القانوني بمنع الإبادة الجماعية، فإن قطع تمويل الأونروا لا يشكل تعبيراً صريحاً عن تواطؤ هذه البلدان في الإبادة فحسب، بل إنه يعد بمثابة تأييد لها أيضاً.
إن اعتماد الأونروا على المساهمات الطوعية والدعم المالي يُخضعها لمصالح وأجندات سياسية متغيرة، حيث يمثل سحب التمويل عنها حرباً ضد جميع الفلسطينيين لأن ذلك سيسمح بتدمير الحياة المدنية للاجئين الفلسطينيين في كل مكان.
سيترك القضاء على الأونروا 5.9 مليون لاجئ فلسطيني دون خدمات التعليم والرعاية الصحية والوظائف ومشاريع البنية التحتية في فلسطين مخيمات اللاجئين التي تعمل فيها الأونروا، وهذا يعني فعلياً تدمير الحياة المدنية الفلسطينية في المنطقة، وليس فقط في قطاع غزة، وكل ذلك قد يحدث دون الحاجة إلى عمل عسكري.
وفي خضم الإبادة الجماعية التي تتكشف في غزة، فإن وقف تمويل الأونروا من شأنه أن يجعل مستقبل اللاجئين الفلسطينيين أكثر ضبابية بعد اتفاقيات التطبيع بين الدول العربية وإسرائيل وسط التهديدات المتزايدة بتصفية القضية الفلسطينية.
علاوةً على ذلك، وحيث يتم حماية اللاجئين الفلسطينيين المسجلين لدى الأونروا واعتبارهم مجموعة لها حق العودة بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194، فإن تصفية الأونروا باعتبارها الوكالة الوحيدة المعنية باللاجئين الفلسطينيين من شأنه أن يلغي الالتزام الدائم الأخير تجاه محنة اللاجئين الفلسطينيين وحقوقهم العادلة والجماعية في العودة.
ويبدو أن توظيف تمويل الأونروا كسلاح لتحقيق أهداف سياسية هو الانحطاط الجديد بالنسبة للغرب الذي يبدو أنه لا نهاية لانحرافه الأخلاقي.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)