يلف الغموض خطة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لحكم غزة ما بعد الحرب ولا يرجح المراقبون أن تحظى باهتمام كبير. وكان نتنياهو قد اقترح في اجتماع لمجلس الوزراء الأمني يوم الخميس أن تستمر إسرائيل في الحفاظ على سيطرتها الأمنية على الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة بعد انتهاء الحرب.
وأشار نتنياهو إلى أن غزة سوف تكون منزوعة السلاح والتطرف على المدى المتوسط، واقترح أن تحتفظ إسرائيل بتواجد على طول حدودها مع مصر، بما في ذلك عند معبر رفح.
وفيما يتعلق بالحكم، اقترح نتنياهو استبدال حماس بممثلين محليين ” لا ينتمون إلى دول أو جماعات إرهابية ولا يتلقون دعماً مالياً منها”.
وقال نتنياهو أيضا إنه يجب حل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) واستبدالها بمنظمات دولية أخرى.
ولم تتضمن المقترحات التي اطلعت عليها رويترز جدولاً زمنياً لتحقيق الأهداف الإسرائيلية المختلفة.
وقال فراس أبو هلال، رئيس تحرير موقع عرب 21 الإخباري: ” الخطة لا تقدم أي حل قابل للتطبيق، بل هي على العكس من ذلك خطة لإعادة احتلال غزة بطريقة مختلفة”.
أما المحاضر المعروف في كلية الدراسات الأمنية بجامعة كينجز كوليدج في لندن أندرياس كريج فعبر عن دهشته من الخطة قائلاً أنها ” لا تمثل تطويراً للتصريحات والرؤى الغامضة التي طرحها نتنياهو وحكومته في الأشهر الأخيرة”.
وشكك كريج في الصياغة المتعلقة بمنح قادة محليين غير مرتبطين بـ “الجماعات الإرهابية” دوراً في إدارة القطاع.
وتساءل كريج: ” هل هذا يعني أن أي شخص عمل في إدارة غزة الحالية وتلقى مدفوعات من خلال الإدارة المركزية لحماس هو الآن إرهابي ولا يمكنه العمل في الإدارة المقبلة؟”.
وأوضح كريج أن مثل هذا النهج يعيد إلى الأذهان ذكريات العملية العسكرية الأمريكية في العراق عام 2003، والتي اجتث فيها حزب البعث الحاكم الذي كان يتزعمه صدام حسين.
وأضاف كريج: ” أكبر وأعظم فشل استراتيجي في العراق كان الاستئصال الكامل للإدارة القديمة، لقد كانت حماس أكثر من حزب البعث متأصلة بعمق في النسيج المحلي للإدارة والحكم، وإلى حد كبير في أي شيء له علاقة بالمجتمع المدني في غزة”.
وأردف بالقول أنه جراء تأصل حماس المجتمعي وبموجب مقترحات نتنياهو، فلن يبقى أي فلسطيني في غزة يمكنه حكم المنطقة.
يذكر أن مقترحات نتنياهو لم تأت على ذكر السلطة الفلسطينية التي تحكم الضفة الغربية المحتلة، سيما في ظل إشاراته مؤخراً بأنه لن يسمح للسلطة الفلسطينية بحكم غزة، لكنه لم يستبعد ذلك خلال اجتماع يوم الخميس.
بدورها ذكرت لاله خليلي، الأكاديمية في معهد الدراسات العربية والإسلامية بجامعة إكستر، إن مقترحات رئيس الوزراء الإسرائيلي هي جزء من التفكير الإسرائيلي لخلق ” شعب مطيع تماماً، ويسيطر عليه مقاول أمني أكثر طاعة من السلطة الفلسطينية”.
وأضافت: ” لقد كان هذا خيالاً للصهاينة التحريفيين الذين تعود جذورهم إلى جد حزب الليكود، الذي عرف نفسه بالفاشي، زئيف جابوتنسكي، الذي اعتقد أن الجدار الحديدي من الحراب اليهودية من شأنه أن يهزم الفلسطينيين ويجبرهم على قبول دولة خاضعة بشكل دائم”.
وقالت الخليلي أنه لا يوجد سبب للاعتقاد بأن مثل هذه التخيلات يمكن أن تحدث، حيث ” أثبت الفلسطينيون طوال القرن الماضي قدرتهم على الصمود وسعة الحيلة والإصرار على كرامتهم وإنسانيتهم وحقهم في تقرير المصير”.
وبالعودة إلى أبو هلال فقد رأى أن إسرائيل لن تجد شركاء فلسطينيين يقومون بدور السلطة المدنية، مشيراً إلى ” إسرائيل جربت خطة مماثلة في سبعينيات القرن الماضي في الضفة الغربية من خلال دعم ما يسمى روابط القرى التي فشلت في النهاية لأن الفلسطينيين تعاملوا مع أعضائها كخونة”.
ولتنفيذ خطط ما بعد الحرب في غزة، ستحتاج إسرائيل أيضًا إلى التشاور مع اللاعبين الإقليميين، بما في ذلك مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر.
وقال أبو هلال إن المقترحات بصيغتها الحالية ” لا تأخذ في الاعتبار مخاوف المصريين”.
ومن المرجح أن تقود الدول العربية عملية إعادة إعمار الأراضي المدمرة بمجرد انتهاء الحرب، إلى جانب الدول الغربية والأمم المتحدة.
ويرى كريغ أن ” إسرائيل تحتاج في الحد الأدنى إلى الحصول على موافقة العالم العربي، ولتحقيق ذلك، يجب أن يكون لديها خارطة طريق واضحة للحكم الذاتي، الذي يجب أن يشمل السلطة الفلسطينية بطريقة أو بأخرى، لكنها تحتاج أيضًا إلى تضمين دوائر انتخابية في غزة لها ارتباطات بحماس”.
وأضاف “لا يمكن الاعتماد على فتح لتولي السلطة وهذا لن يكون مقبولا.”
وقال كريج إن الجيران العرب يتوقعون أن يشمل نزع السلاح انسحاب القوات الإسرائيلية من غزة، وهو الأمر الذي لم يتم الإشارة إليه في خطط ما بعد الحرب.
ويرى أبو هلال أن خطة ما بعد الحرب يجب أن تتضمن الحكم الذاتي السياسي والاقتصادي للفلسطينيين.
وقال أبو هلال إن ” أي خطة قابلة للتطبيق لغزة والضفة الغربية بعد الحرب يجب أن تنهي الحصار المستمر على غزة وتعطي الحق للفلسطينيين في أن يكون لهم مطار وميناء خاص بهم بإشراف أوروبي وعربي”.
وتابع: “يتعين فتح معبر رفح أمام المساعدات والتجارة، وإعطاء الفلسطينيين حقهم في اختيار من يحكمهم، وإنهاء الاستيطان في الضفة الغربية، والتوصل إلى حل سياسي يمنح الفلسطينيين حقوقهم في وطنهم”.