بقلم ريحان الدين
ترجمة وتحرير مريم الحمد
رغم اشتهاره بشكل رئيسي كمدافع عن الحقوق المدنية للمجتمعات السوداء في الولايات المتحدة، إلا أنه قضى أيضًا معظم حياته يتحدث عن نضالات الشعوب في جميع أنحاء العالم، خاصة خلال السنوات الأخيرة من حياته، وذلك بعد انفصاله عن منظمة “أمة الإسلام” ذات الطابع القومي المتطرف فيما يتعلق بقضايا السود.
خلال رحلاته المكثفة في كل من إفريقيا والشرق الأوسط في عام 1964، التقى مالكوم بالعديد من زعماء الدول الأفريقية والعربية في مرحلة ما بعد الاستعمار، بما في ذلك الرئيس المصري آنذاك جمال عبد الناصر ورئيس الوزراء الغاني كوامي نكروما ورئيس غينيا أحمد سيكو توري.
عند عودته إلى نيويورك في ديسمبر 1964، صرح مالكوم اكس بالقول: “أود أن أؤكد، خاصة لأولئك الذين يطلقون على أنفسهم قادة، أهمية إدراك العلاقة المباشرة بين نضال الأمريكيين من أصل أفريقي في هذا البلد ونضال شعبنا في جميع أنحاء العالم”.
“لقد وضع الإمبرياليون الأوروبيون المتآمرون إسرائيل في موضع حيث يمكنها تقسيم العالم العربي جغرافياً والتسلل وزرع بذور الشقاق بين الزعماء الأفارقة وتقسيم الأفارقة ضد الآسيويين”
مالكوم اكس
كان نضال الشعب الفلسطيني من بين تلك القضايا العالمية التي أشار إليها مالكوم اكس، خاصة وأنه قد شهد النكبة عام 1948، وفي هذا السياق زار مالكولم فلسطين مرتين، وذهب إلى القدس عام 1959 ثم إلى غزة لمدة يومين في سبتمبر 1964 في رحلة موثقة حتى اليوم.
زيارة غزة
وصل مالكولم إلى غزة قادماً من مصر في 5 سبتمبر عام 1964، حيث كانت غزة تحت سيطرة مصر في ذلك الوقت، وبالتالي كان السفر بين المنطقتين سلسًا نسبيًا.
وفقًا لمذكرات سفره، فقد زار مالكوم مخيم خانيونس للاجئين، الذي تم إنشاؤه عام 1949 بعد النكبة لإيواء النازحين من أجزاء أخرى من فلسطين، كما زار مستشفى محلي وتناول العشاء مع الزعماء الدينيين في غزة.
في غزة التقى مالكوم أيضاً بالشاعر الفلسطيني الشهير هارون هاشم رشيد، الذي وصف له كيف نجا بأعجوبة من مذبحة خان يونس عام 1956، فخلال المذبحة داهمت القوات الإسرائيلية منزلاً تلو منزل وأعدمت ما مجموعه 275 فلسطينياً في جنوب غزة.
كتب مالكولم في مذكراته: “في الساعة 8:25 مساءً، غادرنا إلى المسجد للصلاة مع العديد من العلماء الدينيين، كانت روح الله قوية”، وفي ختام الزيارة زار مبنى البرلمان في غزة وعقد مؤتمراً صحفياً مع مختلف الشخصيات المحلية، فكتب: “هناك أمطروني بالهدايا” والتي كان من بينها صورة للسد العالي في أسوان كانت قد أُزيلت من أحد جدران مبنى البرلمان.
غادر مالكوم غزة ظهر يوم 6 سبتمبر وعاد إلى القاهرة، حيث التقى بأعضاء منظمة التحرير الفلسطينية المشكلة حديثًا، بمن فيهم أحمد الشقيري، أول رئيس للمنظمة.
مقال “المنطق الصهيوني”
بعد أيام من رحلته إلى غزة، كتب مالكولم أحد أهم مقالاته عن القضية الفلسطينية، حيث نشر مقالاً بعنوان “المنطق الصهيوني” في صحيفة “الجريدة المصرية” التي تصدر في القاهرة في 17 سبتمبر 1964.
“قبل ألف عام فقط، كان المغاربة يعيشون في إسبانيا، فهل يمنح هذا المغاربة اليوم الحق القانوني والأخلاقي لغزو شبه الجزيرة الأيبيرية، وطرد مواطنيها الإسبان، ثم إقامة دولة مغربية جديدة مكان إسبانيا؟ أليس هذا ما فعله الصهاينة في فلسطين؟” – مالكوم اكس
وفي المقال يصف مالكوم الصهيونية بأنها “شكل جديد من أشكال الاستعمار” الذي يبدو “خيّرًا” و”خيريًا”، محذراً من استغلال إسرائيل للصعوبات الاقتصادية التي تمر بها الدول الإفريقية المستقلة حديثاً من خلال المساعدات الاقتصادية.
من جانب آخر، اتهم مالكوم في مقالته الغرب بمحاولة تقسيم الأفارقة والآسيويين على الصعيد الاستراتيجي وذلك من خلال إنشاء دولة إسرائيل، فكتب: “لقد وضع الإمبرياليون الأوروبيون المتآمرون إسرائيل في موضع حيث يمكنها تقسيم العالم العربي جغرافياً والتسلل وزرع بذور الشقاق بين الزعماء الأفارقة وتقسيم الأفارقة ضد الآسيويين”.
واسترسل مالكوم بالقول: “لقد استغلت الدعاية الصهيونية استمرار انخفاض مستوى المعيشة في العالم العربي بمهارة ليظهر للأفارقة أن الزعماء العرب غير مؤهلين فكرياً أو فنياً لرفع مستوى معيشة شعوبهم، وبالتالي حث الأفارقة بشكل غير مباشر على الابتعاد عن العرب والتوجه نحو الإسرائيليين للحصول على المعلمين والمساعدة الفنية”.
وفي القسم الأخير من المقال، شكك مالكوم في مبرر إسرائيل لإقامة دولة على أساس “الأرض الموعودة”، مشيراً إلى أنه “لو كان ادعاء الصهيونية صحيحاً بأن مسيحهم سيقودهم إلى أرض الميعاد، وأن احتلال إسرائيل الحالي لفلسطين العربية هو تحقيق لتلك النبوءة، فأين هو مسيحهم؟” .
بعد ذلك، أجرى مقارنة مع الحكم الإسلامي لإسبانيا، فكتب: “قبل ألف عام فقط، كان المغاربة يعيشون في إسبانيا، فهل يمنح هذا المغاربة اليوم الحق القانوني والأخلاقي لغزو شبه الجزيرة الأيبيرية، وطرد مواطنيها الإسبان، ثم إقامة دولة مغربية جديدة مكان إسبانيا؟ أليس هذا ما فعله الصهاينة في فلسطين؟”.
اغتيل مالكولم في 21 فبراير 1965، وذلك في إطلاق نار أثناء إلقائه خطابًا في قاعة أودوبون في مانهاتن، ثم واصل نشطاء أمريكيون سود نهجه المؤيد لفلسطين بمن فيهم ستوكلي كارمايكل وأنجيلا ديفيس وشخصيات أخرى، وفي عام 1969، ذهب كليفر للقاء ياسر عرفات، زعيم منظمة التحرير الفلسطينية آنذاك.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)