بقلم أمينة الأشقر
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
مع انقضاء كل يوم، يزداد الوضع الإنساني والسياسي تدهوراً في قطاع غزة،
وليس سراً أن المفاوضات بين حماس والحكومة الإسرائيلية وصلت إلى طريق مسدود، وباتت تفتقر إلى الزخم المطلوب لتحقيق اختراق كبير منذ إبرام اتفاقهما الأخير.
ويسلط هذا المأزق الضوء على التحديات المعقدة التي تواجهها حماس، المصنفة كمنظمة إرهابية في المملكة المتحدة ودول أخرى في تأمين مطالبها من إسرائيل.
وكثيراً ما تبادر حماس إلى إطلاق عمليات تهدف إلى جلب إسرائيل إلى طاولة المفاوضات، على أمل أن يؤدي ذلك إلى تقديم تنازلات، ويرجع ذلك جزئياً إلى الجمود الذي طال أمده في الساحة السياسية الفلسطينية بالإضافة إلى الموقف المتقلب للقادة الإسرائيليين المتعاقبين تجاه حكم حماس في غزة.
ويعكس التناقض في النهج الذي تتبناه إسرائيل التعقيدات الجيوسياسية والداخلية الكبيرة التي ميزت علاقتها مع حماس لفترة طويلة سيما منذ سيطرة الأخيرة على غزة.
وتلقي هذه الديناميكية الضوء على المصاعب التي تعتري الطريق نحو حل محتمل للصراع في مشهد يزدحم بالمواقف الراسخة والمظالم التاريخية.
توفرت لحظة محورية في ديناميكيات الصراع الإسرائيلي الفلسطيني في عام 2011، عندما وافقت إسرائيل على إطلاق سراح أكثر من 1000 أسير فلسطيني مقابل إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، الذي أسرته حماس في عام 2006.
وقد حفزت هذه الصفقة التاريخية عملية إعادة تقييم استراتيجي داخل إسرائيل قادت إلى سن تشريع جديد في عام 2014 يهدف إلى تقييد صفقات تبادل الأسرى المستقبلية.
نهج التحول
وبدافع من المخاوف بشأن الأثمان الأمنية والاجتماعية والسياسية لمثل هذه الصفقات، مكّن القانون القضاة من منع إطلاق سراح الأسرى المدانين بارتكاب أعمال خطيرة وسط جدل داخلي حول تبادل شاليط، والذي وضع الضرورات الأمنية في مواجهة الالتزام الأخلاقي باستعادة الأسرى.
واليوم، يشير رد إسرائيل على أسر جنودها على يد حماس إلى تحول عميق في نهجها في التعامل مع مثل هذه المفاوضات كما يسلط الضوء على التحديات المتمثلة في تأمين إطلاق سراح الأسرى من دون الخضوع لمطالب الجماعات المسلحة.
تريد إسرائيل استعادة أسراها من خلال الجهود العسكرية، وتعمل على ضمان عدم تصوير حماس لأي نتائج كانتصارات، وهي الاستراتيجية التي تهدف إلى نقل رسالة مفادها أن احتجاز الرهائن لن يسفر عن مكاسب سياسية.
ومن جانبها، لا تبحر حماس في تفاعلاتها مع إسرائيل فحسب، بل وتتعامل أيضاً مع ديناميكيات إقليمية أوسع نطاقاً، بما في ذلك بين الدول التي تمتلك أسباباً خاصة تجعلها راغبة في تقلص نفوذ الحركة وعلى وجه الخصوص اللاعب المحوري مصر.
إن مثل هذه التقارير والتصريحات تشير إلى التكتيكات النفسية المستخدمة حيث تهدف إسرائيل والولايات المتحدة إلى استغلال رغبة الفلسطينيين في وضع حد للعدوان الإسرائيلي.
معبر رفح في قطاع غزة الذي تسيطر عليه مصر يعتبر بمثابة البوابة الرئيسية للقطاع إلى العالم الخارجي، إلى جانب معبر إيريز الذي تسيطر عليه إسرائيل، ولطالما نظرت مصر إلى غزة من خلال عدسة المخاوف الأمنية خاصة في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي صاحب خطاب التهديد بشأن جماعة الإخوان المسلمين المرتبطة بحماس في نسب أيديولوجي مشترك.
وحتى في الحالات التي تعمل فيها كوسيط بين حماس وإسرائيل، فغالباً ما يُنظر إلى مصر على أنها متأثرة بمصالحها الأمنية الوطنية، مما يضع القاهرة كمشارك نشط في عملية التفاوض بدلاً من كونها ميسراً محايداً، الأمر الذي يخلق طبقة أخرى من التعقيد لحماس في تأمين الصفقات مع إسرائيل.
الديناميات السياسية
بالإضافة إلى ذلك، تطرح الديناميكيات المعقدة داخل المشهد السياسي الفلسطيني تحديات تضع فتح باعتبارها المنافس الرئيسي في وضع استراتيجي يسمح لها بالاستفادة من أي ضعف محتمل لحماس.
تاريخياً، كانت فتح حريصة على استعادة السلطة الفلسطينية للسيطرة على غزة، مما يجعلها خلفاً ممكناً لحماس في مرحلة ما بعد القتال، ويهدف هذا التموضع الاستراتيجي إلى إعادة التأكيد على أهمية السلطة الفلسطينية بالنسبة لحلفائها الغربيين.
ولكن اليوم، بعد مرور ما يقرب من خمسة أشهر على حرب غزة، فإن الافتقار الواضح للاتصال المباشر بين قادة فتح وحماس البارزين يسلط الضوء على الانقسامات الداخلية العميقة، على الرغم من حقيقة أن حماس دعت خلال المراحل الأولى من الحرب إلى الوحدة وشددت على أن اللحظة الراهنة كانت مناسبة جداً لإنهاء الانقسامات الداخلية بين الخصمين.
ومن اللافت للنظر أنه خلال الزيارة التي قام بها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس إلى الدوحة في وقت سابق من هذا الشهر، بهدف تأمين وقف إطلاق النار في غزة، لم يكن هناك ما يشير إلى عقد أي اجتماعات مع ممثلي حماس ما يشير إلى أن فتح تتعمد الابتعاد عن حماس.
وتمتد آثار انفصال السلطة الفلسطينية عن حماس إلى عملية التفاوض الأوسع، ومن شأن المشاركة المباشرة للسلطة الفلسطينية أن تغير الديناميكيات بشكل كبير، نظراً لاعتبارها الكيان الفلسطيني الوحيد المعترف به دولياً والذي يؤدي غيابه إلى تعقيد الأمور بالنسبة لحماس، التي تنظر إليها إسرائيل والولايات المتحدة باعتبارها تفتقر إلى الشرعية والعلاقات الدبلوماسية، ومن شأن ضم السلطة الفلسطينية أن يجتذب دعماً دولياً أوسع وإطاراً معترفاً به للحوار.
ومع تفاقم الأزمة في غزة اقتراب عدد الشهداء المدنيين من 30 ألفاً، أصبحت المفاوضات من أجل وقف إطلاق النار أمراً ملحاً للغاية، حيث يأتي التهديد الذي يلوح في الأفق من جانب إسرائيل بشن غزو بري على رفح، والذي من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم الكارثة الإنسانية بشكل كبير، قبل حلول شهر رمضان المبارك في ظل الهدف المفترض المتمثل في الضغط على حماس لحملها على تقديم تنازلات.
ومن ناحية أخرى، يجري استخدام المعلومات المضللة والتسريبات الإعلامية، بما في ذلك تقرير رويترز عن مسودة اقتراح وقف إطلاق النار والذي شككت حماس في دقته للتلاعب بالمشاعر العامة وتعزيز التوقعات غير الواقعية بين الفلسطينيين في غزة.
ومن الأمثلة الأخرى تصريح الرئيس الأمريكي جو بايدن “السابق لأوانه” بأن وقف إطلاق النار قد يتم الإعلان عنه في غضون أيام، في حين تقول حماس أن قضايا رئيسية لا تزال معلقة.
وتشير مثل هذه التقارير والتصريحات إلى التكتيكات النفسية المستخدمة، حيث تهدف إسرائيل والولايات المتحدة إلى استغلال رغبة الفلسطينيين في وضع حد للعدوان الإسرائيلي وهكذا أصبح الصراع معركة على الأرض وعلى قلوب الناس وعقولهم، وسط طوفان من المعلومات المضللة واليأس المتزايد.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)