بقلم فريد طعم الله
ترجمة وتحرير مريم الحمد
أصدر الرئيس الأمريكي جو بايدن أمراً إجرائياً يستهدف المستوطنين الذين هاجموا الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة مؤخراً، ويتمثل الأمر بفرض عقوبات مالية وحظر تأشيرات الدخول على 4 مستوطنين في الضفة.
في إطار الرد على ذلك، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أن الأغلبية الساحقة من مستوطني الضفة الغربية هم “مواطنون ملتزمون بالقانون” وأن الحكومة الإسرائيلية “تتخذ إجراءات ضد منتهكي القانون في كل مكان دون استثناء” على حد تعبيره.
انطلاقاً من كوني مواطناً فلسطينياً يقيم في الضفة الغربية ويعاني من جرائم المستوطنين بشكل شبه يومي، أستطيع القول أن توصيف نتنياهو ليس دقيقاً أبداً، وأن الأمر الذي أصدره بايدن ليس إلا خطوة بسيطة مقابل حجم الجرائم التي يرتكبها المستوطنون.
لا يعد المستوطنون الأربعة الذين شملهم أمر بايدن حالة استثنائية، فقد واجه الفلسطينيون آلاف الهجمات من قبل المستوطنين، من مهاجمة القرى الفلسطينية وتحطيم المتاجر وحرق المنازل ومهاجمة الفلسطينيين في الشوارع وقتلهم
من ناحية أخرى، وهي الأهم، فإن هذا القرار الأمريكي في حقيقته يسلط الضوء على المستوطنين بمعزل عن مشكلة المستوطنات نفسها، وهذا يعطي انطباعاً خاطئاً بأن من يهاجم الفلسطينيين هم عدد قليل من المستوطنين فحسب!
أصل الموضوع هو أن المستوطنات في حد ذاتها غير قانونية، وبالتالي جميع المستوطنين المقيمين فيها ينتهكون القانون الدولي، كما يتجاهل أمر بايدن التنفيذي الحكومة الإسرائيلية عن عمد، وهي المسؤولة عن إنشاء المستوطنات وتشجيع المستوطنين على الإقامة فيها بل وحتى مساعدتهم على جرائمهم وحمايتهم.
تجدر الإشارة إلى أن أكثر من 700 ألف مستوطن يعيشون في الضفة الغربية المحتلة والقدس الشرقية، فمجرد وجود مستوطن على أرض مسروقة هو جزء من التطهير العرقي لطرد السكان الأصليين واستبدالهم بمستوطنين أجانب!
ولا يعد المستوطنون الأربعة الذين شملهم أمر بايدن حالة استثنائية، فقد واجه الفلسطينيون آلاف الهجمات من قبل المستوطنين، من مهاجمة القرى الفلسطينية وتحطيم المتاجر وحرق المنازل ومهاجمة الفلسطينيين في الشوارع وقتلهم، فقد وقعت أسوأ الهجمات وآخرها تحت حماية الجيش الإسرائيلي، وذلك في بلدتي حوارة وترمسعيا بالضفة الغربية في 2023.
مجتمعات مختنقة
لو توقفنا عند قرية قيرا، مسقط رأسي، على سبيل المثال، فهي قرية صغيرة تقع على بعد حوالي 50 كيلومتراً شمال رام الله، وتحيط بها 6 مستوطنات غير قانونية أقيمت على الأراضي المسروقة من القرى المجاورة، يسكنها مستوطنين يخنقون مجتمعاتنا الفلسطينية ويحولون حياتنا إلى جحيم لا يطاق.
لقد منعتنا هجمات المستوطنين من استخدام الطرق الرئيسية وتطوير بنيتنا التحتية وتوسيع قرانا والحصول على إمدادات المياه، وفي المقابل، توسعت المستوطنات مع توفير بنية تحتية متكاملة لها، أما مساحتنا، فهي تتقلص باستمرار، فنحن لا نستطيع حتى الزراعة في المناطق المجاورة للمستوطنات.
منذ 7 أكتوبر، يفرض جيش الاحتلال الإسرائيلي قيودًا مشددة على الحركة تجبرنا على استخدام طرق بديلة للتنقل بين المدن، فالطرق الرئيسية مخصصة للمستوطنين فقط
ولا يخفى على أحد قيام الحكومة الإسرائيلية بحماية المستوطنين وتشجيعهم على جرائمهم من خلال عدم محاسبتهم، بل إن بعض وزراء الحكومة مستوطنون أو نشطاء مؤيدون للمستوطنين، بما في ذلك وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ورئيس الوزراء السابق نفتالي بينيت.
أوضح الردود على أمر بايدن كان على لسان وزير المالية الإسرائيلي المتطرف، بتسلئيل سموتريش، والذي ضغط مؤخراً من أجل الموافقة على بناء 7000 وحدة سكنية جديدة للمستوطنين في الضفة الغربية المحتلة.
ويعتبر إفلات المستوطنين من العقاب وعدم محاسبتهم سياسة إسرائيلية غير الرسمية تنتهجها الحكومة الإسرائيلية عندما يتعلق الأمر بانتهاكات الحقوق الفلسطينية، فنادراً ما يتم محاكمة المتورطين في هجمات ضد الفلسطينيين.
الحقيقة أن العدد الأكبر من المستوطنين في الضفة الغربية هم جنود إسرائيليين يرتدون ملابس مدنية، وجزء من ميليشيا سلحتها الحكومة لقتل المزيد من الفلسطينيين، خاصة مع قيام الحكومة الإسرائيلية بتسهيلات لترخيص الأسلحة واقتنائها
في يناير الماضي، أطلق مستوطن إسرائيلي وضابط شرطة خارج الخدمة النار على الشاب الأمريكي الفلسطيني، توفيق عجاق البالغ من العمر 17 عاماً، وذلك قرب رام الله، ولكن لم يتم محاسبة أحد، وفي حالة أخرى مؤخرًا، قُتل المزارع الفلسطيني، بلال صالح، من قرية الساوية المجاورة لقرية قيرا برصاص أحد المستوطنين، ولم يتم توجيه أي اتهام إلى الجاني، وكذلك الحال في مقتل المزارع أحمد عاصي البالغ من العمر 38 عاماً وأب لستة أطفال، في ديسمبر 2023 في بلدة قراوة بني حسن.
تصديق القول بالفعل
أفادت جماعة حقوق الإنسان الإسرائيلية “يش دين” أن حوالي 93% من القضايا المتعلقة بعنف المستوطنين في الضفة الغربية المحتلة يتم إغلاقها دون توجيه لائحة اتهام، كما أشارت الجماعة إلى “الفشل المنهجي في إنفاذ القانون للجرائم ذات الدوافع الأيديولوجية ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية”.
الحقيقة أن العدد الأكبر من المستوطنين في الضفة الغربية هم جنود إسرائيليين يرتدون ملابس مدنية، وجزء من ميليشيا سلحتها الحكومة لقتل المزيد من الفلسطينيين، خاصة مع قيام الحكومة الإسرائيلية بتسهيلات لترخيص الأسلحة واقتنائها، وتزامن ذلك مع تصاعد هجمات المستوطنين والجنود الإسرائيليين على البلدات والقرى في الضفة الغربية المحتلة منذ اندلاع الحرب على غزة في أكتوبر.
تدرك الإدارة الأمريكية جيدًا أن عدداً كبيراً من هؤلاء المستوطنين الإرهابيين يحملون الجنسية الأمريكية، حيث تساهم المنظمات الموجودة في الولايات المتحدة في تمويل بناء المستوطنات غير القانونية.
إذا كانت واشنطن جادة في رغبتها في كبح جماح المستوطنين، فعليها إخضاع المستوطنين الأمريكيين للقانون المدني والجنائي الأمريكي وإصدار مذكرات الاعتقال لتحقيق ذلك، كما يجب على الإدارة الأمريكية أيضًا اتخاذ خطوات لمنع جمع التبرعات من الجمعيات والأفراد الأمريكيين لصالح المستوطنات غير القانونية.
لطالما أعلنت الولايات المتحدة معارضتها لبناء المستوطنات فهي تعتبرها “عقبة” أمام السلام ورؤيتها لحل الدولتين، فإن كانت كذلك فعلاً، فعليها اليوم تصديق قولها بالأفعال على الأرض بفرض عقوبات على الحكومة الإسرائيلية شريكة المستوطنين في كل جرائمهم!
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)