بقلم سندس شلبي وشاهنده نجيب
ترجمة وتحرير مريم الحمد
في الوقت الذي يخطط فيه الجيش الإسرائيلي لشن هجوم بري على مدينة رفح جنوبي غزة على الحدود مع مصر، تتخوف مصر من مع أزمة إنسانية وتهديد لمعاهدة السلام مع إسرائيل.
تعتبر رفح الملاذ الأخير لما يقرب من 1.4 مليون فلسطيني فروا من القصف الإسرائيلي العنيف، بعد أن تم تصنيفها بأنها “منطقة آمنة”، ولكنها أصبحت مؤخراً هدفاً لقصف جوي من قبل الطائرات والمروحيات الرباعية التي يتم التحكم فيها عن بعد.
محور فيلادلفيا هو عبارة عن منطقة عازلة منزوعة السلاح يبلغ طولها 14 كيلومترًا وعرضها 100 متر على طول الحدود بين غزة ومصر
قبل الحرب، كانت رفح موطنًا لحوالي 250 ألف فلسطيني، واليوم تكتظ بالنازحين من بينهم حوالي 600 ألف طفل يعيشون في خيام مؤقتة في منطقة تبلغ مساحتها 62 كيلومتراً مربعا فقط، ولذلك فإن أي هجوم بري سوف يؤدي إلى “كارثة” إنسانية غير مسبوقة.
تتخوف أيضاً مصر مما تناقلته تقارير عن انتشار القوات الإسرائيلية على طول الحدود المصرية مع غزة، وهو ما قد يكون له عواقب على معاهدة السلام مع إسرائيل رغم نفي وزير الخارجية المصري، سامح شكري، لذلك.
في معاهدة السلام بين إسرائيل ومصر عام 1979، تم تقسيم مدينة رفح، فانسحبت القوات الإسرائيلية من شبه جزيرة سيناء التي كانت تحتلها منذ عام 1967، وتم إنشاء حدود بين مصر وقطاع غزة، مما أدى إلى تقسيم رفح إلى قسمين: جزء مصري والآخر فلسطيني.
نص أحد البنود الرئيسية في المعاهدة على تحديد 4 مناطق في سيناء وإسرائيل بوصفها مناطق منزوعة السلاح، حيث يقع الجانب المصري من رفح ضمن المنطقة (ج)، التي تسمح فقط بنشر قوة شرطة مدنية مسلحة بأسلحة خفيفة، بالإضافة إلى قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة.
مفتاح الحفاظ على السلام والأمن على طول الحدود كان ما يعرف بمحور فيلادلفيا، وهو عبارة عن منطقة عازلة منزوعة السلاح يبلغ طولها 14 كيلومترًا وعرضها 100 متر على طول الحدود بين غزة ومصر.
لاحقاً في اتفاقية فك الارتباط عام 2005، تم فرض سيطرة السلطة على الممر قبل أن تسيطر عليه حماس منذ عام 2007 .
وقد أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، مؤخراً أن إسرائيل “يجب أن نعيد احتلال المحور فهو نقطة عبور جنوبية يجب أن تكون في أيدينا، يجب إغلاقه فمن الواضح أن أي ترتيب آخر لن يضمن نزع السلاح الذي نسعى إليه”.
اتفاقيات إسرائيل ومصر
يرى المحامي جويدة سياسيي، أن احتلال إسرائيل لمحور فيلادلفيا وأي نشر للدبابات هناك سيكون “انتهاكًا صارخًا لمعاهدة السلام”، مشيراً إلى أن ذلك سوف يعتبر احتلالاً غير قانوني لهذا الشريط الضيق”.
ويتفق مع ذلك الخبير والكاتب في شؤون سيناء، مهند صبري، الذي أكد على أن إعادة الاحتلال سوف تشكل “انتهاكاً كاملاً” للشروط الأمنية للمعاهدة، وهو ما لم يحصل حتى في معاهدة فك الارتباط عام 2015.
“هناك إشارات قوية على أن مصر توصلت بالفعل إلى اتفاق شبه نهائي بشأن استقبال فلسطينيي غزة إما جزئياً أو كلياً، وذلك ما سيتم الكشف عنه خلال الأيام المقبلة” مهند صبري- خبير في شؤون سيناء
ويرى صبري أنه حتى لو انتهكت إسرائيل المعاهدة، فمن غير المرجح حدوث مواجهة عسكرية كاملة مع مصر، مشيراً إلى أن “معاهدة السلام لن تتأثر” وأن “التصريحات المتبادلة في وسائل الإعلام ما هي إلا مادة للاستهلاك العام، فما يهم هو ما يحدث خلف الأبواب المغلقة”.
ووفقاً لصبري، فإن مصر لم تفعل الكثير لمواجهة الغزو الإسرائيلي لغزة، رغم قتل ما يقرب من 30 ألف فلسطيني حتى الآن وإجبار مئات الآلاف على النزوح إلى حدودها، خاصة وأن القلق الرئيسي لمصر هو التدفق الجماعي للفلسطينيين وليس السلام مع إسرائيل.
يقول صبري: “إن إعادة احتلال رفح لم يتم رفضه في حد ذاته، بل يتم قبوله في ظل ظروف معينة”، فبالنسبة لمصر والولايات المتحدة فإن الهجوم الإسرائيلي على رفح سيكون مقبولاً طالما أن هناك مكانا يفر إليه المدنيون الفلسطينيون بأمان” فهذا هو الشرط الوحيد.
منطقة عازلة
هناك دلائل تشير إلى أن مصر تستعد لتدفق اللاجئين بالفعل، هذا ما كشفت عنه مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان، مؤكدة أن السلطات المصرية تعمل على تجهيز منطقة عازلة بطول 10 كيلومترات لاستقبال النازحين الفلسطينيين ومن المتوقع الانتهاء من بنائه في غضون 10 أيام.
أظهرت صور الأقمار الصناعية بناء جدار خرساني على طول الحدود، كما كشفت صحيفة وول ستريت جورنال عن أن السلطات المصرية تقوم ببناء “سياج مسور” بمساحة 8 أمتار مربعة لاستيعاب ما يصل إلى 100 ألف فلسطيني.
من جهة أخرى، يهدف البناء إلى “إنشاء منطقة مركزية للحد من تسلل المسلحين إلى سيناء والاستعداد للأسوأ”.
“مصر خضعت حتى الآن لكل شرط إسرائيلي، على سبيل المثال، طُلب من مصر عدم إرسال المساعدات مباشرة إلى غزة وعدم كسر الحصار، وقبلت مصر بذلك” مهند صبري- خبير في شؤون سيناء
وليس هذا المخطط بجديد، فقد تم إنشاء شيء مماثل في أعقاب حرب عام 2014 مع مصر ضد الجماعات المسلحة في شمال سيناء، ولكن الجديد هذه المرة تحصين الجدار بجدران أعلى وتركيب بوابات محصنة للدخول والخروج”.
يؤكد الخبير في شؤون سيناء، مهند صبري، أن هناك “إشارات قوية على أن مصر توصلت بالفعل إلى اتفاق شبه نهائي بشأن استقبال فلسطينيي غزة إما جزئياً أو كلياً، وذلك ما سيتم الكشف عنه خلال الأيام المقبلة”.
تجدر الإشارة إلى أنها ليست المرة الأولى التي تشهد فيها مصر احتمالية استقبال الفلسطينيين ، ففي يناير عام 2008، كانت غزة تواجه أزمة إنسانية ناجمة عن الحصار الإسرائيلي للقطاع تفاقمت بسبب إغلاق مصر لمعبر رفح.
رداً على ذلك، قام الفلسطينيون بتدمير جزء من الجدار على طول الحدود، مما سمح لنحو نصف سكان غزة بالعبور إلى مصر بحثاً عن الغذاء والإمدادات الأساسية، وذلك في عهد الرئيس السابق حسني مبارك، والآن لا تريد مصر تكرار ذلك.
إن أكبر مخاوف الحكومة المصرية هو تسلل المسلحين من غزة، فلا يرى صبري أن هناك مؤشرات على زعزعة استقرار كبيرة في العلاقات بين مصر وإسرائيل منذ بدء الحرب على غزة.
بقول صبري: “مصر خضعت حتى الآن لكل شرط إسرائيلي، على سبيل المثال، طُلب من مصر عدم إرسال المساعدات مباشرة إلى غزة وعدم كسر الحصار، وقبلت مصر بذلك”، كما أنه يتعين على إسرائيل التوقيع على أسماء الجرحى الفلسطينيين وحتى المسافرين العاديين، قبل إجلائهم إلى مصر، فالشيء الوحيد الذي ثبت أن مصر فعلته بالفعل هو التربح من شحنات المساعدات!
للاطلاع على النص الأصلي: هنا