بقلم غادة مجدلي
ترجمة وتحرير مريم الحمد
لم تستطع إسرائيل إثبات تورط 12 موظفاً من أصل 12 ألف موظف في وكالة الأونروا في هجوم حماس في 7 أكتوبر، مما يكشف عن الدوافع الحقيقية وراء التهمة الإسرائيلية المزعومة.
يذكرنا الحماس الذي يناقش به الجمهور الإسرائيلي ووسائل الإعلام وصناع القرار مسألة تفكيك الأونروا، بالأجواء التي أحاطت بالهجوم الإسرائيلي على مستشفى الشفاء، والذي اعتبر الكثير من الإسرائيليين تدميره والاستيلاء عليه بمثابة “صورة نصر”.
لقد سعت إسرائيل منذ بداية الحرب على غزة إلى نزع الشرعية عن المستشفيات عبر اتهامها بالانخراط في العمل المسلح لحماس داخل القطاع، بادعاء أن هناك “مراكز قيادة وسيطرة” لحماس تحت مستشفى الشفاء وغيره، مما اتخذته إسرائيل ذريعة لتصبح المستشفيات أهدافًا مشروعة.
وفي ذات السياق تأتي الاتهامات ضد موظفي الأونروا، فانهيار الوكالة يخدم الهدف الحقيقي وراء الادعاء المزعوم، وهي القضاء على شريان حياة رئيسي لسكان القطاع، فإسرائيل تعتقد أن تدمير المستشفيات وتعطيل منظمات الإغاثة وعمال الإنقاذ والوكالات الإنسانية، يساهم في تحقيق هدف الإبادة الجماعية المتمثل في محو الشعب الفلسطيني.
هجمة متعمدة
أعلنت إسرائيل عن ادعاءاتها المزعومة حول موظفي الأنروا في 26 يناير، وذلك بعد ساعات قليلة من إصدار محكمة العدل الدولية حكمها بشأن إجراءات الطوارئ التي طلبتها جنوب أفريقيا في قضية الإبادة الجماعية التي رفعتها ضد إسرائيل.
كان من المفاجئ أن تنشر إسرائيل هذه الادعاءات في ذلك اليوم تحديداً، في اليوم الذي طُلب منها فيه “اتخاذ تدابير فورية وفعالة لضمان توفير المساعدة الإنسانية للمدنيين في غزة”!
من جهتها، أعلنت الأونروا التحقيق في الادعاءات التي زعمتها إسرائيل، حيث استندت تلك الادعاءات إلى معلومات تم جمعها من خلال التحقيقات التي أجراها الشاباك، والتي لم تطلع وكالات الأنباء على أي منها.
ما إن أطلقت إسرائيل تهمتها حتى قرر مانحون وعلى رأسهم الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا تعليق تمويل الوكالة الأممية، حيث زعمت إسرائيل أن 10% من موظفي الأونروا في غزة البالغ عددهم 13,000 موظف “ينتمون إلى حماس أو الجهاد الإسلامي”، وأن “50% منهم أقارب من الدرجة الأولى لأحد نشطاء حماس”.
لم تقدم إسرائيل أي دليل على تلك الادعاءات، الأمر الذي جعل وسائل الإعلام تثير تساؤلات وتشكك في جدية الاتهامات وتأثير القرار الأمريكي المشين بقطع الأموال عن الوكالة.
ليست هذه المرة الأولى التي تتكشف فيها نية الحكومة الإسرائيلية باستهداف الأونروا والقضاء عليها، ففي مقال نشرته صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” في 29 ديسمبر الماضي، تم الكشف عن خطة إسرائيلية مسربة عن وزارة الخارجية الإسرائيلية، لإخراج الأونروا من غزة، مكونة من 3 مراحل.
بالنسبة لإسرائيل، هذه الحرب هي فرصتها لتفكيك الأونروا ومعها حق العودة، مرة واحدة وإلى الأبد
بحسب الوثيقة، تقتضي المرحلة الأولى إلصاق الوكالة بحماس، والثانية تقليص عمليات الأونروا والبحث عن منظمة مختلفة لتوفير خدمات التعليم والرعاية الاجتماعية، وفي المرحلة الثالثة تنتقل جميع مهام الأونروا إلى الهيئة التي تحكم غزة بعد الحرب.
منذ 7 أكتوبر، قتلت إسرائيل 152 عاملاً في الأونروا وألحقت أضراراً بـ 147 منشأة تابعة للأونروا، بوصفها الجهة الأبرز لتقديم مساعدات إنسانية حيوية وعاجلة لحوالي مليوني شخص في غزة من خلال استجاباتها المختلفة للهجوم الأخير.
وفقاً لبيانات الأونروا، فإن ما يقرب من 1.4 مليون نازح يقيمون في 155 منشأة تابعة للأونروا، كما يتلقى ما مجموعه 1.73 مليون نازح المساعدة من الأونروا، من الخدمات الغذائية والصحية إلى خدمات المياه والصرف الصحي والنظافة.
لقد كانت تصريحات الأونروا منذ بداية الهجوم على غزة قوية بشكل ملحوظ، حيث اعتبرت بيانات الوكالة وتصريحات مسؤوليها ذات مصداقية، وبحكم دورها الفريد كهيئة تابعة للأمم المتحدة وأكبر منظمة إنسانية في غزة، فقد قدمت الأونروا مساعدات ملموسة وأنتجت معلومات موثوقة.
لقد كانت الأونروا أيضًا لاعبًا نشطًا وهامًا في المحاولات الجماعية المحلية للبقاء على قيد الحياة في قطاع غزة، كما تعتبر شاهدة على جرائم إسرائيل في محكمة العدل الدولية.
“وجود الأونروا يضمن حق العودة”
تعد خطوة وقف تمويل الأونروا ذات دوافع سياسية متأصلة في أيديولوجية تساوي بين حق العودة الفلسطيني وتدمير إسرائيل، فبالنسبة لإسرائيل، هذه الحرب هي فرصتها لتفكيك الأونروا ومعها حق العودة، مرة واحدة وإلى الأبد.
الخلاصة هي أن القضاء على الأونروا هو في الحقيقة جزء من استراتيجية إسرائيل للقضاء على الفلسطينيين كجماعة واستئصال حقهم في العودة إلى الأراضي والبيوت التي طردوا منها.
كل ألاعيب إسرائيل تهدف في نهاية المطاف إلى تفكيك الأونروا ووقف تمويلها، حتى وإن كان عبر ادعاءات ليس عليها أي دليل، تماماً مثل زعمها أن المرافق المدنية والبنية التحتية التابعة للأونروا تُستخدم لأغراض عسكرية.
لطالما اتهم صناع القرار والمؤسسات والعلماء في إسرائيل الأونروا بأن وجودها هو السبب في استدامة ما يسمونه “الصراع الإسرائيلي الفلسطيني”، وذلك من خلال توسيع وضع اللاجئ ليشمل الملايين من أحفاد الفلسطينيين وتصوير عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم على أنها عقبة لحل “الصراع”.
لقد سعوا إلى تقويض دور الأونروا والحد منه لسنوات طويلة، من خلال الادعاء بأن وضع اللاجئ الذي يتوسع بالأجيال والذي توفره الأونروا ونظامها التعليمي يشكل تهديدًا أساسيًا لإسرائيل، حتى سعت عدد من المؤسسات السياسية والبحثية الإسرائيلية، وعلى رأسها منتدى كوهيليت للسياسات، إلى المساهمة في الجهود الرامية إلى نزع الشرعية عن الأونروا.
يذكر أن منتدى كوهيليت للسياسات، مركز الأبحاث الإسرائيلي اليميني المتطرف، هو المعني بصياغة الأسس الأيديولوجية لبرنامج الإصلاح القضائي الجذري للحكومة الإسرائيلية.
وقد نشر المنتدى عام 2016 تقريراً بعنوان “الأونروا: مساعدة اللاجئين أم مساعدة الإرهاب؟”، بهدف تحديد الإجراءات السياسية والقانونية التي سيتم اتخاذها ضد الوكالة الأممية، كما شارك المنتدى في عدة مناقشات في الكنيست بخصوص الأونروا، مع التركيز على وضع اللاجئين وحق العودة.
في منشورها الأخير الصادر في 12 يناير، كتبت الموظفة السابقة في الخارجية الإسرائيلية، نوغا أربيل: “إن الأونروا، التي يقوض وجودها معنى وجود إسرائيل من خلال تعريف اللاجئين الفلسطينيين، هي في قلب التعليم الفلسطيني السام، حيث تقوم مؤسساتها التعليمية بتدريب الأجيال القادمة من الإرهابيين”.
من جانب آخر، فقد نشر مركز القدس للشؤون العامة، وهو مركز أبحاث إسرائيلي متخصص في الدبلوماسية العامة والسياسة الخارجية، مقالاً عام 2017 جاء فيه: “تستمر المساعدات الدولية للأونروا في تغذية الآلية التي تقوم بتعليم أجيال من الشباب الفلسطينيين الذين يرثون وضع اللاجئين من آبائهم ويتشربون قيم النضال حتى تدمير إسرائيل”.
الخلاصة هي أن القضاء على الأونروا هو في الحقيقة جزء من استراتيجية إسرائيل للقضاء على الفلسطينيين كجماعة واستئصال حقهم في العودة إلى الأراضي والبيوت التي طردوا منها.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)