بقلم بيتر أوبورن
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
حين جرى استدعاء ديفيد كاميرون إلى منصب وزير خارجية المملكة المتحدة في أواخر العام الماضي، سادت وعلى نطاق واسع نظرةٌ لذلك باعتباره ضربة حظ جيدة لسياسي فاقد للمصداقية تضررت سمعته بسبب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي قبل أن يدمرها دوره في فضيحة الضغط في جرينسيل.
مثلت هذه العودة فرصة لرئيس الوزراء السابق لإعادة بناء سمعته كرجل دولة دولي جاد، ولكي نكون منصفين، ففي أيامه الأولى في منصبه الجديد، كان كاميرون يتسم بالتبجح والإحساس بالهدف الذي استعصى على سلفه جيمس كليفرلي.
لكن وظيفة أحلام كاميرون تحولت اليوم إلى كابوس، إذ لايزال يُذكر بأنه رئيس الوزراء غير الكفء الذي أطلق كارثة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وبعد ترك منصبه، تم جره إلى الحضيض من قبل ليكس جرينسيل.
لكن هناك الآن ما هو أكثر قتامةً وما لا يسهل التغاضي عنه ولا يمكن غفرانه، حيث يواجه كاميرون الآن احتمالاً حقيقياً للغاية بأن يدون التاريخ اسمه باعتباره وزير الخارجية البريطاني الذي أعطى الضوء الأخضر للإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة.
ففي غضون أربعة أشهر، اتخذ كاميرون أربعة قرارات جوهرية، كل منها حدد الفترة التي قضاها كوزير للخارجية، لقد كانت جميع القرارات مناسبة سياسياً وحظيت بالتصفيق من أنصاره المحافظين ولاقت استحساناً في إسرائيل وحلت موضع ترحيب كبير في داونينج ستريت تحت رئاسة رئيس الوزراء ريشي سوناك.
غير أنّ كل واحدٍ من هذه القرارات كان مفرغاً أخلاقياً، فقد ألحقت أضراراً جسيمة بالسمعة العالمية للبلاد، وفي المقام الأول من الأهمية أرسلت رسالة إلى حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اليمينية المتطرفة مفادها أن بريطانيا تدعم سياستها الدموية في غزة.
تعليق المساعدات
يتعلق موقف كاميرون الأول بسخريته المبكرة من قضية جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية والتي تتهم إسرائيل بارتكاب جريمة إبادة جماعية في غزة، والتي وصفها بأنها “خاطئة” و”غير مفيدة”، في ظل أن بريطانيا هي من الدول الموقعة على محكمة العدل الدولية، وتحتفل بصوت عالٍ بقيمها، ومن واجبها أن تحترم المحكمة، بالإضافة إلى أن الحجج التي ساقتها جنوب أفريقيا في القضية كانت هائلة.
أما الخطوة المصيرية الثانية التي اتخذها كاميرون فتمثلت في رفضه قبول حكم محكمة العدل الدولية عندما صدر، واختار بدلاً من ذلك معاقبة المحكمة لأنها اتخذت قراراً لم يعجبه.
وجاءت الموقف الثالث لكاميرون في أعقاب حكم محكمة العدل الدولية مباشرة، حين أمر بسذاجة بالكاد تصدق بتعليق مساعدات المانحين البريطانيين لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين على أساس ملف واهٍ وغير مدعوم بالأدلة وزعته إسرائيل يشير إلى أن موظفي الأونروا لعبوا دوراً في الفظائع التي وقعت في 7 تشرين الأول/ أكتوبر.
وكاميرون هو في قلب هذه القرارات، فإذا أوقف مبيعات الأسلحة، فسوف يكون لزاماً عليه أن يشرح لماذا لم يتحرك في وقت أقرب بكثير”.
ويبدو أن كاميرون اتخذ قراره بوقف المساعدات للأونروا، المنظمة الأولى القادرة على تخفيف معاناة الفلسطينيين الذين يعانون من الجوع، بناء على ادعاءات أطلقها طرف معني، ولم يكن لديه أي وسيلة للحكم على صحتها، ومن المخزي أنه لم يتراجع عن ذلك، كما فعلت دول أخرى.
وأنتقل الآن إلى فشل كاميرون الرابع والأسوأ في الحكم على الأمور، وهو يتعلق بمبيعات الأسلحة البريطانية لإسرائيل، والتي كان بإمكانه بل وكان ينبغي عليه أن يوقفها منذ أشهر.
وفي هذا الأسبوع، وبالتنسيق مع النائبة العمالية زارا سلطانة، أرسل أكثر من 130 برلمانياً رسالة إلى كاميرون ووزير الأعمال كيمي بادينوش يطالبون فيها بوضع حد فوري لهذه التجارة القبيحة والمتواطئة.
ويشير الموقعون، ومن بينهم سفير بريطانيا السابق لدى الولايات المتحدة، جون كير، إلى أن “العمل كالمعتاد” فيما يتعلق بصادرات الأسلحة إلى إسرائيل “غير مقبول على الإطلاق”.
الضغط من أجل التصرف
وتشير الرسالة إلى نقطتين مهمتين، أولاهما أنه من المحتمل أن تكون طائرة مقاتلة من طراز F-16 تدخل أجزاء بريطانية في صناعتها قد قصفت أطباء بريطانيين في مجمع في غزة، أي أن أسلحة المملكة المتحدة تستخدم في غزة وحتى ضد مواطنينا هناك.
النقطة الثانية التي تشير لها الرسالة هي أن بريطانيا علقت مبيعات الأسلحة لإسرائيل في صراعين سابقين، وجاء في الرسالة: “اليوم، أصبح حجم العنف الذي يرتكبه الجيش الإسرائيلي أكثر فتكاً إلى حد كبير، لكن حكومة المملكة المتحدة فشلت في التحرك”.
يتمتع توقيت الرسالة بأهمية خاصة فقد جاءت بعد أن رفض نتنياهو طلب مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بوقف إطلاق النار، وعقب قرار كندا بوقف مبيعات الأسلحة مستقبلًا لإسرائيل.
وبالنسبة لكاميرون، فإن القرار الكندي يثير قلقاً خاصاً لأن نظام أوتاوا للموافقة على تصاريح تصدير الأسلحة يشبه إلى حد كبير النظام البريطاني، حيث يحظر القانون الكندي تصدير الأسلحة التي يمكن استخدامها في “انتهاك خطير للقانون الإنساني الدولي” أو “أعمال عنف خطيرة ضد النساء والأطفال”.
ومن ثم فإن وزير الخارجية يواجه ضغوطاً هائلة للتحرك الآن، والغريب في الأمر هو أنه لم يفعل ذلك حتى الآن.
لم يكن هناك نقص في الأدلة على الفظائع التي ارتكبتها إسرائيل منذ أن أصبح كاميرون وزيراً للخارجية في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي وهو على علم تام بهذه الأدلة، كما تنص معايير المملكة المتحدة على أنه لا يجوز تصدير الأسلحة إذا كان هناك خطر واضح من احتمال استخدامها في انتهاك القانون الدولي.
لقد عرفت كاميرون لمدة ثلاثة عقود من الزمن، وكنت أحبه دائماً، إنه يحمل جواً من البهجة والسحر والتفاؤل رغم صعوبة الظروف، لكن حياته المهنية لم تهيئه لمواجهة رعب الإبادة الجماعية في غزة، لا تعليمه في إيتون وأكسفورد، أو سنواته الأولى كنجم صاعد في المكتب المركزي لحزب المحافظين، ولا دائرته من الأصدقاء الأثرياء والعصريين في مقاطعته الأصلية.
يحب كاميرون الناس ويثق بهم بشكل فطري في كثير من النواحي، وهذا خطأ جدير بالإعجاب، لأنه يساعد على ما أعتقد في تفسير سبب ثقة وزير الخارجية البريطاني بنتنياهو زعيم الحكومة الأكثر تطرفا ويمينية في تاريخ إسرائيل، يا له من خطأ فظيع.للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)