بقلم مها الحسيني
ترجمة وتحرير مريم الحمد
لقد كانت هذه هي الصورة التي أثارت الصدمة والغضب، حيث شوهدت هديل بين عشرات الرجال الفلسطينيين مقيدين ومعصوبي الأعين ومجردين من ملابسهم الداخلية، محشورون في شاحنة إسرائيلية مكشوفة في قطاع غزة المحاصر.
هديل الدحدوح، هي أم لطفلين، وكانت المرأة الوحيدة التي اختطفها جنود إسرائيليون عندما اقتحموا حي الزيتون في مدينة غزة أواخر العام الماضي، ففي حديثها مع موقع ميدل إيست آي، قالت أنها تعرضت مع زوجها وأصهارها وجيرانها، للحقن بمواد مجهولة وتم استجوابهم لساعات.
في المقابلة، كانت لا تزال هديل ترتدي نفس “ثوب الصلاة” الذي كانت ترتديه عندما اعتقلت لأول مرة، يغلب عليها الحزن عندما تروي الإهانة التي تعرضت لها.
“إذا تحركت كانوا يضربونني بشدة”
في شهادتها، أوضحت هديل أنه عندما حاصرت القوات الإسرائيلية منطقتها بالدبابات والمركبات المدرعة الأخرى، اضطرت مع أسرتها المكونة من زوجها وأطفالها وأصهارها واثنين من أفراد عائلة المغربي إلى البحث عن المأوى في منزلهم الصغير.
لا تعلم هديل ما هي المادة التي تم حقنها بها، ولكنها أكدت أنهم أيضاً أخذوا من جسدها ما يشبه عينة الدم
تقول هديل: “كنا نحتمي في الطابق السفلي عندما قصف الجنود الإسرائيليون أحد الجدران ودخلوا، أخذونا جميعاً إلى الخارج وفصلوا الرجال عن النساء، ثم اتصل بي أحد الضباط وقال: تعالي إلى هنا، سنقوم بإجراء اختبار لك، سألته عن نوع الاختبار فأخبرني أنه سيكون اختبارًا صغيرًا على يدي وأنني سأعود إلى أطفالي، فشعرت بالرعب، كنت خائفة على سلامة أطفالي”.
وقبل أن تغادر هديل قبو منزلها، سلمت ابنها محمد البالغ من العمر 4 سنوات وابنها زين البالغ من العمر 9 أشهر إلى حماتها لأنها كانت تخشى الأسوأ.
قالت: “أخذنا الجنود الإسرائيليون بعد ذلك إلى منزل آخر تم إخلاؤه في حي الزيتون، وبمجرد دخولنا المنزل، بدأوا على الفور بضربنا وتعذيبنا، لقد أبقونا هناك لبعض الوقت قبل أن يأتي جندي ويعطي الرجال حقنة مهدئة نوعًا ما في أسفل ظهورهم، وبعد فترة وجيزة، بدأوا بالهلوسة فلم يكونوا بوعيهم، ولم يخبرنا الجنود بما أعطوه لهم، ولكن أظن أنه كان مسكنًا لأنني خضعت سابقًا لعملية قيصرية وتم إعطائي حقنة مهدئة أصابتني بالهلوسة أيضًا”.
أحد الجنود قام بإجبار هديل على اتخاذ وضعية مجهدة ووضع رأسها على الأرض وذراعيها مقيدتين خلف ركبتيها، حيث تقول أنه تم حقنها في ظهرها بمادة قريبة من الحبل الشوكي، تقول: “لأكثر من ساعة، أُجبرت على الجلوس بهذه الطريقة ولم يُسمح لي بالتحرك، وإذا تحركت، كانوا يضربونني بشدة ويقولون (أنت عاهرة من حماس) فكنت أبكي وأتوسل وأقول أنني لست كذلك، أنا مجرد مواطنة عادية مثل أي شخص آخر”.
لا تعلم هديل ما هي المادة التي تم حقنها بها، ولكنها أكدت أنهم أيضاً أخذوا من جسدها ما يشبه عينة الدم، ثم قاموا بعد ذلك باستجوابها هي والرجال الآخرين حول هجوم 7 أكتوبر، وسألوهم عما كانوا يفعلون عندما اقتحم مقاتلو حماس السياج العازل.
تقول هديل: “كان أحد الجنود الإسرائيليين يسألني ويضربني بشدة على ظهري وساقي، وكان القيد البلاستيكي الذي كان على يدي ضيقاً للغاية فقلت له: من فضلك قم بفكه قليلاً، ولكنه قام بضربي بدلاً من ذلك وشده أكثر”.
“لقد أخذوا كل أموالي والذهب الذي كنت أحتفظ به في جواربي وحمالة صدري، بالإضافة إلى هويتي وهاتفي المحمول، ثم استجوبوني مرة أخرى حول أحداث 7 أكتوبر، وسألوني عن مكان وجود زعيم حماس يحيى السنوار” – هديل الدحدوح- معتقلة أطلق سراحها من غزة
وفي شهادتها أضافت هديل: ” تم احتجازنا في هذا المنزل ليلة واحدة، وفي الصباح أخذونا إلى مكان آخر قالوا إنه المحكمة الشرعية، كان هناك أكثر من 100 معتقل، وضعوني بين الرجال وبدأوا في ضربي ورمي الأشياء على وجهي”.
“سوف أدفنك حية”
حسب رواية هديل، فقد قامت القوات الإسرائيلية، في اليوم الثالث، بحفر ما بدا أنها حفرة وتم إلقاء هديل بها مع عشرات الرجال الآخرين، تقول: “بدأت بالبكاء والصراخ وقلت: ماذا تفعل؟ ثم قال لي أحد الضباط: سأدفنك حية، قلت له: أطلقوا النار علينا مباشرة، هذا أفضل من تعذيبنا بهذه الطريقة، فبدأ بضربي وسبي، ثم نزع حجابي”.
وأضافت: “كنت معصوبة العينين، ولكنني كنت أستطيع أن أرى قليلاً من خلال الضمادة التي كانت على عيني، أخذوا زوجي ووضعوه على الأرض بالقرب من دبابة وتظاهروا بأنهم سوف يدهسونه، ثم سمعت طلقتين ناريتين، عندها قال لي الجندي: لقد قتلت زوجك، فاعتقدت أنه مات”.
على مدار الـ 54 يومًا التالية، كانت هديل تعتقد أنها أصبحت أرملة، فلم تدرك أن زوجها ما زال حياً إلا بعد إطلاق سراحها وأن الجندي نفذ عملية إعدام وهمية.
أشارت هديل أيضاً إلى قيام الجنود بدفنها مع بعض الرجال تحت غطاء من الرمال لبعض الوقت قبل إخراجهم ونقلهم إلى مركز احتجاز، قالت: “كانوا يسكبون الرمال علينا ويسبوننا، وكنا نظن أنهم سوف يقومون بدفننا”.
وعند تذكر صورة الشاحنة الشهيرة، تقول هديل: “كنت المرأة الوحيدة بين عشرات الرجال، أخذونا إلى المنطقة الحدودية حيث رأيت 3 نساء أخريات من عائلة أبو زور، ولمدة 3 أيام، تُركنا دون أي نوع من الطعام، كنت أتألم بسبب احتقان الثدي، لأنني في ذلك الوقت كنت لا أزال أرضع طفلي، وبما أنني لم أتمكن من إرضاعه أيامًا، فقد امتلأ ثدياي لبنًا”.
تؤكد هديل أنها نُقلت بعد ذلك إلى مركز احتجاز آخر في القدس، حيث تم تفتيشها بشكل تجريدي ومصادرة متعلقاتها، قالت: “لقد أخذوا كل أموالي والذهب الذي كنت أحتفظ به في جواربي وحمالة صدري، بالإضافة إلى هويتي وهاتفي المحمول، ثم استجوبوني مرة أخرى حول أحداث 7 أكتوبر، وسألوني عن مكان وجود زعيم حماس يحيى السنوار”.
“صدمت عندما رأيت أطفالي، لقد كانوا نحيفين للغاية ويعانون من سوء التغذية الحاد” – هديل الدحدوح- معتقلة أطلق سراحها من غزة
أردفت قائلة: “كنت أبكي وأطلب من الضابط إعادتي إلى المنزل لأطفالي لأنني لم أكن أعرف شيئًا عما كان يقوله، فقال لي: لن أعيدك إلى المنزل إلا عندما يعود أبناؤنا في غزة إلى المنزل، ثم تم وضعنا في زنزانة تشبه قفص الحيوانات، كان المطر يهطل علينا وكان الجو شديد البرودة، وكانوا يضربوننا ويعذبوننا كل يوم، من حوالي الساعة 4 صباحًا حتى 10 مساءً، وكانوا يجبروننا على الجلوس في وضعية السجود ولم يسمحوا لنا بالتحرك أو تغيير وضعنا”.
“عندما رأيت أطفالي…”
في إحدى مرات الضرب المبرح، تعرض جرح ولادة هديل القيصري للإصابة، مما جعلها تتوقع أن يعيدها الجيش إلى غزة بسبب ذلك، ولكن بدلاً من ذلك، تم نقلها إلى سجن الدامون حيث تعرضت للتعذيب لمدة 6 أيام قبل نقلها إلى معبر كرم أبو سالم على طول السياج الفاصل مع غزة.
عن تلك اللحظة، تروي هديل: “لقد تركونا هناك وأمرونا بالتوجه نحو غزة دون أن ندير رؤوسنا إلى الوراء، وعندما وصلنا إلى منشأة تابعة للأمم المتحدة في رفح جنوب قطاع غزة، هناك علمت أن زوجي لا يزال على قيد الحياة وأنه تم إطلاق سراحه قبل بضعة أيام، لكن أطفالي كانوا لا يزالون في مدينة غزة، أحدهم كان مع والدتها والآخر مع حماتها.
تقول هديل: ” لم أتمكن من العودة إلى مدينة غزة بعد إطلاق سراحي، ولم تتمكن والدتي وحماتي من القدوم إلى الجنوب لأنهما كبيرتان في السن ولا يمكنهما المخاطرة بعبور شارع الرشيد أو عبر الحواجز الإسرائيلية”.
وبعد أيام من الانتظار، تم لم شملها أخيرًا مع أطفالها بعد أن اتخذت زوجة أخيها القرار الشجاع بمغادرة مدينة غزة وإحضار أطفالها إليها، تقول “صدمت عندما رأيت أطفالي، لقد كانوا نحيفين للغاية ويعانون من سوء التغذية الحاد”، وأضافت: “مما زاد الطين بلة أن الجيش أخذ كل أموالي وذهبي وتركني في حالة صحية سيئة، فقد تمزق الجرح الناتج عن العملية القيصرية وتلوثت المنطقة، ولا أستطيع التحرك أو رعاية أطفالي”.
حذرت وكالات الإغاثة من أن الحرب على غزة، التي تقترب الآن من شهرها السادس، تركت ما يقرب من نصف الفلسطينيين في غزة، أي حوالي 1.1 مليون شخص، يعانون من جوع “كارثي”، ولا يعمل إلا القليل من مستشفيات غزة اليوم وبشكل جزئي، فليس هناك ما يكفي من الإمدادات الطبية أو الأطباء أو الموظفين للتعامل مع أعداد الجرحى.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)