قصة ميدل إيست آي
ترجمة وتحرير مريم الحمد
كان دياب الظاظا صاحب الـ 77 عاماً، يستقبل رمضان كل عام مع عائلته بتزيين شوارع الحي، وكان يتجول مع أطفاله العشرة بالقرب من منزلهم يوزعون الفوانيس والحلويات على جيرانهم.
في كل عام ينتظر سكان غزة الشهر الفضيل بفارغ الصبر، لكن شهر رمضان هذا العام، جاء قلقاً حزيناً بعد أكثر من خمسة أشهر من الحرب على القطاع، قُتل فيها أكثر من 30,900 فلسطيني وأصيب 70,000 آخرين، فيما أعلنت الأمم المتحدة أن 80% من غزة لم تعد صالحة للسكن مع بلوغ معدل الجوع يصل إلى 100%.
بقدر ما نخلق أجواء لطيفة، إلا أن هناك شعوراً عميقاً بالألم والحزن في داخلنا، فلا يوجد منزل في غزة لم يقتل أو يُسجن فيه أحد أفراد الأسرة” – خليل عطا الله- مواطن من غزة
يقول السبعيني دياب: “لقد مررت بمصاعب كثيرة، ولكن لم أعش أيامًا أصعب من هذه الأيام بسبب الجوع والعطش والخسارة والفراق”، فقد انفصل ظاظا عن عائلته بسبب القصف الإسرائيلي، فزوجته رفضت الانتقال إلى الجنوب مع أبنائهما وبناتهما، مما جعله غير قادر على رؤية أبنائه العشرة وأحفاده الخمسين.
يقول دياب: “إننا نعيش الآن في ظروف أسوأ من النكبة، ففي وقت النكبة كان هناك عدد أقل من الناس والبلد كان مفتوحا أما الآن فنحن محاصرون من كل الجهات”.
وأضاف: “رمضان هذا العام حزين لأن الحرب لم تترك لنا شيئا، فقد دمروا المساجد، حتى المسجد العمري الذي كان عمره أكثر من 1400 عام ولم يعد هناك مكان لصلاة التراويح الآن”.
رمضان في غزة بين الجوع والحصار
كررت الأمم المتحدة ووكالات الإغاثة مراراً تحذيرها من أن غزة على شفا المجاعة، ودعت إسرائيل إلى السماح بدخول المساعدات على الفور، حيث لقي ما لا يقل عن 25 شخصاً حتفهم بسبب سوء التغذية والجفاف منذ بداية الحرب، بما في ذلك طفل يبلغ من العمر 10 سنوات مصاب بالشلل الدماغي.
لقد ترك الجوع المنتشر لدى العديد من الفلسطينيين شعوراً بالقلق خلال الشهر الفضيل، حيث يُتوقع من المسلمين عادةً أن يصوموا عن الطعام والماء من الفجر حتى غروب الشمس، ولا يُعفى من الصيام إلا أولئك الذين يعانون من سوء التغذية والنساء الحائض أو الحوامل أو المرضعات وكذلك المرضى أو المسافرين، وفي حالة غزة فكل ذلك ينطبق على سكان القطاع بعد حصارهم وتجويعهم.
“ليس هناك روح بهجة، كل شيء صعب الحصول عليه، معظم الحلويات التي أصنعها تعتمد على الدقيق والسميد والسكر والمكسرات وماء الورد وغاز الطبخ، وكل هذه الأشياء اليوم يصعب الحصول عليها أو لا تتوفر إلا بأسعار مرتفعة جداً” – أبو فائق ضبان- بائع حلويات في غزة
يقول دياب: “نحن نصوم منذ 3 أشهر تقريباً رغماً عن إرادتنا بسبب الجوع لعدم وجود أي طعام متاح للأكل، فأنا فقدت 12 كيلو جرامًا من وزني منذ بداية الحرب، وقد شعرت بالدوار عدة مرات أثناء المشي مع زوجتي”، كما أنه أصيب قبل ذلك بجلطة دماغية، في حين أن زوجته مريضة بالسكري وهي مضطرة إلى تقسيم حقنة الأنسولين العادية إلى 3 جرعات بسبب ندرة الدواء.
“نحن نحب الحياة و نستحق أن نعيش”
لقد قطعت إسرائيل جميع أنواع الوقود والغذاء والمياه والمساعدات والكهرباء عن غزة منذ 9 أكتوبر، مما أدى تدريجياً إلى انهيار القطاع الطبي والمستشفيات هناك بشكل كامل، وتعرضت المخابز ومحلات السوبر ماركت والصيدليات للقصف، مما أجبر الناس على البحث عن بقايا الطعام من أجل البقاء على قيد الحياة.
كان خليل عطا الله ذو الـ 42 عاماً وأب لستة أطفال، دائما يزين شارع اليرموك قبل شهر رمضان، وكان يأمل في هدنة هذا العام ليتمكن من الراحة من الموت والدمار، يقول: “اعتدت كل عام على رؤية الأسواق مفتوحة قبل شهر رمضان، ورؤية أجمل الفوانيس والزخارف والأحياء المطلية، فهناك تقاليد وعادات وطقوس دينية معينة تنشر الفرح في قلوب الجميع”.
وأضاف: “لكن حينا تل الهوى هذا العام مدمر منذ الأسابيع الأولى وقد نزحنا منه، واليوم نعيش حرب جوع، مع بيت كئيب فقدت فيه أكثر من 50 فرداً من عائلتي في القصف، ولذلك رمضان هذا العام مختلف بكل المقاييس”.
رغم الظروف الصعبة، فقد قرر عطا الله تزيين شارع اليرموك الذي يقيم فيه الآن، مشيراً إلى أنه يريد “تثبيت الناس فنحن نحب الحياة ونستحق أن نعيش”، وأضاف: “لكن بقدر ما نخلق أجواء لطيفة، إلا أن هناك شعوراً عميقاً بالألم والحزن في داخلنا، فلا يوجد منزل في غزة لم يقتل أو يُسجن فيه أحد أفراد الأسرة”.
الاضطرار للعمل من أجل العيش في رمضان
منذ بداية الحرب، أدت ندرة الغذاء إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية،
وفي ذلك تقول فاطمة مدوخ ذات الـ 38 عاماً وأم لستة أطفال، أنها لا تشعر بأنها مستعدة لشهر رمضان، مشيرة إلى أنه “رغم أنه شهر الخير والبركة، إلا أنني وعائلتي جميعنا جائعون، لم أكن أعمل قط قبل الحرب، لكن الآن، أنا وجميع أطفالي نعمل بسبب هذا الوضع”.
تضطر فاطمة إلى خلط الدقيق مع الشعير والقمح والذرة وعلف الطيور أو أي شيء آخر يمكن أن تصل إليه يدها لإطعام أطفالها، تقول: “زوجي مريض ولا يستطيع العمل، وأنا أعمل يومياً من 4 صباحاً حتى 5 مساءاً حتى أستطيع توفير أي شيء لعائلتي، نأكل مرة واحدة فقط، وفي كثير من الأحيان لا نستطيع النوم بسبب آلام الجوع”.
أما أبو فايق ضبان، وهو صانع حلويات يبلغ من العمر 50 عاماً، فيقول أن وظيفته حرمته من أي متعة، يقول: “ليس هناك روح بهجة، كل شيء صعب الحصول عليه، معظم الحلويات التي أصنعها تعتمد على الدقيق والسميد والسكر والمكسرات وماء الورد وغاز الطبخ، وكل هذه الأشياء اليوم يصعب الحصول عليها أو لا تتوفر إلا بأسعار مرتفعة جداً”.
كانت هناك رسالة مكتوبة باللغة العربية على الحائط تقول: “رغم الحرب والجوع… رمضان مبارك”
لقد كان سعر كيس الطحين قبل الحرب 30 شيكل (8 دولارات)، أما الآن فقد وصل سعره إلى أكثر من 1000 شيقل، وبالنسبة لصانع حلويات، فقد كان شهر رمضان هو الوقت الذي يحقق فيه أعلى المبيعات، حيث كان الناس يبحثون عنه للحصول على الحلوى بعد الإفطار، أما اليوم، فقد بات قلقاً على مصدر رزقه.
يقول ضبان: “من الساعة 7 صباحًا عندما أفتح أبوابي، يأتي إلي الكثير من الناس وينتظرون أن أصنع أي نوع من الحلويات، حتى يتمكنوا من شراء كميات صغيرة لإشباع جوعهم، في السابق، كان سعر كيلو العوامة 12 شيكلًا، ولكن الآن بـ40 شيكل لأن سعر الطحين مرتفع جداً”.
وأردف بالقول: “نحن لا نستحق كل هذه المعاناة التي نواجهها، نحن مسالمون ونريد أن نعيش في هدوء”.
الصلاة بين المنازل المدمرة
في أجزاء من شمال غزة، قامت العائلات بطلاء جدران المنازل التي لا تزال قائمة جزئيًا بعبارات وأمنيات لرمضان، وفي مناطق أخرى، يقف الأطفال خلف كشك مؤقت لبيع فوانيس رمضان، على أمل نشر بعض الفرحة وفي الوقت نفسه جني بعض المال.
تقول الطفلة سمر عطا الله من شمال غزة، أنها تريد قضاء شهر رمضان مثل بقية المسلمين حول العالم، قائلة: “كل مسجد في غزة مدمر، وفي كل منزل هناك من قُتل أو جُرح، كيف من المفترض أن نعيش؟ نحن نحاول فقط تعويض الخسارة من خلال نشر القليل من الفرح، ولكني أريد أن أبكي فكل شيء مدمر، كنا نسمع الأذان من المساجد قبل الحرب، والآن لا شيء”.
أضافت سمر بصوتها البريء: “سنظل نصلي في بيوتنا المدمرة، لكننا أردنا أن نصلي صلاة التراويح الجميلة في المساجد”، وعلى بعد أمتار من مكان وقوفها، كانت هناك رسالة مكتوبة باللغة العربية على الحائط تقول: “رغم الحرب والجوع… رمضان مبارك”.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)