لم يعلم يوسف سرور ما إذا كان شهر رمضان قد بدأ أم لا، فقد اعتُقل في 18 تشرين الأول/ أكتوبر وكان في سجن النقب يوم حلول الشهر الكريم في العاشر من آذار/ مارس.
وقال سرور “لا يملك الأسرى أي وسيلة للتواصل مع العالم الخارجي، فإذا وجد السجانون سلكاً أو بطاريات في الغرفة، يتم ضرب جميع الأسرى ومعاقبتهم وإخراجهم من الغرفة ومصادرة جميع مقتنياتهم”.
وأضاف سرور الذي اعتقل من منزله في نعلين، غرب رام الله وسط الضفة الغربية المحتلة أن جميع الأسرى قدروا بداية شهر رمضان بناءً على وقت وصولهم إلى السجن.
وبعد ستة أشهر من الاعتقال الإداري، خرج سرور البالغ من العمر 49 عاماً إلى المستشفى قبل أسبوع حيث كان يعاني من نقص شديد في الوزن وظهرت عليه علامات التعب والإهمال.
وشرح عن معاناته بالقول أنه لا يستطيع إحصاء عدد المرات التي تعرض فيها للضرب المبرح خلال تلك الأشهر في السجن.
ومنذ السابع من أكتوبر، نفذ جيش الاحتلال حملة اعتقالات متواصلة وواسعة النطاق في جميع أنحاء الضفة الغربية المحتلة، استهدفت ما يقرب من 8000 فلسطيني، بمن فيهم النساء والأطفال والمرضى وكبار السن.
وبحسب مؤسسة الضمير الحقوقية فإن ما يقدر بنحو 9100 أسير محتجزين في السجون الإسرائيلية، منهم 3558 معتقلاً إدارياً محتجزون دون تهمة أو محاكمة.
وتصف إسرائيل اعتقال فلسطينيين من غزة بأنه جزء ضروري من عملياتها ضد حماس، ففي شباط/ فبراير، اعتقل جيش الاحتلال امرأة فلسطينية تبلغ من العمر 82 عاماً في غزة بموجب قانون يهدف إلى اعتقال المقاتلين غير الشرعيين.
“باختصار، كانوا يطعموننا فقط حتى لا نموت” – يوسف سرور، أسير فلسطيني
ووفقاً للمحامين ومنظمات حقوق الإنسان التي تراقب أحوال الأسرى الفلسطينيين، فإن الأشهر الستة الأخيرة تمثل مرحلةً من أسوأ الفترات الزمنية على الإطلاق.
ويتطابق ذلك مع وصف سرور لشهر رمضان في السجن بأنه “كابوس لا ينتهي” ومع وصفه من قبل آخرين بأنه أسوأ الفترات التي مروا بها في السجن منذ عقود، حيث يحرمون من الصلاة ومن قراءة القرآن.
ولم تقتصر معاناة الأسرى على تعرضهم للاعتداء الجسدي فحسب، بل تعدتها لانتهاكات أخرى تشمل التجويع والحرمان من النوم وقطع الاتصال بأسرهم ومنع المياه عنهم.
وكغيره من الأسرى السابقين، تم استهداف سرور في حملة القمع التي أعقبت يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر.
فقد احتُجز دون تهمة أو محاكمة، وفقد 42 كيلوغراماً من وزنه في السجن، وأظهرت الفحوصات الطبية التي أجريت له بعد إطلاق سراحه أنه يعاني من نقص غذائي حاد، لذا نصحه الأطباء بتناول الحساء فقط خلال الشهر التالي.
في شهر رمضان هذا العام، لم يختلف الطعام المقدم للأسرى عن نظامهم الغذائي المعتاد، والذي يتكون من وجبة واحدة في اليوم، تتألف من 12 ملعقة كبيرة من الأرز، وثلاث ملاعق من شوربة العدس، و50 جراماً من الكرنب المفروم.
ويقول الأسرى أن ماء الشرب الذي يحصلون عليه له طعم شبيه برائحة الكلور.
وقال سرور إن سجن النقب، الذي وصفه الأسير الفلسطيني لؤي الطويل في كانون الثاني/ يناير بأنه نسخة طبق الأصل عن سجن أبو غريب وخليج غوانتانامو الأمريكيين سيئي السمعة، كان أيضاً موقعاً للضرب المنتظم لنزلائه.
وأضاف سرور أنه تعرض للاعتداء أربع مرات في الأسبوع، مشيراً إلى أن أكثر من 20 من حراس السجون الإسرائيليين كانوا يضربون أسيراً واحداً بعنف حتى ينزف أو يصبح غير قادر على الحركة قبل أن يتركوه نازفاً ليتلقى العلاج بالماء فقط من الأسرى الآخرين.
وأردف: “أظهرت الأشعة السينية أنني مصاب بكسر في الفقرتين الثالثة والرابعة من العمود الفقري جراء الضرب المبرح، وكان معظم الأسرى يعانون من كسور في الأضلاع وجروح عميقة في الرأس”.
وتابع: “لقد تم اعتقالي خمس مرات في السابق، لكن شهر رمضان الحالي هو الأسوأ في سجون الاحتلال الإسرائيلي، ورغم ذلك فإن الأسرى لديهم أمل في إطلاق سراحهم قريبا”.
وتعيش نعمة الدويك حالة من القلق المستمر منذ اعتقال ابنتها عرين القواسمي (20 عاماً) ووالدها عزيز الدويك (76 عاماً).
اعتقل الدويك في الأب في تشرين الأول/ أكتوبر، بعد وقت قصير من بدء الحرب، ثم اعتقلت ابنتها في كانون الأول/ ديسمبر.
“بسبب سياسة التجويع بحق السجناء، أصبح من الصعب عليهم ممارسة شعائرهم الدينية خلال شهر رمضان” – تالا ناصر، الضمير
وكان عزيز الدويك، عضو حماس الذي انتخب رئيسا للمجلس التشريعي الفلسطيني عام 2006، قد أصيب بجلطة دماغية قبل شهر من اعتقاله، واحتاج إلى علاج مستمر وفحوصات متابعة، وهو الأمر الذي لا تسمح به إسرائيل للأسرى الفلسطينيين.
وقال بعض الأسرى المفرج عنهم من سجن النقب لعائلة الدويك أنهم لن يتمكنوا بعد الآن من التعرف عليه بسبب نحافته الشديدة وتعرضه للإهمال الطبي.
وأوضحت نعمة الدويك: “لم توافق إسرائيل على زيارة محامٍ لوالدي حتى نتمكن من الاطمئنان عليه، وبعد أربعة أشهر من المماطلة، سمحت للمحامي برؤيته لمدة 10 دقائق فقط”.
وقال والدها، الذي فقد 30 كيلوغراما من وزنه، للمحامي إن الطعام شحيح للغاية ولا تؤخذ في الاعتبار الظروف الطبية للأسرى.
وقالت نعمة: “خلال شهر رمضان، أفتقد والدي وابنتي، كان هذا الشهر مميزاً بوجودهما سابقاً لكن الآن أصبح كل شيء فارغ ولا نشعر بأي شيء سوى القلق والشوق”.
وعلى الرغم من قِلة الحصص الغذائية، فإن إدارة السجن تتعمد تأخير تسليم الوجبات للأسرى حتى ساعتين بعد الإفطار.
كما يقوم حراس السجن بعمليات تفتيش وإحصاء للأسرى قبل تقديم الوجبات لهم، كجزء من سياسة ممنهجة لإحباطهم.
وقالت تالا ناصر، محامية مؤسسة الضمير أن رمضان هذا العام يأتي في وقت تُفرض فيه العزلة الكاملة على الأسرى الفلسطينيين.
وأضافت ناصر أن مصلحة السجون الإسرائيلية منعت محامي الصليب الأحمر من زيارة الأسرى وعرضتهم إلى التعذيب وسوء المعاملة التي أدت إلى استشهاد 13 أسيراّ منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر.
وأكدت ناصر أنه تم إغلاق المقصف، وهو المتجر الوحيد الذي يقدم الوجبات للأسرى، مما أدى إلى فقدانهم أكثر من 20 كجم من وزنهم في المتوسط.
وأوضحت: “بسبب سياسة التجويع التي يتعرض لها الأسرى، أصبح من الصعب عليهم ممارسة شعائرهم الدينية خلال شهر رمضان، والتي يُمنعون أصلاً من أدائها تحت عدة ذرائع”.
ووصفت ناصر ما يحدث للأسرى بأنه سلسلة من الجرائم المرتكبة بحقهم.
وقالت أن هذه التكتيكات هي الأكثر وحشية بالنسبة لأسرى غزة، الذين لا يُعرف عددهم وظروف اعتقالهم ومعدل الإصابات في أوساطهم.
وختمت بالقول أن أسرى غزة يتعرضون للضرب كل يوم، فيما يقول الأسرى الآخرون أن صراخهم يمكن سماعه في أروقة السجن.