بقلم جورجيو كافيرو
ترجمة وتحرير مريم الحمد
لقد وضعت الحرب على غزة قضية فلسطين في مقدمة ومركز الاهتمام العالمي، فلم يعد يمكن لأي قوة كبرى تجنب الإجابة عن سؤال يتعلق بغزة أو بفلسطين بعد اليوم، فقد أدت الحرب دفن فكرة أن النضال الفلسطيني يمكن دفنه باتفاقيات إبراهيم.
من جهتهما، فقد كانت الطريقة التي تعاملت بها كل من الصين وروسيا مع تداعيات الحرب على غزة مفيدة للسياسة الخارجية لكليهما تجاه الشرق الأوسط، ففي نهاية المطاف، كانت الحرب التي شنتها إسرائيل على غزة، بمثابة هدية لبكين وموسكو، لأنها سهلت عليهما تسليط الضوء على نفاق الغرب في مجال حقوق الإنسان.
“تريد بكين أن تنحاز إلى الرأي العام العربي والإسلامي، لكنها تريد أيضًا الحفاظ على التعاون مع إسرائيل الذي تقدره، ومع ذلك، فإن هذا التشابه في السياسة الروسية والصينية لا يحتاج إلى التنسيق بينهما، ولكنه قد يكون ببساطة نتيجة سعي كل منهما إلى تحقيق مصالحه الخاصة التي تتطابق إلى حد كبير” – مارك كاتز- أستاذ السياسة في جامعة جورج ماسون
يرى الباحث المقيم في معهد دول الخليج العربية في واشنطن، حسين إبيش، أن القضية الفلسطينية “مفيدة” للصين وروسيا، لأنها تساعد في بناء قضيتهما ضد النظام الدولي والإقليمي الذي يتحداه، كما يسهل بذلك على القوتين اتهام الغرب بازدواجية المعايير “من خلال التأكيد على نظام يفترض أنه قائم على القواعد ويسمح مع ذلك باستثناءات للدول العميلة المفضلة بشكل خاص مثل إسرائيل، وضد الشعوب غير المفضلة مثل الفلسطينيين”.
على الجانب الآخر، يمكن القول أنه، رغم قيام مبعوث صيني بلقاء الزعيم السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، في قطر في 17 مارس، واستضافة روسيا لحماس والجهاد الإسلامي وفتح وفصائل أخرى في اجتماع فلسطيني داخلي، إلا أن كل من بكين وموسكو لم تقدما أي مساعدة ملموسة للقضية الفلسطينية.
كان بإمكانهم فعل المزيد للضغط على إسرائيل من خلال فرض عقوبات اقتصادية وتجارية، أو قطع أو على الأقل خفض مستوى العلاقات الدبلوماسية مع تل أبيب، أو الانضمام إلى دول أخرى في محكمة العدل الدولية، أو فرض قيود على السفر.
لم يحصل أي من ذلك، والسبب تفسره مصالحهم الوطنية، ببساطة، فإن بكين وموسكو يستفيدان بطرق عديدة من علاقاتهما المتعددة الأوجه مع تل أبيب، فبغض النظر عن كل الموت والدمار والمجاعة في غزة، تسعى الصين وروسيا إلى الحفاظ على علاقاتهما مع إسرائيل.
وفقاً لمدير مركز الأمير الوليد بن طلال للتفاهم الإسلامي المسيحي بجامعة جورج تاون، نادر هاشمي، فإن “كلاً من الصين وروسيا تتمتعان بعلاقات تجارية مهمة مع إسرائيل، وهم لا يريدون تعطيل ذلك”.
مصالح مشتركة
يرى أستاذ السياسة في جامعة جورج ماسون، مارك كاتز، أن الصين وروسيا لديهما مصالح مماثلة عندما يتعلق الأمر بإسرائيل والحرب في غزة، حيث “تريد بكين أن تنحاز إلى الرأي العام العربي والإسلامي، لكنها تريد أيضًا الحفاظ على التعاون مع إسرائيل الذي تقدره، ومع ذلك، فإن هذا التشابه في السياسة الروسية والصينية لا يحتاج إلى التنسيق بينهما، ولكنه قد يكون ببساطة نتيجة سعي كل منهما إلى تحقيق مصالحه الخاصة التي تتطابق إلى حد كبير”.
“كلاً من روسيا والصين وإيران تسعى إلى تشكيل محور ضد الإمبريالية الأمريكية، لكن لا أعتقد أن روسيا والصين لديهما نية حقيقية للتدخل عندما يتعلق الأمر بإسرائيل وفلسطين” – نادر هاشمي- جامعة جورج تاون
في ذلك السياق، ليس من المستغرب إذن أن يسعى الكرملين إلى الحفاظ على “علاقات جيدة نسبيًا” مع تل أبيب، مع الأخذ بعين الاعتبار أن العديد من المليارديرات الروس المؤثرين يحملون الجنسية الإسرائيلية، حسبما أوضح المحلل السياسي، نيكولا ميكوفيتش، في حديثه مع موقع ميدل إيست آي.
يقول ميكوفيتش: ” حقيقة أن إسرائيل لم تنضم إلى العقوبات ضد روسيا ولم تزود أوكرانيا، على الأقل رسميًا، بالأسلحة، تسمح لموسكو بالتصرف كصديق لكل من إسرائيل والفلسطينيين”.
من جانب آخر، فإن تعثر موسكو في أوكرانيا، وتهديد تفكك الصراع المجمد بين مولدوفا وترانسنيستريا، وتركز اهتمام روسيا بالكامل مؤخراً على التهديد الذي يشكله تنظيم الدولة الإسلامية وخراسان في أعقاب الهجوم على قاعة الحفلات الموسيقية في 22 مارس، فإن الحكومة الروسية لا تبدو متفرغة للتدخل في موضوع الحرب على غزة بقوة، خاصة بالنظر إلى الأبعاد الإقليمية والدولية للصراع.
أما بالنسبة لـ “محور المقاومة” الذي تقوده إيران، فإن الحرب على غزة هي بمثابة نداء تنبيه إلى أن الصين وروسيا ليستا حليفتين لطهران والجماعات المتحالفة التي تدعمها إيران، مثل حزب الله اللبناني.
“طالما تظل روسيا منشغلة بالحرب في أوكرانيا، فمن غير المرجح أن تكون الصين على استعداد لتعريض علاقاتها مع الولايات المتحدة، الشريك التجاري الرئيسي لبكين، للخطر بسبب إسرائيل” – نيكولا ميكوفيتش- محلل سياسي
توضح المديرة المشاركة في برنامج شرق آسيا في مركز ستيمسون، يون سون، ، أن هناك “الكثير من التهويل” حول فكرة المحور الصيني الروسي الإيراني، حيث أن “لدى روسيا والصين وإيران بعض المصالح المشتركة، مثل مواجهة النفوذ الأمريكي في المنطقة، لكنهم ليسوا دائمًا على اتفاق، فالصين لا تؤمن باستراتيجية الفوضى، ووارداتها النفطية تعتمد في الواقع على الاستقرار في المنطقة”.
“تفكير حكيم”
يرى كاتس أنه كان من الممكن على موسكو أن تجعل من الصعب على إسرائيل ضرب أهداف لإيران وحزب الله “من خلال تسليم المزيد من أصول الدفاع الجوي إلى سوريا أو إيران أو حزب الله، والسماح بمعرفة أن القوات الروسية كانت متواجدة مع إيران وحزب الله حتى تكون إسرائيل عرضة للانتقام الروسي إذا هاجمت أيًا منهما”.
من جانبه، رفض الهاشمي فكرة “محور” الصين وروسيا وإيران، معتبراً أن ذلك يعود إلى “اماني اليساريين في الغرب والذين يشعرون بالانزعاج من سياسة الولايات المتحدة والسياسة الغربية في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك في الشرق الأوسط”.
وأضاف هاشمي أن “كلاً من روسيا والصين وإيران تسعى إلى تشكيل محور ضد الإمبريالية الأمريكية، لكن لا أعتقد أن روسيا والصين لديهما نية حقيقية للتدخل عندما يتعلق الأمر بإسرائيل وفلسطين”.
من جانبه، وصف إيبيش الصين وروسيا وإيران بأنها قوى لها أجندات مناهضة للوضع الراهن، فبالنسبة لتلك القوى فإن “النظام الدولي لفترة ما بعد الحرب الباردة الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة والغرب والذي ظهر بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، غير مناسب وغير مرغوب فيه”.
وفي نفس الوقت، أشار إيبيش إلى أن بكين وموسكو وطهران “لا تشترك في رؤية أيديولوجية، أو نتيجة عالمية أو إقليمية مفضلة، أو حتى مصالح مشتركة، لذلك فإن من المبالغة الجامحة أن نتصور أنهم يشكلون تحالفًا أو محورًا ثلاثيًا”.
في نهاية المطاف، لم يكن هناك تحالفات رسمية بينهم يوماً، حيث أوضح ميكوفيتش أنه، وعلى مدى العقدين الماضيين، تخلت روسيا عن إيران “في كل منعطف” كما تقتضي مصالحها الخاصة، تاريخياً، استخدمت روسيا إيران كثقل موازن أو مصدر نفوذ لموازنة علاقاتها مع الغرب”.
وأضاف ميكوفيتش أنه “على الرغم من أن إيران تزود روسيا الآن بالأسلحة، فإن هذا لا يعني أن البلدين لديهما نفس الأهداف عندما يتعلق الأمر بالحرب في غزة، فموسكو وبكين لا تتخذان أي خطوات عملية لمساعدة الفلسطينيين ووقف الأعمال الإسرائيلية في غزة”.
ويؤكد ميكوفتش أنه “طالما تظل روسيا منشغلة بالحرب في أوكرانيا، فمن غير المرجح أن تكون الصين على استعداد لتعريض علاقاتها مع الولايات المتحدة، الشريك التجاري الرئيسي لبكين، للخطر بسبب إسرائيل”.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)