بقلم نور طه
ترجمة وتحرير مريم الحمد
لقد شاهد كل العالم مجتمعنا الطلابي في جامعة كاليفورنيا في ديفيس في 15 فبراير، وهو يحتفل بإقرار الإجراء التاريخي للمقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS) دعمًا لحقوق الإنسان الفلسطيني.
كان هذا أول مشروع قانون لسحب الاستثمارات من إسرائيل تقره مجموعة طلابية في إحدى الجامعات الأمريكية، حيث أضفى القرار طابعًا مؤسسيًا على مقاطعة أكثر من 30 شركة متواطئة بشكل مباشر مع الاحتلال الإسرائيلي في الإبادة الجماعية للفلسطينيين، فالقرار يمنع استخدام رسوم الطلاب البالغة 20 مليون دولار، من أن تُنفق على الشركات التي أدرجتها اللجنة الوطنية لمقاطعة إسرائيل.
رغم الإبلاغ عن العديد من الحوادث التي وقعت إلى القنوات الإدارية المختصة على الفور، إلا أنه لم يتم اتخاذ أي إجراء نهائي ضد أي طالب أو عضو هيئة تدريس قام بالاعتداء أو مضايقة طلاب داخل الحرم الجامعي!
وقد جاء التصويت بعد أشهر من الاحتجاجات والفعاليات والمواجهات بين الطلاب المتضامنين مع الفلسطينيين وإدارة الجامعة التي لم تستمع إلى مطالبنا، حتى جاء القرار الذي شعرنا معه بأننا نحدث تأثيرًا في تحدي النظام الإسرائيلي.
على الجانب الآخر، أدى انتصارنا في قرار المقاطعة إلى حدوث تحول ملحوظ في بيئة الحرم الجامعي لدينا وسرعان ما أصبحنا أهدافًا للانتقام، فقد تفاجأ المدافعون عن إسرائيل في مجتمع الجامعة من القرار، ونتيجة لذلك، شنوا حملة من الترهيب والتشهير لشيطنة وتخويف الفلسطينيين والناشطين المؤيدين لفلسطين.
تصعيد صهيوني
بمجرد إعلان زعيم حكومتنا الطلابية داخل الجامعة عن القرار التاريخي الذي تم إقراره بأغلبية 12 صوتًا مقابل صوت واحد بعد 5 ساعات من المداولات، اغرورقت كل العيون في القاعة بالدموع، فقد كانت دموع الفرح الأولى منذ بدء العدوان على غزة.
احتضن بعضنا بعضاً وكانت أرواحنا مليئة بالأمل والمحبة، فقد أردنا أن نرسل رسالة إلى إخواننا وأخواتنا في غزة بأننا لم ننساهم وسنواصل الدفاع عن حياتهم وحقوقهم وحريتهم.
ليس من الغريب بالتأكيد أن سارعت الجماعات الصهيونية بمهاجمتنا فوراً، فبعد أقل من 72 ساعة من التصويت، تم إبلاغ العديد من الطلاب، وخاصة أولئك الذين يعملون في مجلس إدارة فرع جامعة كاليفورنيا في ديفيس لطلاب من أجل العدالة في فلسطين (SJP) وحتى المحاضرين الضيوف، عن عدة حوادث اعتداء لفظي وأساليب ترهيب.
كانت الإبلاغات تتمحور حول صهاينة يضايقون طلاباً مؤيدين لفلسطين، فقد كان هناك ارتفاع كبير وخطير في الحوادث منذ التصويت على حركة المقاطعة في الشهر الماضي.
على سبيل المثال، فقد تم إيقاف عضو من إدارة مجلس طلاب من أجل العدالة في فلسطين SJP، فبينما كانت بمفردها في مقهى في وسط مدينة ديفيس، تم إيقافها فجأة لأنها تحمل سلسلة مفاتيح عليها خريطة وعلم فلسطينيين، من قبل أحد الصهاينة الذين حضروا التصويت والاعتداء عليها لفظياً من مسافة قريبة جسدياً.
وفي إحدى الأمسيات أثناء وجوده في الحرم الجامعي، تم الترصد لمؤيد لفلسطين من قبل أحد المارة المجهولين الذي صرخ “مغتصب الأطفال” أمام مئات الطلاب الآخرين.
لم يتوقف الأمر عند حرم الجامعة، فحتى الصهاينة الذين ليسوا جزءًا من مجتمع ديفيس كتبوا على وسائل التواصل الاجتماعي في إشارة إلى المؤيدين لفلسطين في ديفيس على أنهم “غوغاء غاضبون”.
رغم الصعوبات، إلا أن جهودنا سواء في تثقيف الجمهور أو الاحتجاج أو دعم الإغاثة الإنسانية أو تمرير مشروع قانون المقاطعة، تثبت أننا لسنا ضعفاء أو عاجزين أو يائسين، فعندما نحشد قوانا، نتمكن بلا شك من اتخاذ خطوات ملموسة نحو فلسطين المحررة
استمر الوضع في التفاقم، حيث تعرض عضو فلسطيني بارز آخر في مجلس إدارة SJP، والذي كان يجلس بمفرده في مجمع الاتحاد التذكاري بجامعة كاليفورنيا في ديفيس بعد ظهر أحد الأيام، لاعتداء لفظي ووصف بأنه “إرهابي” بحضور مئات الطلاب.
وفي 5 مارس، سخر الطلاب الصهاينة ومدوا أصابعهم الوسطى في حركة لا أخلاقية وذلك خلال حفل لجمع التبرعات في الهواء الطلق في الحرم الجامعي لإغاثة غزة.
وفي مساء يوم 6 مارس، حاول صاحب عمل محلي، برفقة اثنين من كبار أعضاء هيئة التدريس بجامعة كاليفورنيا في ديفيس، وهما صهيونيان معروفان، تعطيل حدث طلابي حول المقاومة الفلسطينية. وقد قام نفس الأفراد في السابق بالتهكم على الطلاب الفلسطينيين بالأعلام الإسرائيلية، حيث قاموا بوصف المؤيدين لفلسطين في الحرم الجامعي بأنهم “متعاطفون مع الإرهاب”.
رغم الإبلاغ عن العديد من الحوادث التي وقعت إلى القنوات الإدارية المختصة على الفور، إلا أنه لم يتم اتخاذ أي إجراء نهائي ضد أي طالب أو عضو هيئة تدريس قام بالاعتداء أو مضايقة طلاب داخل الحرم الجامعي!
صناعة التأثير
من الملاحظ أن المواقع الإخبارية المحلية والوطنية السائدة رفضت تغطية هذه القصة المهمة والقرار التاريخي واستبعدت الأصوات المؤيدة لفلسطين من منصاتها، بل على العكس من ذلك، فقد لجأ أعضاء هيئة طلاب ديفيس، الذين يزعمون أنهم يدعمون “بناء السلام”، إلى وسائل الإعلام الإسرائيلية لشيطنة الفلسطينيين ووصفهم بأنهم محرضون متعطشون للدماء ومتعاطفون مع الإرهاب.
لقد ذهبوا إلى حد التعليق على حدث نظمته جامعة كاليفورنيا في ديفيس، حيث قرأ الطلاب أسماء جميع الأطفال الفلسطينيين دون سن 5 والذين قتلوا خلال الهجوم الإسرائيلي على غزة، وقاموا بتمجيد “الشهداء”، فكتبوا اقتباسات مخيفة عن “تقديم القرابين” وأنه “لا تمييز بين المدنيين الأبرياء وإرهابيي حماس”.
وفي الوقت الذي تم فيه تجاهل وقمع وجهات النظر الفلسطينية والمؤيدة لفلسطين من قبل وسائل الإعلام الرئيسية، فإن أعضاء المجتمع الصهيوني الذين طالما اتهموا الطلاب الفلسطينيين بأنهم “ينادون بقتل اليهود”، فقد تم منحهم منصات لمواصلة تشويه نشاطنا باعتباره “معاداة للسامية”!
لن نتوقف عن محاصرة إسرائيل في جامعتنا ولكن مع استخدام الولايات المتحدة حق النقض مراراً ضد قرارات وقف إطلاق النار في الأمم المتحدة، وعدم رغبة أي دولة غربية في تنفيذ حكم محكمة العدل الدولية، فإن الأدوات المتاحة لنا لإجبار إسرائيل على الامتثال للقانون الدولي قليلة للغاية.
سوف نواصل أهم أدواتنا وهو الدعوة إلى مقاطعة إسرائيل لإنهاء الإبادة الجماعية التي ترتكبها بحق الفلسطينيين، فتأثير حركة المقاطعة وقدرتها على فرض التغيير هو السبب وراء لجوء الصهاينة إلى أساليب التشهير والأكاذيب والترهيب وعدوانهم المتزايد يؤكد التأثير الذي نحدثه.
نحن في جامعة كاليفورنيا لم نتعرض حتى الآن لأسوأ السيناريوهات التي حصلت مع شباب فلسطينيين، حيث تعرض العديد منهم لمحاولات اغتيال لمجرد ارتداء الكوفية أو التحدث باللغة العربية في الأماكن العامة، حتى أن طلاب جامعة كولومبيا تعرضوا لهجوم كيميائي في حرمهم الجامعي أثناء احتجاجهم من أجل فلسطين.
من المشجع أيضاً أن نرى جامعات أخرى تحذو حذونا في مقاطعة إسرائيل، ومع سعي المزيد إلى المقاطعة المؤسسية للشركات المتواطئة في العنف الصهيوني، فإن المحاولات اليائسة لعزل مجتمعاتنا والإضرار بها سوف تفشل بالتأكيد.
نحن نحث زملائنا الطلاب أيضاً في كل مكان على المضي قدماً في خطوات مماثلة لما فعلنا من أجل الضغط لمقاطعة إسرائيل ومواجهة المضايقات ومحاولات التشهير الصهيونية.
رغم الصعوبات، إلا أن جهودنا سواء في تثقيف الجمهور أو الاحتجاج أو دعم الإغاثة الإنسانية أو تمرير مشروع قانون المقاطعة، تثبت أننا لسنا ضعفاء أو عاجزين أو يائسين، فعندما نحشد قوانا، نتمكن بلا شك من اتخاذ خطوات ملموسة نحو فلسطين المحررة.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)