جوزفين فاليسكي
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
خلال الأسابيع الأخيرة، ضجت شوارع المدن الألمانية المختلفة بملايين المتظاهرين ضد اليمين المتطرف وعلى وجه التحديد ضد حزب البديل من أجل ألمانيا.
وجاءت الاحتجاجات عقب ما كشفته إحدى وسائل الإعلام الاستقصائية عن أن السياسيين اليمينيين المتطرفين عقدوا اجتماعًا سريًا مع نازيين جدد معروفين في تشرين ثاني/ نوفمبر، حيث ناقشوا خطة للترحيل الجماعي للأجانب والألمان الذين يعتبرون غير ألمان بما فيه الكفاية.
وفيما لقيت الاحتجاجات ترحيب الشارع الألماني فقد غاب عنها بشكل لافت الملونون الذين يتضامنون مع الفلسطينيين والذين يعتبرون الأكثر استهدافاً بالعنصرية في الوقت الحالي.
ورغم أن الاحتجاجات أدرجت معاداة السامية كشكل من أشكال العنصرية، إلا أنها لم تأت على ذكر الإسلاموفوبيا، على الرغم من حقيقة أن المسلمين والمهاجرين السود والملونين هم المستهدفون أساساً من قبل حزب البديل من أجل ألمانيا، الذي يعد مؤيداً بشدة لإسرائيل.
ففي تشرين الأول/ أكتوبر، طالب الحزب بوقف المساعدات الإنسانية للفلسطينيين، ودعا إلى ترحيل النشطاء المنخرطين في التحركات المؤيدة لفلسطين، كما أن مشاركة المسؤولين الحكوميين في المظاهرات المناهضة للعنصرية في الوقت الذي قاموا فيه بتفعيل السياسات التي دعا إليها حزب البديل من أجل ألمانيا تظهر أن موقفهم المناهض للعنصرية هو مجرد كلام.
ويبدو أن الاحتجاجات الأخيرة المناهضة للعنصرية كانت موجهة نحو استرضاء اللوبي الإسرائيلي، وتمييز نفسها عن الاحتجاجات الأخيرة المؤيدة لفلسطين، وقد أدى ذلك إلى خلق حالة تم فيها استهداف بعض مؤيدي فلسطين غير البيض، حيث علق أحد المتضررين منهم قائلاً: “بعد المظاهرات المناهضة للفاشية على مستوى البلاد، وبينما كان البيض يهنئون بعضهم البعض، كان العرب منشغلين كالعادة بتفقد بعضهم البعض” ]من آثار العدوان الإسرائيلي[.
يسلط هذا الأمر الضوء على مشكلة أوسع بكثير في اليسار الألماني، فهو لا يملك موقفاً واضحاً تجاه فلسطين، وقد يرجع هذا إلى الفكرة الخاطئة التي مفادها أن الشعور الداخلي بالذنب بشأن المحرقة من الممكن أن يُبرأ على نحو ما من خلال الدعم غير المشروط لإسرائيل، أو لأنه يتم قمع التضامن العلني مع الفلسطينيين في المناخ الألماني الحالي على الفور.
تصريح ضعيف
في تشرين الثاني/ نوفمبر، وبعد أن أعلنت غريتا ثونبرج دعمها لفلسطين، نأى الفرع الألماني لحركتها “أيام الجمعة من أجل المستقبل” بنفسه عن الناشطة لأجل المناخ، حيث أعربت كارولا راكيتي، المرشحة البارزة للانتخابات البرلمانية الأوروبية المقبلة عن الحزب اليساري الألماني دي لينكه، عن تفهمها للانتقادات الموجهة إلى ثونبرج.
يتناسب هذا السلوك مع خطوط حزب “دي لينكه”، الذي التزم الصمت بشكل ملحوظ فيما يتعلق بغزة، باستثناء عدد قليل من الأصوات.
ووفقاً لكريستين بوشهولز، السياسية في الحزب، فإن الوضع الحالي للحزب ” غير مريح على الإطلاق، حيث يحاول الحفاظ على التوازن بين انتقاد إسرائيل وانتقاد حماس”.
وبعد البيان الأولي الضعيف الذي صدر في 11 تشرين الأول/ أكتوبر والذي ألقى باللوم على حماس وحدها في التصعيد في غزة، بدا أن قيادة حزب دي لينكه تأمل أن ينسى أعضاؤها (والناخبون المحتملون) هذا الموضوع.
وفي 23 تشرين الأول / أكتوبر، وصفت النائبة السابقة عن حزب “دي لينكه”، بويندينيس ساهرا فاغنكنيخت، غزة بأنها “سجن في الهواء الطلق”، وعندها “نأى” زعيم المجموعة البرلمانية للحزب بنفسه عنها بشدة، كما تم رفض الضغوط التي مارستها التيارات التقدمية في الحزب لتبني لغة أقوى تدعو إلى وقف إطلاق النار في مؤتمره العام حيث فشل برنامج الحزب الأساسي الجديد في ذكر إسرائيل وغزة.
إذا كان اليسار الألماني راغباً حقاً في تجديد نفسه، فيتعين عليه أن يتخلص من خوفه ونفاقه وأن يتخذ موقفاً قوياً من أجل حرية الشعب الفلسطيني.
ولم يقدم الحزب أي رد عندما أعلنت ألمانيا أنها ستدعم إسرائيل في محكمة العدل الدولية، ورغم أن حزب “دي لينكه” قرر رسمياً دعم حركة السلام الإسرائيلية والبرلماني الإسرائيلي عوفر كاسيف، الذي يواجه الطرد من الكنيست لدعمه قضية محكمة العدل الدولية في جنوب أفريقيا، فإنه لا يمكن العثور على مثل هذه البيانات التضامنية مع الفلسطينيين.
وينطبق الانتقاد ذاته على قيادة مؤسسة روزا لوكسمبورغ التابعة لحزب دي لينكه، ففي رسالة مسربة من شهر تشرين الثاني / نوفمبر، انتقد موظفو المؤسسة في فلسطين والأردن موقفها الضعيف تجاه غزة، موجهين النقد إلى ” القمع المنهجي للأصوات الفلسطينية لإدامة رواية الظالم”.
القيم الجوهرية
ومن الأفضل أن يعود الحزب إلى قيمه الأساسية بعد نتائجه المخيبة في الانتخابات خلال السنوات القليلة الماضية والانقسام الداخلي الذي عصف به العام الماضي، حيث ترك عشرة من نوابه البالغ عددهم 38 بقيادة سارة فاغنكنيخت الحزب وبالتالي فقد مكانته ككتلة في البرلمان الألماني.
وبعد ذلك، أسست فاغنكنيخت حزبها الجديد بوندنيس ساهرا فاغنكنيخت (BSW)، والذي يمكن أن يعرض وجود حزب دي لينكه للخطر، ورغم أن سياسات الحزب الجديد ليست تقدمية على الإطلاق، ورغم إمكانية وصف موقفه بشأن الهجرة بالموقف اليميني، فإنه يقدم نفسه على أنه الحزب الوحيد الذي يقف حقاً إلى جانب السلام.
واتهمت فاغنكنيخت إسرائيل بشن “حرب بلا رحمة” في حين قال زوجها وزميلها في الحزب أوسكار لافونتين أن إسرائيل ترتكب “جرائم حرب” لكنه أكد أن من واجب ألمانيا الدفاع عن اليهود وعن إسرائيل، ويبقى أن نرى ما سيحدث لهذا الموقف في الممارسة العملية.
وبعد الانقسام، تعهد الحزب بتجديد نفسه لكن أداءه الضعيف في استطلاعات الرأي يظهر أن أنصار الطيف اليساري أصبحوا محبطين، حيث أظهر الاستطلاع الأخير أن شعبية الحزب بلغت 3.5% على المستوى الوطني، مقارنة بـ 7.5% لحزب BSW المنافس.
ويشعر الكثير من كوادر حزب دي لينكه، وخاصة الشباب الملونين أو القادمين من خلفيات مهاجرة أن اتخاذ موقف قوي بشأن فلسطين هو بمثابة نجاح أو فشل لأي حزب يريد أصوات الناخبين.
وذات يوم كتبت الناشطة روزا لوكسمبورج: ” الشيء الأكثر ثورية الذي يمكن للمرء أن يفعله هو أن يعلن دائما عن ما يجري بصوت مرتفع”.
وبعد الحكم الأخير الذي أصدرته محكمة العدل الدولية، لم تعد هناك أعذار، فأي لاعب سياسي لا يتخذ موقفاً واضحاً ضد تصرفات إسرائيل يوافق بصمت على الإبادة الجماعية المستمرة.
وإذا كان اليسار الألماني راغباً حقاً في تجديد نفسه، فيتعين عليه أن يستجيب لنداء لوكسمبورج ويتخلص من خوفه ونفاقه ويتخذ موقفاً قوياً من أجل حرية الشعب الفلسطيني.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)