بقلم محمد أبو رمان
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
خلال الأيام الأخيرة، حاصر آلاف المتظاهرين السفارة الإسرائيلية في عمان مطالبين بإنهاء الحرب على غزة، وفي أواخر الشهر الماضي، اعتقلت القوات الأردنية نحو 200 متظاهر بعد محاولتهم اختراق الطوق الأمني حول مجمع السفارة.
ورغم أن السفارة مازالت خاليةً من البعثة الدبلوماسية منذ مغادرة السفير الإسرائيلي عمان في تشرين الأول/أكتوبر واستدعاء الأردن سفيره من تل أبيب في تشرين الثاني/نوفمبر، إلا أن منظمي الاحتجاج تعهدوا بمواصلة التظاهر حتى تنتهي الحرب ضد الفلسطينيين في غزة.
تركزت الاحتجاجات في محيط مسجد الكالوتي ومناطق أخرى قريبة من السفارة، لكن معركة موازية تدور رحاها على وسائل التواصل الاجتماعي بين مؤيدي الحركة الاحتجاجية ومعارضيها.
في هذه المعركة يجري استخدام الخطابات ومقاطع الفيديو والصور الخاصة بالمظاهرات لبناء روايات مستقطبة حول حركة الاحتجاج والدوافع الكامنة وراءها وقد تمدد هذا النقاش إلى خارج حدود الأردن.
يمثل التصريح الأخير لعضو المجلس الوطني الفلسطيني أسامة العلي، المنتمي إلى حركة فتح أحد الأمثلة على ذلك، فهو ردد رواية إسرائيل ضد حماس، ووصف المتظاهرين الأردنيين بأنهم “أبقار متخلفة”.
كما خصصت بعض شبكات الأخبار العربية، بما في ذلك قناة العربية وسكاي نيوز عربية، تغطية واسعة النطاق للضيوف الذين ينتقدون الاحتجاجات، بما في ذلك إطلاقهم لمزاعم بأن جماعة الإخوان المسلمين وحماس تتآمران مع إيران لإثارة البلبلة في الأردن.
ويمثل هذا تحولاً عن التغطية السابقة للعديد من شبكات الأخبار الخليجية الكبرى، والتي بدت في الأشهر الأخيرة أكثر تردداً في انتقاد حماس.
معارك سردية شرسة
يثير هذا الجدل عدداً من الأسئلة الأساسية: لماذا تركز الحروب الإعلامية على احتجاجات عمان إلى هذا الحد؟ لماذا تدور مثل هذه المعارك السردية الشرسة حول هذه الحركة؟ على الرغم من الاحتكاكات الطفيفة، حيث كانت الاحتجاجات سلمية إلى حد كبير، فلماذا يتم تسليط الضوء عليها بهذه الضخامة؟
ويبدو أن هذه المظاهرات أصبحت متشابكة بشكل كبير مع الأجندات الإقليمية والمحلية المتضاربة، فقد كان هناك عدد من الأحداث المحورية في هذا الصدد، فبعد الهجوم الإسرائيلي المميت هذا الشهر على القنصلية الإيرانية في سوريا، والذي أسفر عن مقتل العديد من القادة الإيرانيين، هدد المتحدث باسم الميليشيا العراقية الموالية لإيران، كتائب حزب الله، بتسليح 12 ألف مقاتل أردني لمحاربة إسرائيل.
وأعقب ذلك تصريحات لقادة بارزين في حماس أكدوا على أهمية الاحتجاجات الأردنية، بالإضافة إلى ذلك، خصص أبو حمزة، المتحدث باسم حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية، رسالة دعم لمتظاهري الكالوتي.
وعلى الجانب الآخر، واجهت الاحتجاجات الأردنية انتقادات لتجاوزها خطاً أحمر في سياق المناقشات العامة، وحتى تهديد الوحدة الوطنية، حيث استهدف بعض المنتقدين السكان الفلسطينيين في الأردن، مستحضرين صراعات سابقة، مثل أيلول الأسود، عندما اشتبك الجيش الأردني مع المسلحين الفلسطينيين في البلاد.
وانخرط آخرون في خطاب الكراهية على وسائل التواصل الاجتماعي، مستخدمين علامات مثل “الضيف الشرير” للإشارة إلى الفلسطينيين في الأردن، وهذا خطاب خطير واستفزازي يهدد بتأجيج الاضطرابات الاجتماعية.
لقد تجلت الانقسامات الداخلية في الأوساط السياسية الأردنية حول الوضع في غزة في الحرب الإعلامية المستمرة، ويخشى البعض من أن تعمل الاحتجاجات على تمجيد قادة حركة حماس من خلال الشعارات والملصقات والهتافات، مما يعني في الأساس اختطاف الشوارع الأردنية من خلال إعطاء الأولوية للاعتبارات الأيديولوجية على المصالح الوطنية.
ويعتقد أولئك الذين يؤيدون هذا الرأي أن المصلحة الوطنية الأردنية تتطلب التراجع، بدلاً من القفز مباشرة إلى المعركة الدائرة حول حرب غزة، لكن من على الجانب الآخر يعتقدون أن الأردن يجب أن يتشدد في موقفه تجاه إسرائيل في مواجهة عدوانها المستمر على الشعب الفلسطيني
وبالتالي فإن القضية المركزية ليست مظاهرات الكالوتي نفسها، حيث شهد الأردن في السابق حركات احتجاجية شعبية واسعة النطاق، وتم احتواؤها في نهاية المطاف، لكن هذه المرة، كان حجم المعركة الإعلامية والدعائية المصاحبة مذهلاً، وهكذا تحولت مظاهرات عمان إلى مسرح تجري فيه المواجهات المحلية والإقليمية حول الحرب في غزة.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)