بقلم بيتر أوبورن
ترجمة وتحرير مريم الحمد
خلال 6 شهور، ذبح الجيش الإسرائيلي أكثر من 32 ألف فلسطيني، يضاف إليها آلاف الجثث الأخرى تحت أنقاض غزة، فيما أصيب أكثر من 70 ألف شخص، كثيرون منهم تعرضوا لتشوهات دائمة، ومن بين القتلى ما لا يقل عن 90 صحفيًا وإعلاميًا فلسطينيًا، ونحو 200 عامل إغاثة.
ناهيك عن التدمير المنهجي للمدارس والمستشفيات وتهجير 85% من سكان غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة وسط مجاعة متفاقمة، ولو قسنا ذلك على بريطانيا، فذلك يعني مقتل مليون بريطاني على الأقل، بمن فيهم ما يقرب من 400 ألف طفل.
من الأهمية بمكان أن نلاحظ أن عدداً لا يحصى من الفلسطينيين قد تم ذبحهم على يد القوات الإسرائيلية بنفس الطريقة، دون أن يثير الساسة الغربيون أي دهشة أو تحصل أي احتجاجات في وسائل الإعلام الغربية
رغم ذلك، فقد كان الساسة من الحزبين السياسيين الرئيسيين في بريطانيا، المحافظين والعمال، فضلاً عن وسائل الإعلام الرئيسية، لا يشعرون بأي مشكلة في دعم إسرائيل وحمايتها، حتى أن وسائل الإعلام البريطانية قامت بشيطنة الفلسطينيين و تجريدهم من إنسانيتهم، في حين ألقت بثقلها خلف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
في كثير من الأحيان، تداولت وسائل الإعلام الأكاذيب والافتراءات التي رواها لها الجيش الإسرائيلي على أنها حقائق دامغة، في حين قامت بقمع أو تجاهل الأدلة الواضحة على الفظائع الإسرائيلية، لكن كل هذا تغير بين عشية وضحاها، فكيف ذلك؟
ضجة إعلامية
على سبيل المثال، كتبت صحيفة التايمز في عنوانها الرئيسي: “الاحتجاج على وفاة العاملين في الإغاثة” مع صور لثلاثة من ضحايا الغارة الإسرائيلية على قافلة مساعدات تابعة للمطبخ المركزي العالمي كانت تسير عبر غزة، حيث قتل 7 من العاملين، 3 منهم بريطانيين بالإضافة إلى استرالي واحد وبولندي واحد وأمريكي وكندي والأخير فلسطيني.
هذه هي نفس صحيفة التايمز التي وضعت، قبل شهرين فقط، حكم محكمة العدل الدولية بضرورة التحقيق مع إسرائيل بتهمة الإبادة الجماعية إلى الصفحة الثالثة من القسم الدولي في الصحيفة!
وهي نفس صحيفة التايمز التي تجاهلت قبل يومين نشر التصريح المفاجئ الذي أدلت به رئيسة لجنة الشؤون الخارجية، أليسيا كيرنز، بأن محامي الحكومة كانوا يعرفون بأن إسرائيل انتهكت القانون الإنساني الدولي.
لا يتوقف الأمر عند صحيفة التايمز، فقد أعطت كل الصحف البريطانية أهمية لمذبحة الجيش الإسرائيلي للعاملين السبعة، ولا يخفى سبب التغير هذا، فقد كان جميع ضحايا الجريمة، باستثناء واحد، من الأجانب البيض، ولو كان القتلى يحملون أسماء عربية، لربما كانوا لم يتناولوا القصة من الأساس!
إدانة رسمية
لو سألنا أنفسنا، كم عدد عمال الإغاثة ممن يعملون في الأونروا الذين قتلتهم إسرائيل ظهروا على الصفحة الأولى من صحيفة التايمز؟! لا أحد، فالوحيدون من موظفي الأونروا الذين حصلوا على تغطية واسعة النطاق في أهم الصحف البريطانية هم أولئك الذين اتهمتهم إسرائيل، على أساس ادعاءات غير مثبتة، بلعب دور في في 7 أكتوبر.
لقد كانت الجريمة الحقيقية في نظر الغرب هي ذبح إسرائيل للأشخاص البيض، وهذا لا يقلل من كونها مأساة إنسانية فظيعة للعاملين في الإغاثة وأسرهم، لكنها أيضًا قصة العنصرية الغربية!
هذا التوضيح لا يقلل بأي حال من الأحوال من بطولة وتضحية 7 من المتطوعين في المطبخ المركزي العالمي، بل على العكس، ولكن من الأهمية بمكان أن نلاحظ أن عدداً لا يحصى من الفلسطينيين قد تم ذبحهم على يد القوات الإسرائيلية بنفس الطريقة، دون أن يثير الساسة الغربيون أي دهشة أو تحصل أي احتجاجات في وسائل الإعلام الغربية.
لقد فاق الضجيج في الأوساط الغربية حول قتل إسرائيل لسبعة من العاملين في الإغاثة خلال الـ 24 ساعة الماضية أضعاف الاهتمام بقتل أكثر من 32 ألف فلسطيني.
لنأخذ كاميرون كمثال، فهو يبدو متصالحاً مع فكرة القتلى الفلسطينيين، فيما تطلب الأمر مقتل 7 من العاملين في الإغاثة حتى يتمكن من استدعاء السفير الإسرائيلي لدى وزارة الخارجية!
هناك مثال آخر يمثله رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، فلم تكن المجازر التي لا تعد ولا تحصى إلى جانب العقاب الجماعي للسكان الفلسطينيين في غزة، كافية لكي يسحب سناك دعمه “القاطع” لنتنياهو، فيما سارع بإدانة ما حصل مع العالمين السبعة!
هل هناك نقطة تحول؟
الأحداث الصغيرة نسبيًا هي غالبًا ما يغير المشاعر العامة، ففي عام 2003، تطلب الأمر وفاة العالِم البريطاني، ديفيد كيلي، لتركيز الاهتمام على فضيحة أكاذيب توني بلير حول ما يسمى بأسلحة الدمار الشامل وعدم شرعية حرب العراق.
وفي قصة أخرى، فقد استغرق الأمر الكشف عن قيام صحفيين تابعين لروبرت مردوخ باختراق هاتف التلميذة المقتولة ميلي داولر لجذب انتباه الرأي العام إلى فضيحة اختراق الهاتف.
عندما رأيت رد الفعل على مقتل العاملين السبعة، تساءلت عما إذا كان ذلك كافياً لتغيير المزاج في وستمنستر وواشنطن تجاه سلوك إسرائيل القاتل
أتمنى أن يحدث ذلك، لكني أشك في ذلك، وأتوقع إجراء تحقيق شامل في الظروف المحيطة بقتل الجيش الإسرائيلي للعاملين، وسوف نسمع تصريحات من أهالي الضحايا ونتعرف على قصص حياتهم، كما أتوقع أن يتم معاقبة ضابط الجيش الإسرائيلي المسؤول، وهو أمر غير معتاد.
سينتهي الأمر عند هذا الحد وستستمر الحياة، فقليلون يريدون قول هذا بصوت عالٍ، فليس هناك احتجاجات رسمية جدية في بريطانيا والولايات المتحدة طالما أن الفظائع كانت مقتصرة على الفلسطينيين، لقد كانت الجريمة الحقيقية في نظر الغرب هي ذبح إسرائيل للأشخاص البيض، وهذا لا يقلل من كونها مأساة إنسانية فظيعة للعاملين في الإغاثة وأسرهم، لكنها أيضًا قصة العنصرية الغربية!
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)