بقلم فريد طعم الله
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
في الوقت الذي تدرس فيه عدد من الدول الغربية بما فيها الولايات المتحدة، إمكانية الاعتراف بالدولة الفلسطينية ترفض الحكومة الإسرائيلية علناً أي محاولة دولية لفرض حلّ.
عانينا كفلسطينيين منذ عقود من الاحتلال الإسرائيلي وسرقة أراضينا وقتل شعبنا وتشريده، واستناداً إلى تجربتنا الطويلة والمريرة مع الولايات المتحدة وحلفائها فإن لدينا شكوكاً كبيرة حول جدية نواياها المعلنة.
هل لاحظت الحكومات الغربية أخيراً الفيل الموجود في الغرفة؟ هل أدركت حقاً ضرورة إنهاء الاحتلال والظلم، أم أن هذه الممارسة برمتها ليست أكثر من مجرد مسكن لامتصاص غضب الرأي العام؟
تبدو تصريحات الحكومات الغربية الأخيرة حول الاعتراف بالدولة الفلسطينية فضفاضة للغاية وتفتقر إلى جدول زمني واضح أو تدابير عملية لإجبار إسرائيل على الامتثال.
أما الفلسطينيون، فلا يمكنهم العودة إلى عملية لا نهاية لها مثل أوسلو، والتي لم تسفر عن نتائج ملموسة ولا ينبغي منح إسرائيل حق النقض بشأن إقامة دولة فلسطينية.
هناك العديد من الأسئلة كذلك حول تركيبة دولتنا التي طال انتظارها وحدودها، هل ستتوافق مع قرار الأمم المتحدة رقم 181، الذي رسم حدودًا دقيقة؟ أم أنها ستستند إلى “صفقة القرن” في عهد ترامب، والتي تصورت إنشاء “بانتوستانات” فلسطينية وأعطت إسرائيل الضوء الأخضر لضم جزء كبير من الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة؟
كما أن مصير المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية، التي يسكنها مئات الآلاف من المستوطنين، غير واضح أيضًا، هل سيتم إزالة المستوطنات؟ هل سيصبح المستوطنون مواطنين في الدولة الفلسطينية الجديدة؟
ثم أين ستكون عاصمة الدولة الفلسطينية الجديدة؟ أفي القدس، التي اعترفت بها الولايات المتحدة سابقاً عاصمةً لإسرائيل؟ وماذا عن حق العودة لملايين اللاجئين الفلسطينيين؟
انعدام الثقة
ورغم غموض مواقف الحكومات الغربية بشأن الحدود المحتملة للدولة الفلسطينية، إلا أنها بدت واضحة بشأن مواصفات هذه الدولة: دولة منزوعة السلاح تعيش “في سلام” مع إسرائيل، المدججة بالسلاح والتي تمتلك ترسانة نووية.
ونحن كفلسطينيين لا نثق كثيراً في الحديث الغربي عن الدولة الفلسطينية، وخاصة مع استمرار الولايات المتحدة في استخدام حق النقض ضد قرارات وقف إطلاق النار في غزة، وقد أثبت التاريخ أن الغرب يفتقر إلى الجدية في هذا الصدد عبر سلسلة من الوعود التي لم ينفذها.
ففي التسعينيات، حددت اتفاقيات أوسلو إطاراً زمنياً مدته خمس سنوات للاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة، لكن بناء المستوطنات الإسرائيلية تواصل على قدم وساق وتواصلت إلى جانبه عمليات قتل الفلسطينيين وتهجيرهم.
ليس من المرجح أن نشهد صحوة مفاجئة من جانب هذه القوى الغربية، التي لا تزال تدعم الحرب الإجرامية التي تشنها إسرائيل على شعب غزة
لقد كررت العواصم الغربية وعدها بإقامة دولة فلسطينية مع “خارطة الطريق للسلام” التي اقترحتها اللجنة الرباعية المعنية بالشرق الأوسط المتكونة من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا والأمم المتحدة والتي حددت عام 2005 موعداً نهائياً للتوصل إلى تسوية نهائية، ولكن بناء المستوطنات والاحتلال الإسرائيلي مازالا مستمرين حتى يومنا هذا.
وبينما اعترفت الولايات المتحدة في عام 2017 بالقدس عاصمة لإسرائيل وضغطت على الدول الأخرى للقيام بالمثل، بدا أن العالم قد نسي احتمال قيام دولة فلسطينية، ولم يعد يضع ذلك ضمن “مشروع الشرق الأوسط الكبير” الذي حددت اتفاقات إبراهيم معالمه الجديدة.
والمفارقة أن الحديث الأخير عن الدولة الفلسطينية يأتي من نفس الدول الغربية التي شاركت في حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني في غزة، ورفضت فكرة محاسبة إسرائيل في محكمة العدل الدولية، حيث تتحمل المملكة المتحدة والولايات المتحدة مسؤولية جماعية عن معظم الكوارث التي حلت بالشرق الأوسط خلال القرن الماضي.
وليس من المرجح أن نشهد صحوة مفاجئة من جانب هذه القوى الغربية، التي لا تزال تدعم الحرب الإجرامية التي تشنها إسرائيل على سكان غزة، بل قد يكون هذا جزءاً من خطة لإنقاذ إسرائيل “من نفسها”، وامتصاص الغضب الشعبي إزاء جرائم إسرائيل اليومية ضد المدنيين العزل في غزة.
حفظ ماء الوجه
سيتم عرض حوافز ومكافآت على إسرائيل مقابل وقف المذبحة بحق الفلسطينيين في غزة وأكبرها سيكون التطبيع مع السعودية والاندماج داخل المنطقة.
وعلى الأغلب فإن كل هذا الحديث عن الدولة الفلسطينية يهدف إلى حفظ ماء وجه الأنظمة العربية المتواطئة في الحرب الإسرائيلية الغربية ضد الشعب الفلسطيني، وحمايتها من التداعيات المستقبلية، بهدف نهائي هو استئناف عملية التطبيع الإسرائيلية العربية، وتبدو المملكة العربية السعودية المرشح الأبرز للانضمام إلى قاطرة التطبيع في اليوم التالي لتوقف الحرب.
وضعت الرياض التوصل إلى “حل” للقضية الفلسطينية كشرط للتطبيع، والحديث الأخير في واشنطن ولندن وباريس حول هذه القضية موجه بشكل أساسي إلى النظام السعودي، ويدفعه نحو قطار التطبيع، وهذا من شأنه أن يكسر بشكل نهائي مقاطعة إسرائيل في العالم العربي والإسلامي.
من شأن هذا كله أن يخدم مصالح إسرائيل والدول الغربية الداعمة لها والدول العربية الحريصة على التطبيع معها، ومن شأنه أيضاً تكريس إسرائيل كقاعدة عسكرية واقتصادية متقدمة للهيمنة الغربية على المنطقة.
ولو كانت هذه الدول مهتمة بصدق بإقامة دولة فلسطينية، لكانت قد بادرت لذلك قبل سنوات من حرب الإبادة الجماعية هذه، فعلى الصعيد العالمي، تعترف حوالي 140 دولة بالدولة الفلسطينية لكن الدول الغربية التي تستخدم هذه القضية الآن كأداة سياسية عرقلت قيام هذه الدولة.
إذا كان الحديث الأخير جدياً فعلاً، فلابد من الاعتراف بالدولة الفلسطينية فوراً دون انتظار موافقة إسرائيل، وإذا كان الغرب قد تعلم من أخطاء الماضي فلابد وأن يتحرك لوقف الحرب على غزة، وتجميد النشاط الاستيطاني في الضفة الغربية المحتلة وضمان تطبيق القانون الدولي.
يبدو الحديث عن الاعتراف بالدولة الفلسطينية في الوقت الذي يتم فيه إبادة سكان غزة خدعة صارخة، وما يكشف ذلك هو منح إسرائيل حق النقض على إنشاء دولة فلسطينية، حتى مع تعهد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو برفض “الإملاءات الدولية” وقوله أن إسرائيل ” ستحتفظ بالسيطرة الأمنية الكاملة على جميع الأراضي الواقعة غرب نهر الأردن”.
ولا يمكننا أن نتوقع من الدول الغربية أن تضغط على حكام إسرائيل المتطرفين لحملهم على قبول الدولة الفلسطينية، في حين أن هذه الدول فشلت حتى الآن، إن كانت قد حاولت أساساً، في الضغط على تل أبيب لوقف حرب الإبادة الجماعية التي تشنها ضد الفلسطينيين منذ أكثر من أربعة شهور.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)