مع بزوغ فجر كل صباح، يدفع محمود حمادة بقاربه إلى البحر وهو يدرك أنه قد لا يعود أبداً، فقد يتم إطلاق النار عليه مع اقتراب ساعات الظهيرة.
ويوفر صيادو غزة البالغ عددهم 4000 صياد الأسماك الطازجة لنحو 2.2 مليون فلسطيني يتضورون جوعاً في القطاع على الرغم من القيود الصارمة التي فرضتها إسرائيل على صيد الأسماك في مياه غزة، والتي أصبحت أكثر صرامة منذ اندلاع الحرب.
وفيما كان يقف على شاطيء بحر دير البلح قبل شهر من الآن قال حمادة: ” لديك مساحة محدودة قد تكون آمنة للصيد فيها، وإذا تجاوزت إلى أبعد من ذلك، ستقترب منك سفينة إسرائيلية وتقتلك“.
وأضاف: ” أنا أعمل في صيد السمك منذ أكثر من 20 عاماً، لكنني لم أمر بمثل هذا الوقت من قبل، أتمنى أن تنتهي هذه الحرب قريباً جداً لأننا ننزف منذ خمسة أشهر، ولم يعد بإمكاننا تحمل ذلك”.
وبعد أسبوعين من تلك المقابلة، استشهد حمادة بالرصاص أثناء محاولته إنقاذ طفل يبلغ من العمر تسع سنوات من مرمى النيران الإسرائيلية.
ومن المؤلم أن محمد حمادة نجل محمود البالغ من العمر 15 عاماً شهد قتل والده بعينيه، حيث قال واصفاً الحادث: ” أطلق القناص النار على الطفل مرتين في رقبته، فسقط رأسه عن جسده، وحاول والدي أن يأخذ جثته، كأقل ما يستطيع فعله، ولسوء الحظ، أطلقت دبابة النار على رأسه، مما أدى إلى تدمير جمجمته“.
كان لدى حمادة الأب ثمانية أطفال وكان لديه أيضاً ورشة عمل بالقرب من منزله في مخيم الشاطئ للاجئين بمدينة غزة، لكن القصف الإسرائيلي دمرها مع مقتنياتها التي أمضى عقدين في جمعها، وكان حمادة وعائلته يعيشون في خيمة في دير البلح عندما استشهد.
وكان حمادة قد قال قبل استشهاده: ” نحن نقاتل حرفياً من أجل وجودنا الذي يتلاشى تدريجياً“.
المخاطر والقيود
يؤكد قتل حمادة أنه لا مكان آمن للفلسطينيين في قطاع غزة، الذي باتت وظيفة الصيادين المحفوفة بالمخاطر فيه أكثر أهمية من أي وقت مضى.
فقد ذكر عماد الأقرع، وهو صياد من دير البلح، أنه تعرض لإطلاق النار نحو 20 مرة خلال الأشهر الأخيرة.
وتابع: “في كل مرة كنت أتعرض لهجوم مباشر من قبل البحرية الإسرائيلية، أعلم أن الأمر يهدد حياتي، ولكن كيف يمكنني العيش إذا لم أكسب لقمة عيشي من خلال مهنتي كصياد سمك؟“
ويستخدم الأقرع وزملاؤه الصيادون قوارب صغيرة وبسيطة مصنوعة من الخشب أو البلاستيك تحركها مجاديفهم المحلية الصنع، مضيفاً: ” في بعض الأحيان نستخدم أيدينا بدلاً من المجاديف“.
“بمجرد أن يروك ستسمع صدى الرصاص وهو يضرب قاربك” – عماد الأقرع، صياد
وأضاف: ” ما أن نصل إلى البحر، حتى تقترب السفينة العسكرية وتبدأ في إطلاق النار علينا، لكن لماذا؟ نحن مجرد صيادين“.
وقبل السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، لم يكن يُسمح للصيادين الفلسطينيين بالصيد في نطاق يزيد عن ستة أميال قبالة ساحل غزة.
وعلى الرغم من أن ذلك قد حد من حجم وتنوع الأسماك التي يمكن للفلسطينيين صيدها، إلا أن الصيادين تمكنوا من تزويد موائد العشاء في غزة بالسردين والجمبري والتونة والأخطبوط وأكثر من ذلك بكثير.
لكن اليوم، لا يمكن الوصول إلا لمساحات أقل بكثير من المياه الساحلية وهو ما قلل من كمية الصيد، حيث أكد الأقرع أنه يحصل الآن على حوالي كيلوغرامين أو ثلاثة كيلوغرامات فقط من الأسماك يومياً، أي حوالي ربع ما كان يصطاده قبل الحرب.
ومضى يقول: ” المسافة القصوى التي يمكننا الوصول إليها هي حوالي 400 متر، وفي كل يوم نختبر تحدياً مختلفاً فقد نتعرض للهجوم على مسافة 10 أمتار أو 50 متراً أو 200 متر أو 400 متر، لكن من المستحيل التقدم أبعد من ذلك“.
وتابع: “عندما يرونك في البحر، يمكنك سماع صدى الرصاص الذي يصيب قاربك، وفي أغلب الأحيان، يتعين علينا النزول من قواربنا والسباحة من أجل البقاء، إنه أمر مرعب للغاية”.
وخلال الشهر الماضي، استشهد قريب الأقرع بنيران إسرائيلية أثناء خروجه للصيد بعدما أصيب برصاصتين في رقبته، فيما لا يزال الرجل الذي كان معه في العناية المركزة.
وقال الأقرع: ” في معظم الأيام، لا نحصل على شيء، ماذا يمكنك أن تقول لعائلتك الجائعة عندما تعود خالي الوفاض؟ إنه أمر مؤلم للغاية“.
وأدت الحرب التي شنتها إسرائيل على غزة إلى استشهاد أكثر من 30 ألف فلسطيني وخلقت أزمة إنسانية.
وقالت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) يوم الجمعة أن نحو 97 شاحنة مساعدات كانت تدخل غزة يومياً خلال الشهر الماضي، مقارنة بـ 150 شاحنة في كانون الثاني/ يناير، موضحةً أن هناك حاجة إلى 500 شاحنة مساعدات يومياً لتلبية الاحتياجات الملحة للفلسطينيين.
ومع ندرة الغذاء، ترتفع أسعاره في القطاع المحاصر، حيث قال حسين الرملاوي، وهو أب لأربعة أطفال من حي التفاح في مدينة غزة، ومهجّر حالياً إلى دير البلح، إنه من الصعب العثور على أي سمك في السوق.
وأضاف: ” ما تم العثور عليه قليل للغاية، الأسماك باهظة الثمن، على سبيل المثال، يمكنك شراء كيلو من الجمبري مقابل 45 دولاراً، لكن هذا أمر لا يمكن ببساطة تحمله“.